لا يزال معظم السوريين الذين يعتمدون على المازوت بالتدفئة، يتجهون في فصل الشتاء لشراء المازوت من السوق السوداء لعدم كفاية المخصصات عبر البطاقة الذكية، التي لا تحصل من خلالها العائلات على أكثر من 50 لتراً، ورغم قلّة الكمية وعدم كفايتها، فإن هناك أسراً لا تحصل عليها خلال الشتاء نهائياً لعدم توزيع حكومة النظام المخصصات على الجميع في العام الواحد ما يحرم كثيرين من الحصول عليها بالسعر المدعوم المحدد بألفي ليرة للتر.
تخوّف السوريون سابقاً من ارتفاع أسعار المازوت في السوق السوداء بفصل الشتاء، وكانت التوقعات تشير إلى أن سعر اللتر قد يصل إلى أكثر من 18 ألف ليرة أوقات ذروة المنخفضات، ما دفع بعضهم لشراء المادة قبل دخول فصل الشتاء، لكن تلك المخاوف لم تحدث، وبقي سعر اللتر يتراوح بين 13000 – 13500 ليرة فقط.
فعاليات تجارية وصناعية تستغني عن المازوت
حتى بعد رفع حكومة النظام السوري سعر المازوت الحر أخيراً إلى 11880 ليرة للتر، لم يتأثر السعر في السوق السوداء في مشهد غريب.
زاهر قصّاب في دمشق، كان مضطراً لشراء كميات كبيرة من المازوت فصل الشتاء لزوم مولدة الكهرباء لتشغيل البرادات ومكنات الفرم.
يقول زاهر لموقع تلفزيون سوريا (طلب عدم ذكر اسمه كاملاً): إن بائعي المازوت هذا العام يتصلون به يومياً لسؤاله إن كان يريد شراء المادة، مؤكداً أنه كان في السابق يتوسل إليهم يومياً للحصول على طلبه، وكانوا "يتدللون" ويرفعون السعر بين حين وآخر بحجة قلة المادة.
زاهر قام بتركيب 6 ألواح طاقة شمسية مع بطاريات ضخمة، مؤكداً أن الكلف التي كان يدفعها في فصل الشتاء للمازوت وصيانة المولدة، دفعها مرة واحدة هذا العام ليستفيد منها لسنوات طويلة أخرى من دون أن يضع رزقه رهن تجار السوق السوداء، على حد تعبيره.
ليس زاهر فقط، بل حتى أبو نبيل (طلب عدم ذكر اسمه كاملاً) وهو صاحب فرن معجنات بدمشق، أكد للموقع بأن بائعي المازوت من سائقي السرافيس الذي كان يشتري منهم سنوياً، يلاحقونه يومياً لشراء المادة لكنه يرفض لأنه استغنى عنها واتجه لشراء الحطب الذي وفر عليه مئات آلاف الليرات، مشيراً إلى أنه بدأ باستخدام الحطب في الصيف ووجد باستخدامه توفيراً كبيراً قياساً بتشغيل الفرن بالمازوت أو الغاز.
كثير من الفعاليات التجارية والصناعية اتجهت للطاقة البديلة سواء ألواح الطاقة الشمسية أو بطاريات الليثيوم أو حتى الحطب، هرباً من تكاليف المحروقات التي لا تنتهي، ما أدى إلى انخفاض الطلب على المادة من قبل تلك القطاعات، وفقاً لمصدر في جمعية حماية المستهلك.
التدفئة بالحطب في سوريا
المصدر أشار إلى أن معظم الأسر السورية أيضاً، اتجهت إلى التدفئة بالحطب بدلاً من ربط مصدر الدفء بتوفر المازوت وثمنه المرتفع، ومنهم من قام بتحويل مدفأة المازوت التقليدية إلى حطب كي لا يشتري واحدة جديدة، يتضح ذلك عند المرور بأحياء دمشق واستنشاق رائحة الحطب التي باتت تفوح بشكل واضح.
يضيف المصدر أن الدخان الكثيف والرائحة المزعجة بأحياء العاصمة وخاصة الشعبية، تشير إلى استخدام الأسر أسوأ أنواع الحطب إضافةً إلى حرق كل ما يتيسر من ما يمكن حرقه كالكراتين والأكياس وغيرها.
وفقاً للمصدر، فإن استمرار الأسر بالتوجه إلى التدفئة بالحطب والكاز والكحول ساهم بخفض الطلب على المازوت، ما جعل سعره ثابتاً تقريباً في السوق السوداء، مشيراً أيضاً إلى أن استمرار دخول الطاقة البديلة إلى المنازل مع مدافئ الحطب خلال السنوات المقبلة، قد يحد من السوق السوداء أكثر فأكثر ليصبح سعر المادة فيها مثل السعر الرسمي تقريباً.
ورغم توجه السوريين نحو الحطب بشكل كبير سواء للتدفئة أو للعمل ضمن بعض المنشآت التجارية والصناعية، فإن سعر الطن انخفض من ذروته التي وصل إليها سابقاً عند 4500 ليرة للكيلوغرام في الشهر العاشر من العام الماضي، عندما كانت الأسر تتحضر لفصل الشتاء.
حالياً وصل سعر كيلو الحطب من السنديان والصنوبر إلى 3500 – 3600 ليرة، والكبيس والإن دي إف إلى 3300 ليرة، والمشكل إلى 3200 ليرة، وهناك كثير من العروض تبيع الكيلو بـ3200 ليرة فقط. حطب التين وهو الأسوأ، عرض على بعض صفحات الفيس بوك بين 1000 – 1500 ليرة.
وبرر بعض تجار الحطب انخفاض سعره بسماح حكومة النظام أخيراً باستيراد المادة من الخارج، حيث وافقت الشهر الماضي على مقترح لوزارة الزراعة ينص على السماح باستيراد كمية 10 آلاف طن من حطب التدفئة الجافة منزوعة القلف.
وبحسب صحيفة الوطن المقربة من النظام، فقد جاء قرار الحكومة بناءً على طلب وزارة الزراعة لتوفير الحطب المستورد في السوق المحلية والحد من استنزاف الحراج والتعدي عليه والحفاظ على الغابات الوطنية، وفق قوانين الحجر الزراعي، حيث "تعتبر الفاتورة البيئية المدفوعة في حال قطع الأشجار أكبر من فاتورة استيراد حطب التدفئة"، وفق وصفها.
ومنذ أيام، أضافت لجنة إدارة مصرف سورية المركزي مواد جديدة منها الحطب إلى قوائم عمليات تمويل المستوردات التي يقدمها المصرف.