"نحن مقصّرون ونشعر بالخجل أمام مأساة أهلنا في الشمال السوري"، يقول الطبيب مصعب العلي، القادم من مدينة "دورتموند" الألمانية، قبيل دخوله لإجراء عملية نوعية في مستشفى "المحافظة" (سامز) في مدينة إدلب.
يتابع الطبيب مصعب، وهو متطوع في "الهلال الأحمر القطري"، لموقع تلفزيون سوريا: "منذ اليوم الأول، حاولنا بشتّى الوسائل الوصول إلى الشمال السوري لمساندة الأهالي والمنكوبين، وبعد جهود من الهلال الأحمر القطري وفريق إحسان التطوعي، تمكنا من الدخول لنكون جزءاً من الفرق التطوعية".
وعلى الرغم من محدودية "الإذن" الذي أتيح للطبيب مصعب وزملائه المتطوعين القادمين من ألمانيا، للبقاء فيه ضمن الشمال السوري، إلا أنه نجح في إجراء نحو 6 عمليات جراحية، خلال فترة امتدت من 20 إلى 24 شباط/فبراير الجاري.
سامر العلي، المنحدر من ريف دير الزور الشرقي، واحد من الأطباء السوريين المقيمين في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وتركيا وبلدان عربية، الذين دخلوا الشمال السوري، خلال كارثة الزلزال، عبر وفود متباينة من منظمتي "الهلال الأحمر القطري"، و"الجمعية الطبية السورية ـ الأميركية" (سامز)، نجحوا من خلالها في مساندة الكوادر المحليّة، ونقل خبراتهم إلى المنشآت الصحيّة.
ويقول الطبيب مصعب، الذي افتتح رحلة تطوّعه، في قسم الإسعاف، خلال الهزة الأخيرة التي ضربت المنطقة مساء الإثنين 20 شباط/فبراير الجاري: "مع الأسف كانت غالبية الحالات التي وصلتنا في اليوم الأول، حالات خوف وذعر، عملنا على معالجتها وفرزها والاستجابة إليها".
ويتابع: في الجراحة العصبية، حتى الاستشارات هامة بالنسبة للمرضى والعمل الطبي، لذلك لم نقتصر على إجراء العمليات، بل عملنا على جانبي العمليات والاستشارات".
نقل خبرات في التخدير
يحكي الطبيب زاهر الأطرش، وهو أيضاً متطوّع في "الهلال القطري"، ومتخصص في التخدير والعناية المشددة وطب الطوارئ، عن تجربته في "نقل خبرات جديدة في التخدير، أبرزها التخدير الناحي ويعرف اصطلاحاً بـ “حصارات الأعصاب" عبر جهاز "الإيكو"، وتدريب الكوادر الموجودة عليها".
ويضيف الطبيب زاهر، القادم من مدينة "بريمن" الألمانية، لموقع تلفزيون سوريا: "مع الأسف التخدير الناحي، غير منتشر في المنشآت الصحية، بسبب نقص المعدّات والأدوية وقلة المعرفة فيه من قبل الكوادر، وتأتي أهميته من كون الاختلاطات التي يسببها قليلة جداً".
وأشار الطبيب زاهر، خلال حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، إلى "عودة قريبة للشمال السوري، بهدف تدريب طلاب الطب، بالتعاون مع كلية الطب في جامعة إدلب، على المدارس الجديدة في التخدير، والابتعاد عن المدارس القديمة التي ما زالت الكوادر تسير عليها، وهو ما يسبب خطراً على حياة المرضى".
ويعمل الطبيب زاهر بالتعاون مع "الهلال الأحمر القطري" على تأمين معدّات وأدوية تخدير فعّالة من ألمانيا، لتطوير أقسام التخدير في المنشآت، والمساهمة في إنقاذ حياة مزيد من السكّان، لأنه يرى "أن التخدير ليس مجرّد عملية تنويم للمريض، وإنما قد يؤدي لاختلاطات قد تودي بحياته على مدى 20 عاماً بعد إجراء العمل الجراحي".
ومن أبرز الأدوية التي يعمل على استجرارها من شركة طبية ألمانية، ويحتاج إليها الشمال السوري، هي:
ـ مرخيات عضلية (روكورونيوم ومعاكساتها).
ـ غازات التخدير الإنشاقية.
ـ أدوية رافعة وأدوية خافضة للضغط خلال العمل الجراحي.
ـ أدوية التخدير الناحي.
ـ أدوية لمعالجة الصدمة النزفية واضطرابات التخثر.
ـ أدوية مقبّضة للرحم.
ويرى الطبيب زاهر أنّ "كوادر المنطقة، ذات كفاءة وقدرات عالية، لكن أكثر ما يعرقل عملهم هو غياب المعدات والتقنيات الطبية الحديثة، وهو ما نسعى إلى تأمينه عبر الهلال الأحمر القطري، بالتعاون مع مديرية الصحة".
تخفيف الضغط
يوضح رئيس قسم العمليات في مستشفى المحافظة في إدلب التابع لـ"سامز"، عزو السلوم، أنّ "وفود الأطباء التي دخلت إلى المستشفى، عبر "سامز"، ساهمت بشكل كبير في تخفيف الضغط الذي تعرضت له الكوادر المحليّة خلال أزمة الزلزال، نظراً لوصول حالات خطرة ومعقدة، وأعداد كبيرة من الإصابات".
وأشار إلى أنّ "دخول الوفود إلى منشآت الشمال السوري الصحية، أعطى دفعاً معنوياً للكوادر المحلية، وقدم حالة تضامن إنسانية كبيرة خلال الأزمة العصيبة الأخيرة".
ويرى السلوم، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، أنّ "على الرغم من جاهزية غرف العمليات السبعة في المستشفى، إلا أن الكارثة كانت تفوق القدرات المحليّة، بسبب قلة المعدّات الحديثة".
ويضيف أنّ "الكوادر المحلية وصلت الليل بالنهار، وقدّمت مختلف أنواع العمليات والاستشارات والعمليات الإسعافية، وعمليات العلاج، وفقاً للمتاح، ونأمل أن يستمر تدفق الدعم سواء بالوفود والمعدّات والأدوية".
ويحصي السلوم، قرابة 13 حالة تعاني من "متلازمة الهرس" يعمل المستشفى على متابعتها على مدار الساعة من تقديم الضمادات والأدوية والعلاج المناسب، وهو ما يحدث ضغطاً كبيراً على الكادر المحلي، ويجعله في حالة استنفار يومي.
عشرات العمليات والاستشارات
بدوره، رئيس الفريق الطبي التابع لـ “الهلال الأحمر القطري"، هاشم درويش، أوضح لموقع تلفزيون سوريا، أنّ ثلاثة وفود طبية من "الهلال" دخلت إلى الشمال السوري، مؤلفة من 21 طبياً و4 ممرضين، أجروا خلال استجابتهم لأزمة الزلزال:
110 عمليات جراحية.
288 تدخلاً جراحياً.
834 استشارة ومعاينة طبية.
ويوضح درويش أنّ "حالات الهرس التي أصيب بها متضررو الزلزال، كانت تتطلب بعد العمليات الإسعافية، عمليات جراحية نوعية بمختلف التخصصات، نجحت الفرق الطبية في إنجازها وتحقيق نتائج طيبة، فضلاً عن إحضارها معدات وأدوية حديثة من قبل الهلال الأحمر القطري".
بينما، قدّمت المهمة الطبية الأولى لـ"الجمعية الطبية السورية ـ الأميركية" (سامز)، القادمة من الولايات المتحدة الأميركية، بوفد مؤلف من 8 أطباء باختصاصات مختلفة ومعقّدة، ومهندس، نحو 65 عملية جراحية صغرى وكبرى، و76 استشارة، فيما يتجهز وفد آخر لدخول إدلب، خلال ساعات قليلة.
استجابة وتعاون
يدعو الطبيب مصعب العلي جميع الكوادر بمختلف تخصصاتها الطبية والإسعافية والإنسانية بمختلف أشكالها، إلى الدخول للشمال السوري والمساهمة في مساندة الأهالي هنا، ويجد وفقاً لحديثه: "استجابة واستقبال وتعاونا كبيرا، بناءً على تجربتنا الشخصيّة".
ويعتبر أنّ "المساهمة من الممكن ألا تقتصر فقط على الدخول، إنما من خلال البذل المادي، لأن حجم الحاجة كبير جداً"، مضيفاً أنّ "الفرق الإنسانية والمنظمات توصل التبرعات والمنح إلى أهله بكفاءة"، وفي الوقت ذاته يبدي انزعاجه من المخوِّنين لعمل هذه الفرق ونشاطها.
بينما يبدي الطبيب زاخر الأطرش استعداده وجاهزيته لتخصيص أيام شهرياً للشمال السوري، تطوّعاً، من أجل العمل وتدريب الكوادر المحلية، ويردف: "هذا الموضوع أقل الواجب اتّجاه أهلي وبلدي، وأنا منذ أكثر من ست سنوات أعمل جاهداً للدخول للشمال السوري ولم تتوفر الفرصة ـ مع الأسف ـ لوقوع كارثة الزلزال".