icon
التغطية الحية

لماذا باتت البضائع الأوروبية المستعملة خياراً مناسباً للسكان شمال غربي سوريا؟

2024.01.15 | 07:24 دمشق

سوق في إدلب ـ رويترز
سوق في إدلب ـ رويترز
إدلب ـ عمر حاج حسين
+A
حجم الخط
-A

في عالم اﻻقتصاد، تتحول بعض المناطق التي تسمى "بؤر توتر وصراع" إلى سوق يستهدفه التجار والشركات التي تشحن بضاعتها المستعملة أو المنتهية الصلاحية "مجاناً" إليها. وفي جولة سريعة في أحياء وأسواق مدينة إدلب شمال غربي سوريا، تظهر بوضوح بأنها أصبحت "مصباً" لتلك الصناعات.

وتحت عنوان "بضائع أوروبية مستعملة" ستمر أعين المتسوقين (الراغبين بالشراء أو فقط من يقومون بعملية تجوّال في اﻷسواق)، على محال ومتاجر فـ"واحدةٌ لبيع السيارات المستعملة، والملابس المستعملة، والإطارات المستعملة، والمفروشات والأدوات المنزلية المستعملة، وحتى عبوات المياه المستعملة"، وعلى العموم، باتت اﻷسواق في إدلب من شمالها إلى جنوبها، مكتظة بـ"المستعمل".

انتشار البضائع اﻷوروبية شمال غربي سوريا

يؤكد عدد من العاملين في هذا المجال أن انتشار البضائع الأوروبية في أسواق محافظة إدلب، بدأ مؤخراً باﻻتساع، لتشكل الماركات التي تحمل علامة تجارية -رغم أن جميعها مستعملة بإصداراتٍ قديمة- مصدراً للراغبين بالتسوق واقتناء مثل تلك اﻷجهزة أو حتى اﻷدوات المنزلية.

"سعيد السيد" وهو صاحب محل لبيع الأدوات المنزلية المستعملة يقول لـ"تلفزيون سوريا"، إن البضائع اﻷوروبية باتت تلقى رواجاً واسعاً مقارنة بالبضائع ذات المنشأ التركي أو الصيني ﻷسباب مختلفة، ففي المقام الأول تتمثل بناحية الجودة والمتانة والتي تعتبر من أبرز عوامل جذب الزبائن.

وأوضح السيد أن اﻷهالي باتوا يقصدون اليوم سوق المستعمل بكثرة مقارنة بالأسواق التي تبيع السلع الجديدة، إذ إن معظم الأدوات وخاصة الكهربائية يمكن تصنيفها على أنها ماركات مشهورة بجودتها، كـ"اﻷفران، والخلاطات، أو الغساﻻت والبرادات والمكانس الكهربائية"، لافتاً إلى أن وصول الكهرباء إلى الشمال السوري أعاد رغبة الناس لشراء مثل تلك اﻷدوات بما يتناسب مع دخلهم وحاجتهم.

وبيّن أن أسعار معظم هذه البضائع عملياً تصل إلى أقل من نصف سعرها وهي جديدة، وبما أن معظم سكان المنطقة من المهجرين وذوي الدخل المحدود، فإن "سوق المستعمل" بمختلف ما يقدم من سيارات وأدوات يصبح محط أنظار الناس والزبائن ويجدون فيه ضالتهم لتزويد منازلهم بالمستلزمات الضرورية.

واعتبر السيد أن السوق بحاجة هو اﻵخر ﻷدوات وسلع وبضائع تلبي متطلبات الناس وحاجاتهم؛ وبالتالي يتفهم التجار هذه الناحية ويقومون بسد هذا الفراغ وفق دراستهم للسوق والمتعاملين داخله، مضيفاً: "لا شك أن هناك من يعمل أيضاً في البضائع الجديدة فالمستعمل ﻻ يلغيها لكنه اليوم وفق الظروف التي تعيشها إدلب، يصبح هو محط أنظار شرائح واسعة بما فيهم بعض ذوي الدخل الجيد فهؤلاء أيضاً يبحثون عن الجودة أو التوفير".

المستعمل سبيل المهجرين

تروي السيدة النازحة من مدينة درعا "ريم حوراني" (36 عاماً) أنها استطاعت مؤخراً شراء أدواتٍ كهربائية مستعملة، من مدينة الدانا شمالي إدلب، عبر غرفة للبيع على منصة "فيس بوك"، وتقول مبتسمة: "تركنا منزلنا وأمتعتنا، لكن عوضنا الله هنا بهذه اﻷدوات التي سدّت الحاجة، فلدينا اليوم، غسالة حوضين وفرن غاز وبراد وخلاط كهربائي"، وجميعها اشتريناها بأسعار مناسبة.

وأردفت خلال حديثها مع موقع تلفزيون سوريا معها: "مجموع ما اشتريته خلال السنتين الماضيتين لا يزيد على 250 دوﻻراً أميركياً فقط، وهذه اﻷنواع من البضائع رغم أنها مستعملة لكنها تُعدّ جيدة في هذه الظروف، ولو اشترينا النوعيات الجديدة منها لوجدتنا على أبواب المساجد نشحذ اليوم".

وتقول السيدة "ريم" إنها اشترت الغسالة المستعملة بـ 50 دوﻻراً أميركيا، وفرن الغاز بـ 75 دوﻻر، فيما اشترت البراد بـ 100 دولار، في حين وصل سعر الخلاط الكهربائي إلى 8 دولارات فقط، وفق قولها.

من جهته، اعتبر الشاب "منذر الخالد" من بلدة كفر نوران غربي حلب، أنه على الرغم من أن الأدوات المستعملة رخيصة إﻻ أن الجديدة عادةً ما تكون أفضل، كما يقول "الجديد حقو معو"، وأردف قائلاً: "الظروف المالية الصعبة تلعب دورها، لذلك تُجبر الكثيرين على التوجه للمستعمل، لكن شريطة اﻻنتباه إلى مسألة نظافة تلك القطعة وكفالتها من التاجر".

وأمّا السيدة "فادية عبد الرحمن" من ساكني مدينة إدلب، فتشرح لموقع تلفزيون سوريا، أنها تردّدت في اقتناء بعض اﻷدوات المنزلية المستعملة ذات المنشأ اﻷوروبي، لكنها سرعان ما أجرت مقارنة سعرية وأخرى من ناحية الجودة والمواصفات لتختار "المستعمل".

واسترسلت قائلةً: في النهاية تعتبر التجربة هي الحكم، واليوم خيارات الشراء باتت تخدم البضاعة الأوروبية وإن كانت مستعملة، وكل ما أحتاجه أجده في مثل تلك النوعيات والماركات.

وتحت عنوان "متجر اﻷنتيكة" وكنوعٍ من الدعابة، يعنون البعض في أسواق الشمال السوري لمحالهم التي تبيع "اﻷدوات المستعملة" سواء كهربائية أو غيرها، إذ يعتبر شارع "الصليبة" في مدينة إدلب، أحد الشوارع التي اشتهرت بكثرة محال صيانة وبيع القطع الكهربائية المستعملة.

وفي هذا السياق، يحدثنا الشاب "ناصر حنتش" الذي يسكن مدينة الأتارب غربي حلب، أنه اشترى مؤخراً أربعة أبواب خشبية أوروبية مستعملة ذات نوعية جيدة، من أحد المحال التجارية في مدينة سرمدا شمالي إدلب، بقيمة 450 دولار أميركي، بهدف تركيبهم في شقته التي أنهى بناءها مطلع تشرين الأول الماضي، لافتا إلى أن ثمن الباب الخشبي الجديد في أسوأ أنواعه يصل سعره اليوم إلى 150 دولارا.

مصدر دخل مهم للتجار

التقى موقع تلفزيون سوريا مع الشاب "أنيس رماح" العامل في معبر "باب الهوى" الحدودي مع تركيا، إذ اعتبر أن تلك البضائع المستعملة اﻷوروبية تحديداً، يمكن تسميتها مصدراً استثمارياً من شأنه أن يحقق دخلاً وأرباحاً ممتازة ومهمة للتجار، بالمقابل، اﻷمر لا يخلو من المخاطرة في طريقة دخول تلك البضائع إلى السوق، والتي تتمثل بوجود أجهزة تالفة أو مكسورة نتيجة الشحن والنقل.

يقول رماح إن معظم البضائع اﻷوروبية تدخل إلى شمالي سوريا ضمن حاويات، تضم أصنافاً مختلفة من المعدات والأدوات الكهربائية كـ"اﻷفران الكهربائية، غرف النوم، البرادات، والأثاث المنزلي، والغسالات وغيرها الكثير"، ثم يعمل المستورد على فرزها ومن ثم بيعها للمحال حسب حجم ونوع القطعة.

ويعقب في ختام حديثه معنا: "بالنهاية أدى وجود هذه البضائع إلى تغطية احتياجات السوق بشكل كامل في شمالي سوريا، فضلاً عن تحقيق مكاسب مقبولة للتجار، كما أنها فتحت باباً للعمل وتنشيط الأسواق".

وسيلة للتكيف مع الواقع

بدوره، رأى الاقتصادي والمحاضر السابق في جامعة حلب "عباس عبيد" في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة التي تزامنت مع تدنٍ في اﻷجور العامة مترافقةً بارتفاع جميع أسعار البضائع، أسهم في خلق واقعٍ جديد فرض نمطاً آخرَ من الحياة على سكان الشمال السوري، تلخص في إيجاد طرقٍ للتحايل واﻻلتفاف على مظاهر الغلاء والبطالة.

وأردف عبيد؛ "باختصار يحاول الناس بمن فيهم التجار ومن يديرون السوق اليوم التكيف مع الواقع، لتأمين مستلزمات وحاجيات السوق اﻷساسية، وبما يتناسب مع أحوالهم أو أحوال قاطني المنطقة والذين نعلم أن معظمهم من النازحين والمهجرين، ومن نجا بروحه من القصف وترك منزله وممتلكاته في مدنهم ومحافظاتهم الأصلية، واصفاً وجود هذه البضائع في الأسواق بـ"المنقذة" لسكان المنطقة نظرا لجودتها ورخص ثمنها.

ومع الحاجة إلى إدخال بضائع تتناسب مع ظروف الناس وحالتهم المالية، ازدهرت تجارة الأدوات والسلع المستعملة، بمختلف مسمياتها وأنواعها، وهو ما يبرر وفقاً لـ"عبيد" انتشار وانتعاش تجارة المستعمل، والتي اتخذت شكلاً جديداً أيضاً في الترويج خلال السنوات الماضية عبر ما تسمى بـ"الترويج اﻹلكتروني" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتطبيقات الإلكترونية.

وبالمجمل؛ يقوم التجار اليوم بالترويج لبضائعهم الأوروبية المستعملة، ومواصفاتها وأسعارها، وعرضها بعد تصويرها في غرف الواتساب وفيس بوك، مع تذييلها بعنوان المحل، والعروض وما شابه ذلك لجذب الناس، إذ باتت هذه التجارة تلقى رواجاً وحركة واسعة هذه اﻷيام، ولها زبائنها، فضلاً عن كونها فتحت باباً للعمل لبعض الفئات.

وعملياً، يعيش في شمال غربي سوريا نحو 4 ملايين نسمة معظمهم من المهجرين، الذين بدؤوا حياتهم من الصفر، وباتوا يعتمدون على التأقلم والتكيف مع ظروفهم اﻻقتصادية والمعيشية المتردية، بأقل الطرق كلفة.