لم تعد الحوالات المالية التي يرسلها السوريون من الشتات ودول اللجوء إلى ذويهم في مناطق سيطرة النظام السوري تكفيهم كما كانت من قبل، مع ارتفاع الأسعار إلى درجات أعلى خصوصاً خلال شهر رمضان المبارك وعيد الفطر.
وأدى ثبات سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار إلى حد ما منذ قرابة 6 أشهر ما بين 13.500 ليرة و15.000 ليرة سورية مقابل كل دولار، إلى التأثير سلباً على القدرة الشرائية لسكان تلك المناطق، حيث إن التضخم كان إلى حد ما مرتبطاً بأسعار صرف الدولار، إلا أن بورصة الأسعار في سوريا تجاوزت مفهوم سعر الصرف منذ إقدام النظام على جعل سعر صرف الدولار في السوق السوداء والمصرف المركزي بالقيمة نفسها تقريباً.
ويعيش ملايين من السوريين في مناطق سيطرة النظام السوري على هذه الحوالات في تأمين لقمة عيشهم ومصروفاتهم اليومية، والتي إن توقفت قد يصبحون على حافة الجوع.
ورصد موقع "تلفزيون سوريا" تراجع القيمة الشرائية للحوالات من خلال سؤال العديد من العائلات السورية التي يعيش قسم كبير منها على الحوالات فقط لأن رواتبهم لا تكفي أكثر من طبخة أو طبختين في الشهر بأحسن الأحوال.
معين وحيد
وقال أبو عبادة أحد المتقاعدين إنه يعتمد وزوجته على حوالات أبنائه، مبيناً "تختلف الحوالة من شهر إلى آخر ولكنها المعين الوحيد بعد الله في تدبير أمورنا اليومية خصوصاً مع الغلاء الفاحش الذي يزداد يوماً بعد يوم".
وأضاف أبو عبادة في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" أن حوالة 250 دولاراً في الشهر كان مبلغاً جيداً جداً وكنا نأكل ونشرب ونشتري أدويتنا من دون احتياجات أخرى كثيرة، ولكن منذ 6 أشهر شعرنا أن المبلغ لا يكفي وأصبحت قيمته الشرائية أقل، يعني صرف الدولار شبه ثابت بيختلف شغلة ألف ليرة لكن الغلاء مستمر لعدة آلاف وخصوصاً بما يخص البقول واللحوم والخضروات والفواكه والأجبان والألبان، يعني المواد الأساسية للحياة.
وأشار إلى أن "التضخم الموجود في سوريا قد يكون من بين الأعلى عالمياً، ولكن في الأخبار ما بيحكولك عن الموضوع، حتى نحنا ما مندور عالقصة كتير بس من باب الاستغراب، هو ما في شي ظابط أصلاً".
وأكّد على أن العديد من أصدقائه أيضاً يعيشون على حوالات أبنائهم وأقاربهم الشهرية وجميعهم يتفق على أن قيمة الـ 100 دولار في سوريا قد تراجعت بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
مشكلة سعر الصرف
وإحدى المشكلات التي يعاني منها السوريون في مناطق سيطرة النظام السوري أنهم يضطرون للتحويل عبر شركات تأخذ منهم على كل حوالة ما لا يقل عن 5 إلى 10 دولارات وبسعر صرف أقل بـ 500 ليرة على الأقل عن السعر بالسوق السوداء ما يعني خسارة أخرى.
وفي 14 نيسان الجاري، خفّض مصرف سوريا المركزي من قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي رسمياً، مدفوعاً ببدء سعر صرف الليرة بالانخفاض في السوق السوداء عقب انتهاء عيد الفطر، واقترابها من قيمتها التي سبقت شهر رمضان عند 14500 ليرة لكل دولار واحد.
وأظهرت نشرة "الحوالات والصرافة" تخفيض صرف الليرة السورية أمام الدولار من 13 ألفاً و400، إلى 13 ألفاً و500 ليرة لكل دولار، في حين حافظ المركزي على قيمة الليرة في النشرة الرسمية عند 12 ألفاً و500 للشراء، و12 ألفاً و625 للمبيع.
وتُسعّر نشرة "الحوالات والصرافة" شراء الحوالات الخارجية التجارية والحوالات الشخصية، بما فيها الحوالات الواردة عن طريق شبكات التحويل العالمية، بسعر قريب من قيمة الليرة السورية أمام الدولار في السوق السوداء، كما يتم وفقها تصريف الـ 100 دولار التي يفرضها النظام على السوريين الداخلين إلى البلاد عبر المنافذ الحدودية.
وبلغ سعر صرف الليرة بحسب موقع "الليرة اليوم" الجمعة، 14800 ليرة في دمشق و14800 في حلب ما يعني أنها خسرت خلال الأيام الماضية فقط أكثر من 350 ليرة لكل دولار.
وفي سياق ذلك قالت فاطمة شيخ حسن، إن ابنها المقيم في تركيا أرسل إليها حوالة بقيمة 150 دولاراً قبل العيد بأيام، وقد وصلت إليها قرابة مليونين فقط، من دون أجور تحويل حيث دفع المبلغ ابنها، ولكنها وصلت بسعر صرف 13500 ليرة، والسعر كان حينئذ 14200 على أقل تقدير يعني خسرت نحو 130 ألف ليرة من إجمالي الحوالة.
وأضافت شيخ حسن لموقع "تلفزيون سوريا" أن هناك تراجعاً في قيمة الـ 150 دولاراً في سوريا، يعني "المبلغ من قبل كان يكفيني لآخر الشهر بصعوبة ولكن ماشي الحال مع التخلي عن العديد من الأمور الضرورية، ولكن الآن حتى 20 الشهر يكون المبلغ انتهى".
وأشارت إلى أنها طلبت من ابنها زيادة الحوالة الشهرية ولكنه أخبرها بأن ذلك صعب عليه فهو يرسل قسماً كبيراً مما يحصل عليه أصلاً بالنسبة لعامل يعمل بالحد الأدنى ولديه أجرة سكن وطعام ومواصلات وتركيا أيضاً فيها تضخم مثل سوريا وربما أكبر.
لماذا تراجعت قيمة الدولار بسوريا؟
ويعاني السوريون في مناطق سيطرة النظام من الارتفاع المباشر لأسعار الوقود والمحروقات والتي تنعكس بشكل مباشر على كل السلع بسبب النقل والتكاليف المرافقة لذلك، حيث تخرج نشرة زيادة أسعار المحروقات بشكل شبه شهري ما يؤدي إلى انفجار أسعار السلع الأخرى بشكل مباشر.
ومع حلول رمضان ورغم الحركة الواسعة بالأسواق نتيجة لارتفاع معدلات الاستهلاك عن حدودها في بقية شهور السنة، فإن المواد الغذائية شهدت ارتفاعاً مباشراً، وسط انخفاض سعر الليرة، بسبب تجميد التجار للأسعار عند سعر صرف أعلى بشكل دائم خوفاً من خسارة مفاجئة.
وعن ذلك، قال أبو الهدى أحد التجار الذين التقينا بهم في سوق باب سريجة بدمشق، إن السبب الأساسي وراء تراجع قيمة الدولار هو ثبات سعر الصرف إلى حد ما واستمرار ارتفاع أسعار الوقود الذي ينعكس على بقية السلع.
وأضاف أبو الهدى لموقع "تلفزيون سوريا" يعني نحن نشتري البضاعة بشكل شبه يومي بالجملة، وهناك بالطبع من يتحكم بها، يعني هناك محتكرون لمعظم المنتجات الغذائية في سوريا خصوصاً المستورد منها، ولذلك لا تصدقوا أن التجار الصغار لديهم أي سلطة على زيادة أو تخفيض الأسعار.
وأردف أن البائع بالمفرق هامش ربحه بسيط على عكس من يبيع بالجملة ولديه مخازن كبيرة، إن أقفل عليها أبوابه اختفت من الأسواق وزاد سعرها مع قلة المعروض منها، وإن زاد توزيعها في السوق وكثر معروضها تلقائياً ينخفض سعرها.
ولفت إلى أن من يأتيه حوالة مالية من خارج سوريا أياً كان حجمها فهو سيلاحظ أن قيمتها تقل دائماً، لأن سعر صرف الليرة شبه ثابت أما القيمة الشرائية للمواطن فتتراجع كل يوم، من كان يشتري من محلنا 5 كيلوغرامات من الرز شهرياً بمبلغ 150 ألف ليرة في رمضان فسعر المنتج اليوم لا يقل عن 180 ألف ليرة، يعني زيادة 30 ألف ليرة بظرف أسبوع واحد، بينما سعر الصرف ما زال قريباً من السابق.
وأكّد أن ما ينطبق على السكر ينطبق على كل شيء وخصوصاً ما يخص اللحوم الحمراء والدجاج والبيض والألبان لأن تكاليفها مرتبطة بشكل مباشر بأسعار المحروقات وسعر الصرف.