‏الشامية تلقي قنبلة في حضن الائتلاف.. هل ستنفجر؟

2024.09.06 | 08:37 دمشق

25444444444442
+A
حجم الخط
-A

بدعوة من وزارة الخارجية التركية، عُقد في قاعة بمطار غازي عنتاب اجتماع موسع شمل كل القوى السياسية والعسكرية، ممثلة بالائتلاف وحكومته المؤقتة وهيئة التفاوض، والتي يرأسها بطبيعة الحال عضو من الائتلاف بشكل دائم. وحضرته كل الفصائل العسكرية المنضوية شكليًا تحت مظلة الجيش الوطني التابع للحكومة، التي من المفترض أنها تابعة للائتلاف.

وحضر اللقاء من الجانب التركي، بالإضافة إلى ممثل وزارة الخارجية التركية، ممثل عن جهاز الاستخبارات، والذي بدأ مداخلته بتذكير المعارضة بالمتغيرات الكبيرة التي حصلت حين قال لهم إن هذه القاعة شهدت سابقًا اجتماعات كثيرة لدعم المعارضة شارك بها دول عدة، واليوم لم يبقَ لكم من هذه الدول سوى تركيا وقطر.

رئاسة الائتلاف الحالية، ومنذ توليها المهمة قبل عام، طلبت من الجانب التركي تسهيل عقد مثل هذا اللقاء لردم الهوة بين مكونات المعارضة، خصوصًا تلك الواقعة بين المكونات السياسية والعسكرية، لكن تم تأجيل هذا اللقاء لاعتبارات تخص الجانب التركي.

في ثنايا تفاصيل ما جرى داخل القاعة تلك، الكثير من الأحداث والصراعات بين الحضور، تكشف عن جوانب متعددة للتحالفات والتوازنات في الشمال السوري، التي يتداخل فيها العسكري مع السياسي بشكل معقد، لدرجة يصعب معها تحديد من يتحالف مع من. وربما كانت هذه الحال نتيجة لسياسة إدارة المنطقة في السنوات الأخيرة، وليست وليدة صراعات سوريين فيما بينهم، وبالتأكيد ليست مصادفة.

الائتلاف اليوم أمام اختبار حقيقي ربما لم يشهده منذ أزمة التوسعة الشهيرة قبل عشر سنوات.

أبرز تلك الصراعات التي خرجت بعد هذا الاجتماع هو اصطفاف واضح من قبل القوة المشتركة مع الحكومة المؤقتة ضد الائتلاف وبقية فصائل الجيش الوطني. وقد عبرت عن ذلك المداخلات النارية بين الطرفين، والتي وصلت لدرجة أن يصف رئيس الحكومة المؤقتة فصيلًا في الجيش الوطني، الذي من المفترض أنه تابع له، بـ"الفصيل الإرهابي"، بحسب ما ذكرت الجبهة الشامية في بيانها الناري، والذي طالبت فيه بإقالة الحكومة المؤقتة، ودعت الائتلاف لعقد اجتماع طارئ لحجب الثقة عن الحكومة. كما أعلنت تعليق أي تعاون مع الحكومة الحالية حتى تتم إقالتها.

هذا البيان بمثابة قنبلة ملقاة في حضن الائتلاف، في وقت تنهي فيه الهيئة الرئاسية عامها الأول، وتستعد لبدء العام الثاني من ولايتها المحددة بعامين. ويأتي هذا في وقت يقترب فيه مسار التطبيع بين تركيا ونظام الأسد من تجاوز محطة جديدة في مساره الطويل، وأيضًا في وقت ينفجر فيه الشمال بمظاهرات وصراعات، عنوانها الأبرز معبر أبو الزندين. لكن هذه المظاهرات تخفي في طياتها صراعات نفوذ وسلطة بين مستفيد من فتح المعبر مع النظام، وبين متضرر لأنها تغلق عليه بوابات التهريب التي لم تتوقف يومًا.

هذا يعني أن الائتلاف اليوم أمام اختبار حقيقي ربما لم يشهده منذ أزمة التوسعة الشهيرة قبل عشر سنوات.

كل أزمة كبرى يمكن تحويلها إلى فرصة شريطة أن نستغل هوامشنا بالشكل الأمثل. وهنا أقترح على الائتلاف أن يستغل ما حصل لوضع خريطة طريق تعيد القوة لمؤسسته، وتجعله أقرب للناس في الداخل، وأن يبدأ من بيته الداخلي. أعضاء الائتلاف الحاليين هم ممثلون عن تكتلات وتيارات كانت موجودة قبل أكثر من عشر سنوات، وهذا خلل كبير في بنية الائتلاف لأنه لم يواكب المتغيرات ولم يستطع استيعاب القوى السياسية التي تشكلت خلال هذه السنوات.

أذكّر هنا قيادة الائتلاف بمشروع قديم طُرح قبل سنوات، وهو أن يكون لكل تيار وحزب ممثل في الائتلاف كحد أدنى من الأعضاء المنتسبين له حتى يستطيع أن يكون ممثلًا لاحقًا في الائتلاف. لا يعقل بعد كل هذه السنوات أن يكون في الائتلاف عضو عن تيار أو جهة ما وعدد أفراد هذه الجهة لا يتجاوز عدد أصابع اليد! وأي تيار أو جهة لا يحقق هذا الشرط يتم فصل أعضائه من الائتلاف واستبدالهم بمنتسبين جدد، وهنا يصبح لدينا تمثيل سياسي لجميع القوى الفاعلة والحقيقية.

حتى يكون انفجار هذه القنبلة إيجابيًا ولا يسهم في تعزيز الانقسامات، يجب اتخاذ قرارات شجاعة، أو أن تعلن قيادة الائتلاف عجزها وتستقيل.

قد يبدو هذا الاقتراح للبعض رومانسيًا وغير قابل للتطبيق، وهذا صحيح إلى حد ما نظرًا لوضع المعارضة الهش والمفكك، لكن في المقابل القرارات السياسية الكبرى بحاجة إلى شجاعة وحسن التدبير عند الأحداث المفصلية. وما حدث بعد اجتماع الأمس فرصة ذهبية لتحمل قيادة الائتلاف على عاتقها تنفيذ خريطة طريق تصحح ما يمكن تصحيحه.

من الملاحظات اللافتة عن مخرجات لقاء المطار أن المشاركين لم يتطرقوا إلى لب المشكلة التي تتسبب في كل مشاكل الشمال، والمتمثلة في أسلوب إدارة الجانب التركي للمنطقة. لأن الجميع يعرف أنه ضمن المعطيات الحالية لا يمكن للائتلاف ولا لحكومته المؤقتة القيام بأي شيء مفيد طالما بقيت المنطقة مقسمة إداريًا بهذا الشكل المعطل للتنمية والاستقرار. وحتى لو تم اختيار حكومة جديدة، فإن الصلاحيات الممنوحة للولاة والمنسقين الأتراك تمنع أي جهة سورية من القيام بمهامها.

لذا، مطلوب من الائتلاف بعد البدء بتنفيذ إصلاحات بيته الداخلي وترميمه، أن يطلب من الجانب التركي أن تكون المنطقة خاضعة لسلطة إدارية واحدة، وأن يكون التواصل والتنسيق مع الجانب التركي أيضًا من قبل جهة واحدة، وأن تكون الكلمة العليا للحكومة المؤقتة. إن بقاء المنطقة اليوم تحت سلطة المجالس المحلية، والتي تتصرف كأنها دولة معزولة عن محيطها، يعيق أي تنمية ويمنع خلق بيئة آمنة لعودة السوريين إليها بعد أن تبدأ عجلة الاقتصاد بالدوران.

وبالعودة إلى بيان الجبهة الشامية، والذي يحمل في طياته أسباب رفضه من قبل الائتلاف لأنه صادر عن فصيل لا عن جهة رسمية ممثلة بالحكومة، لو كان مصدرو بيان الشامية أكثر دراية بحيثيات العمل السياسي وأكثر حرصًا على مؤسسات المعارضة، لأصدروا البيان باسم مجموعة من الفصائل لا باسم فصيلهم وحده، أو على الأقل أن يصدر باسم الفيلق الثالث الذي ينتمون إليه وهم قوته الرئيسية. على العموم، صدور البيان بهذا الشكل يعطينا فكرة عن حجم التخبط والتيه الذي تعيشه معظم القوى السياسية والعسكرية.

وحتى يكون انفجار هذه القنبلة إيجابيًا ولا يسهم في تعزيز الانقسامات، يجب اتخاذ قرارات شجاعة، أو أن تعلن قيادة الائتلاف عجزها وتستقيل. فالناس لا تذكر عادة من السياسيين دموعهم المذروفة حزنًا على سوء أوضاعهم، بل تذكر منهم أفعالهم.