icon
التغطية الحية

لماذا تخسر الحمضيات في الساحل السوري وما نتائج الحملة الأخيرة لحكومة النظام؟

2022.01.21 | 04:47 دمشق

img_20220112_132342_122-780x470.jpg
اللاذقية - حسام جبلاوي
+A
حجم الخط
-A

استنفرت حكومة النظام السوري جهودها خلال الأيام الأخيرة في صحوة متأخرة لإنقاذ موسم الحمضيات في الساحل السوري من الخسائر المتراكمة التي ألمت به بعد وجود فائض كبير في الإنتاج وصعوبة تسويق المحصول وضعف الأسعار.

ورغم أن مشكلة الحمضيات لا تعتبر أمرا جديدا وحازت خلال السنوات الماضية على الكثير من الوعود الحكومية بتصديرها إلى العراق وروسيا وإنشاء معامل للعصير فإن هذه الوعود بقيت حبرا على ورق واستمر نزيف الفلاحين في الساحل السوري.

ووصل رئيس حكومة النظام حسين عرنوس ووزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم في الـ 12 من الشهر الجاري إلى الساحل السوري بأمر من رئيس النظام بشار الأسد، لتدارك الأزمة الحاصلة منذ شهر.

وأطلق الوفد جملة من الوعود للمزارعين لتسويق منتجات محصولهم، وأكد عرنوس في الزيارة أن القرارات التي اتخذتها الحكومة حول ملف الحمضيات "صارت موضع التنفيذ على أرض الواقع".

في حين كشف رئيس هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات "ثائر فياض" أن الكميات المصدرة من الحمضيات السورية إلى العراق ودول الخليج بلغت منذ بداية الموسم الحالي حوالي 34 ألف طن.

وأكد فياض أنه "لم يتم تقديم أي طلب إلى الهيئة بخصوص دعم الحمضيات للموسم الحالي حتى تاريخه".

ما أسباب الخسائر؟

يلخص أبو عبد الله (47) عاما وهو من مزراعي مدينة جبلة مشكلة الحمضيات بالقول: "منذ قرابة 10 أعوام ونحن نخسر، فيما سبق كانت حمضيات الساحل تصدر إلى جميع المحافظات وإلى العراق والأردن وحتى الخليج العربي، لكن المشكلة بدأت مع إغلاق الطرقات وصعوبة إيصال منتجاتنا، ما أدى إلى تراكم الفائض في مزارعنا وعزوف أسواق الهال عن الشراء وانهيار الأسعار".

ويضيف أبو عبد الله في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "جميع الوعود التي حصلنا عليها طوال الأعوام السابقة بقيت بلا تنفيذ، فالتصدير غير موجود والمعامل لم تنشأ، في حين فاقمت الإتاوات التي تفرضها حواجز قوات النظام على الحمضيات ووصولها إلى محافظات أخرى من خسائرنا".

ويؤكد الرجل الأربعيني أن عددا كبيرا من متعهدي ومزارعي الحقول فوجئوا بالأسعار بداية العام إذ لم يتجاوز سعر كيلو البرتقال في أسواق الهال بالجملة 250 ليرة، والمندلينا 350 ليرة، في حين أن كلفة سحارة البلاستيك سعرها 1000 ليرة، وأجور النقل تصل في بعض الأحيان إلى 15 ألف ليرة.

وحول أسباب تمسك مزارعي الساحل السوري بأشجار الحمضيات رغم الخسائر وعدم الاستعاضة عنها بأنواع أخرى أجاب أبو عبد الله بأن أشجار الحمضيات مزروعة منذ سنوات وهي بمعظمها بعلية لا تحتاج إلى السقاية، في حين أن الاستعاضة عنها بأنواع أخرى يحتاج إلى تكاليف كبيرة وتأمين غراس وأسمدة بأسعار مرتفعة ليست بالمتناول.

لماذا توقف التصدير؟

قبل نحو شهرين ومع بداية المحصول كشف نائب رئيس لجنة التصدير في اتحاد غرف التجارة السورية فايز قسومة، في حديث لصحيفة الوطن الموالية للنظام عن توقف تصدير الحمضيات إلى العراق بسبب ارتفاع كلفتها، في حين أن 4  برادات فقط محملة بالحمضيات تذهب يومياً إلى دول الخليج، مرجعاً سبب قلة تصدير الحمضيات إلى أنه ليس هناك رغبة بها من دول الخليج.

كما لم تعلن حكومة النظام السوري هذا العام عن أي صادرات من الحمضيات السورية إلى روسيا وهو الأمر الذي أرجعته مصادر إعلامية إلى اعتراض روسيا على تجاوز كميات الأسمدة والمبيدات المستخدمة، للحد المسموح به عالمياً.

أما حكومة النظام السوري فقد بررت على لسان وزير التجارة الداخلية عمرو السالم ضعف عمليات التصدير بالعقوبات الغربية وفرض حظر على تصدير الحمضيات من سوريا.

وبحسب الأرقام الرسمية بلغ إنتاج سوريا من الحمضيات في الموسم الحالي نحو 770 ألف طن وفي الموسم الماضي كان بحدود 700 ألف طن أما قبل 2011 فقد كان الإنتاج السنوي بحدود 1.150 مليون طن، في حين أن استهلاك سوريا من الحمضيات سنوياً لا يتجاوز 350 ألف طن.

ما نتائج الحملة الحكومية المتأخرة؟

من جانب آخر لفت الناشط الإعلامي في مدينة جبلة أبو يوسف جبلاوي إلى أن ما روجه رئيس وزراء النظام السوري حسين عرنوس من أن مؤسسات السورية للتجارة اشترت كامل محصول المزارعين هو أمر غير صحيح، موضحا أن المندوبين انتقوا النخبين الأول والثاني فقط بأسعار تراوحت بين 300 و 700 ليرة فقط وهي دون سعر الكلفة الحقيقي في حين تم رفض الكثير من الكميات بحجة عدم القدرة على تسويقها.

وأكد جبلاوي أن حكومة النظام تأخرت كثيرا في التحرك وما حدث لم يكن سوى تخفيض من الخسائر، مشيرا في الوقت ذاته أن مزارعي الحمضيات ليسوا الوحيدين من يخسر بل ومثلهم مزارعو التبغ والخضراوات الذين تأثروا خلال العاصفة الأخيرة ولم يتم تعويضهم.

في الوقت ذاته أكدت مصادر لموقع تلفزيون سوريا في مدينة جبلة أن زيارة رئيس وزراء النظام حسين عرنوس إلى الساحل جاءت بعد ضغوط كبيرة لتفادي حالة الغضب الكبيرة التي يمر بها سكان الساحل مع توالي الخسائر الزراعية والوضع الخدمي والمعيشي.

وأكدت المصادر التي فضلت عدم ذكرها لأسباب أمنية أن حكومة النظام وزعت المحصول على القطعات العسكرية والمؤسسات الاستهلاكية وخففت فقط من الخسائر لامتصاص حالة الاحتقان الكبيرة.

زراعة بلا تخطيط

بدوره قال الخبير الاقتصادي عقيل يحيى في حديث لموقع تلفزيون سوريا إن سبب فشل حكومة النظام بتصدير المحصول إلى روسيا رغم الإعلان مرارا عن اتفاقات مع شركات روسية يعود لعدة أسباب: أولها أن المنتج ليس بالمواصفات الفنية المطلوبة، بسبب غياب الشركات التي تعنى برعاية المحصول وقطفه بالطرق المطلوبة وتغليفه وتبريده، في حين أن تصديره إلى الخليج توقف بسبب شبهات تهريب الكبتاغون ومقاطعة الدول الخليجية بشكل عام للمنتجات السورية وعدم الثقة بها نتيجة سياسات النظام.

وأضاف يحيى أن شراء محصول الحمضيات من الفلاحين من قبل حكومة النظام أمر "غير مجدٍ للفلاح" و"حل مؤقت"، نظرا لأن القدرة الشرائية للمواطن لا تساوي تكاليف إنتاجه من جهة، ولأن حاجة السوق أقل بكثير من الإنتاج من جهة ثانية.

ويرى الخبير الاقتصادي أن الحلول "الترقيعية" التي تتبعها حكومة النظام واستجداء القطاع الخاص وأصحاب معامل العصير لشراء المحصول ونقل بعض منه إلى أقسام صالات السورية للتجارة لا يمكن وصفه بأكثر من "فزعة" متسائلا: "ماذا ستفعل الحكومة غدا لمزارعي التفاح في السويداء الذين لا يستطيعون أيضا تسويق محصولهم؟".

ما الحلول؟

بعد الحرائق الكبيرة التي اجتاحت الساحل السوري في العام 2020 وأدت إلى خسائر زراعية كبيرة على مستوى الأشجار المثمرة توجه العديد من المزارعين بالفعل إلى الاستعاضة عن أشجار الحمضيات ببدائل أخرى مثل التبغ والتفاح والخضراوات.

ويرى المهندس الزراعي خالد صافتلي المنحدر من اللاذقية والمقيم حاليا في إدلب أن الزراعة في مناطق الساحل تحتاج إلى إعادة نظر وتخطيط بشكل كبير لا سيما أن الأراضي الخصبة المنتشرة هناك والجو المعتدل مناسب لزراعة الكثير من الأصناف التي يمكن أن تنجح، لكن المشكلة الأساسية حاليا هي عدم تناسب المردود مع التكاليف وهذا الأمر ليس في الحمضيات فحسب بل في مختلف الزراعات الأخرى.

ويقترح صافتلي في حديث لموقع تلفزيون سوريا وضع خطة تدريجية لتغيير أشجار الحمضيات والاستعاضة عنها بأصناف ملائمة للتصدير تكون أقل حموضة، وفي الوقت ذاته مساعدة الفلاحين على تجهيز الموسم وتوعيتهم بنسب الرش المقبولة والمواصفات المطلوبة وكيفية تحقيقها لتكون مناسبة للتصدير، مشيرا في الوقت ذاته أن حكومة النظام ووزارة الزراعة هي من تتحمل مسؤولية إنشاء مصانع لتوضيب المحاصيل وتنظيم عمليات تصديره.

كما دعا المهندس الزراعي إلى الاتجاه نحو الزراعات المنتجة والمربحة التي تتلاءم مع خصوبة ومناخ المنطقة الساحلية مثل اللوزيات في المناطق الجبلية والكيوي والخضراوات البلاستيكية هي زراعات أثبتت نجاحاتها بحسب قوله.

ووفق أرقام حكومة النظام تبلغ المساحة المزروعة بالحمضيات في الساحل السوري نحو 43 ألف هكتار ويعمل بهذه الزراعة أكثر من (56) ألف أسرة.