بشير لاجئ عمره 28 عاماً فر من سوريا هرباً من الحرب الدائرة فيها، وفي دولة الجوار لبنان، أصبح يعمل في الحقول والمزارع، ولكن بعد الشجار الأخير الذي وقع بينه وبين رب عمله اللبناني، وجد نفسه ضحية لعمل دموي.
إذ في الأول من آذار، شهد بشير شجاراً نشب في أحد الحقول البعيدة بين اثنين من أولاد عمومته ورب عمله، ولهذا هرع إلى دراجته النارية وأسرع إلى هناك ليعرف ماذا حدث كما روى لنا، وعند وصوله إلى ساحة الشجار، علم بأن رب عمله اللبناني كان البادئ في دفع وضرب ابن عمه، بعدما رفض الأخير إزالة الحجارة من الحقل، فاقترح بشير على ابني عمه أن يتركا عملهما في ذلك اليوم بسبب طريقة تعامل رب العمل معهما، فرد عليه رب العمل بتهديده بإطلاق النار عليهم إن تركوا العمل.
وعندما حاول بشير وابنا عمه الرحيل، أمر رب العمل ابنه الذي كان يساعده في إدارة الحقول في ذلك اليوم بإطلاق النار على الرجال الثلاثة، فأطلق الابن ثلاث طلقات نحو الأرض، ثم صوب الرابعة باتجاه بشير، فاستقرت الطلقة في بطنه.
بعد مرور أسبوعين على الحادثة يخبرنا بشير وهو جالس فوق سريره في أحد مشافي بعلبك فيقول: "لم يكن يحاول إخافتي فحسب، بل صوب علي ليقتلني".
خرج بشير وأسرته من ريف حماة بسوريا، عند بداية الثورة السورية في عام 2011، وعمل هو وأهله منذ ذلك الحين في زراعة أرض تعود ملكيتها لعائلة لبنانية.
تصاعد العنف
يقيم في لبنان حالياً نحو 1.5 مليون لاجئ سوري وقرابة 11.645 لاجئاً من جنسيات أخرى، أي أن هذه الدولة الصغيرة تؤوي أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة لكل فرد من السكان وبالنسبة لكل كيلومتر مربع في العالم، كما أن لبنان يشهد إحدى أسوأ أزمات العالم على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وعلى الرغم من أن اللاجئين مثل بشير وأهله يتحملون كثيراً من المصاعب مثلهم مثل اللبنانيين، والتي تشمل ارتفاع نسبة الفقر وتراجع الخدمات الأساسية، بقي السياسيون اللبنانيون ينحون باللائمة على اللاجئين بسبب المصائب الاقتصادية التي يعاني منها بلدهم.
بحسب ما أوردته منظمة Access Center for Human Rights وهي منظمة حقوقية لها مقران في بيروت وباريس، فإن تلك الحملات التي تستهدف السوريين قد اشتدت منذ نيسان 2023، وتسببت بظهور حالة توتر عامة وتصعيدها، لتصل لدرجة العنف ضد اللاجئين السوريين.
تسببت الطلقة بكسر في حوض بشير، إلى جانب إصابته بأذية داخلية بليغة في أعضائه، وحتى لو عاد إلى المشي كالمعتاد مجدداً، لابد لجراحه أن تبقيه بعيداً عن العمل لفترة تتراوح ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر، ومن دون عمل ثابت، لا يمكنه تحصيل المال، فهو يتقاضى عشرة دولارات باليوم، والأسوأ من كل هذا هو أن بشير ليس لديه أي تأمين مثله مثل معظم السوريين في لبنان، ولهذا لا بد أن تصل تكاليف المشفى الذي عالجه إلى نحو 6500 دولار.
يعلق بشير على ذلك بقوله: "لو كنت لبنانياً لما أطلق النار علي، وهذه أول مرة أتعرض فيها لإطلاق نار في حياتي، لكن كثيراً من السوريين تعرضوا لذلك هنا، أي أننا لم نعد نسمع عن العنف الذي يمارسه اللبنانيون فحسب، بل أصبحنا نراه".
التحريض ضد اللاجئين
ضمن الحملة التي تستهدف السوريين في البلد، ظهرت إعلانات معادية للاجئين على لوحات إعلانية كبيرة تنتشر في شوارع لبنان وطرقها السريعة، وهنالك سلسلة من الفيديوهات التي تبث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد شاركت المحطات التلفزيونية في هذه الحملة، ومؤخراً، ذكر سامي صعب أحد منظمي الحملة بأن حملته تسلط الضوء على مشكلة خطيرة ألا وهي وجود النازحين السوريين في لبنان.
وعن ذلك تحدث مسؤول لدى حزب القوات اللبنانية من دون الكشف عن اسمه، فأكد بأن لبنان ليس ضد السوريين، وقال: "إننا نقوم بكل ما بوسعنا لضمان أفضل ظروف معيشية لهم، ولكن لسوء الحظ أصبحنا نعاني من أزمة نحن أيضاً".
ووصف هذا المسؤول لبنان بالبلد المتناهي في الصغر الذي لا يمكنه أن يتحمل عدد اللاجئين الموجودين فيه، وأضاف بأن على الدول العربية والأوروبية الأكبر والأغنى أن تقدم مزيداً من المساعدة، وقال: "إنهم ينحون باللائمة علينا، ولكن لا توجد دولة في العالم تعاملت مع السوريين كما تعاملنا معهم عندما استقبلنا 1.5 مليون لاجئ في بلد لا يتجاوز عدد سكانه أربعة ملايين".
وكرر ما يقوله السياسيون اللبنانيون عندما قال: "بوسعهم العودة إلى سوريا، إذ لم تعد سوريا دولة حرب".
بيد أن منظمات حقوقية وثقت الاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتي مورست بحق السوريين الذين عادوا إلى بلدهم.
حملة عنصرية
وصف وديع الأسمر رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان حملة: "تراجعوا عن الضرر" بأنها حملة عنصرية صرف أطلقها شخص لديه نوايا سياسية، إذ منذ بداية الأزمة الاقتصادية في عام 2019، والسياسيون ينحون باللائمة على السوريين بوصف ذلك أفضل مهرب لفشلهم على الصعيد السياسي والاقتصادي على حد تعبيره.
وأضاف الأسمر بأن الخطاب العنصري يرتبط ارتباطاً مباشراً بارتفاع نسبة جرائم الكراهية وحوادث التمييز والظلم التي تمارس بحق السوريين في الشوارع، وقال: "في نهاية الأمر، عندما تنشر الكراهية من أعلى مستوى، فحتماً لابد أن يتحرك الناس في الأسفل".
يخبرنا شاب سوري تعرض مؤخراً لهجوم بأن جماعات عنصرية مرتبطة بعصابات أصبحت تجوب بعض الأحياء، لتمنع السوريين من العيش فيها، بيد أن قوات الأمن اللبناني تتجاهل تلك التصرفات العنيفة بكل بساطة، وفي بعض الأحيان يتواطأ رجال الأمن في الانتهاكات التي تطول السوريين.
وثقت منظمات حقوقية خمس حوادث منذ بداية هذا العام تهجم فيها مواطنون لبنانيون على سوريين بحضور قوات الأمن، وفي حادثة وقعت مؤخراً في الثامن من آذار، ربط المهاجمون لاجئاً سورياً بعمود في بيروت، ثم ضربوه وسحلوه بطريقة مهينة حتى أوصلوه إلى سيارة الأمن بحسب أعلنته منظمة Access Center for Human Rights، وفي تقرير استقصائي أجرته هذه المنظمة تبين بأن الجيش اللبناني أيضاً يعامِل اللاجئين السوريين بطريقة عنيفة ومهينة، إذ يمارس عليهم التعذيب والمضايقات الجنسية خلال فترة اعتقالهم بطريقة عشوائية ضمن حملة الترحيل المتواصلة التي يشنها.
لا حماية للسوريين
في عام 2015، طلبت الحكومة اللبنانية من مفوضية اللاجئين الأممية أن تكف عن تسجيل اللاجئين السوريين، وفرضت منذ ذلك الحين لوائح لقوانين صارمة صعبت أمور تجديد أوراق الإقامة على السوريين، ولذلك فإن الأغلبية الساحقة منهم أو نحو 80% من السوريين في لبنان ليست لديهم إقامة لبنانية قانونية، وهذا ما يعرضهم لأخطار قانونية كثيرة عندما يتعرضون لهجوم ما، وعنهم يقول الأسمر: "إن قرروا أن يرفعوا دعوى، فسيتم اعتقالهم لعدم توفر أوراق قانونية لديهم".
ومن جانبه ذكر بشير بأنه يعاني من ضغط كبير حتى لا يوجه أي اتهام لرب عمله، بما أن أهله يعتمدون عليه في عملهم، ويضيف: "ليس لدينا رب عمل سواه، ولا يمكننا أن نرجع إلى سوريا"، ويقول بأن رب عمله عرض عليه دفع تكاليف المشفى في حال أسقط الاتهامات ضده، غير أنه لا توجد ضمانات تجبره على دفع تلك التكاليف.
في هذه الأثناء، ثمة أسرة لدى بشير مكونة من زوجة وابنة صغيرة وأخرى رضيعة تعتمد عليه في إعالتها، ولهذا يقول والنقمة بادية في صوته: "لقد أذلوني إذ كيف حدث هذا لي؟ وهل سأتلقى رصاصة تقتلني إن لم أعمل؟"
يحيط الخطر والعنف ببشير وأهله ابتداء من مدينتهم حماة وصولاً إلى سهل البقاع اللبناني، إذ على بعد بضعة كيلومترات من الحقل الذي أصابت فيه الرصاصة بشير، يقوم الجيش اللبناني باقتحام المخيمات وترحيل اللاجئين السوريين بالعشرات وبشكل عنيف.
ينعدم الإحساس بالأمان لدى بشير في أثناء تلقيه العلاج في مشفى بعلبك، وذلك لأن سريره اهتز عندما ضربت غارة جوية إسرائيلية هدفاً على بعد خطوات قليلة من المشفى خلال الأسبوع الماضي، بما أن لبنان قد تورط في حرب غزة، وهذا ما جعل بشير يقول: "إضافة إلى إصابتي بطلق ناري، قصفوا المكان بالقرب من المشفى، أي أن المشكلات تلاحقنا حيثما حللنا".
المصدر: Inkstick