صباح يوم الجمعة من كانون الثاني عام 2012، هز انفجار حي الميدان التاريخي وسط العاصمة دمشق، قبل وقت قصير من انطلاق مظاهرات حاشدة تدعو الدول الغربية إلى إيجاد حل في سوريا يوقف عمليات قتل المتظاهرين التي بدأها النظام السوري.
ادعى النظام حينئذ أن "انتحاريا" فجر نفسه قرب إشارة ضوئية مما أدى إلى مقتل وجرح العشرات، غالبيتهم من المدنيين. مشيرا إلى أن الانفجار استهدف المدنيين وقوات حفظ النظام.
وشهد العام 2012، خمسة تفجيرات في دمشق، كان أشهرها تفجير مبنى الأمن القومي السوري، المعروف بتفجير "خلية الأزمة"، وأدى إلى مقتل وزير الدفاع وعدد من القادة الأمنيين الأساسيين، وأثار جدلا حول هوية منفذه، وسط اتهامات بتصفيةٍ قام بها النظام السوري من الداخل.
فجرت هذه الحوادث في العام 2012، المناطق السورية لاحقا عقب فشل المراقبين الدوليين، في تنفيذ بنود كوفي عنان الستة، والتي دعت في أحدها إلى السماح بالتظاهر السلمي ووقف العنف.
النظام مستفيد دائماً
وقع الانفجار في حي الميدان الذي كان مركزا للمظاهرات السلمية ضد النظام، قرب مخفر الشرطة في المنطقة المجاورة لجامع الحسن المشهور بخروج مظاهرات معارضة منه. وحينئذ توجه وفد من بعثة المراقبين التابعة للجامعة العربية إلى موقع الانفجار لمعاينته.
وهدف النظام إلى وأد الحراك في الحي التاريخي، الذي شهد أيضا مظاهرة "المثقفين" الشهيرة قبل عام، والتي دهمها عناصر الأمن واعتقلوا عددا من الممثلين والناشطين منهم الراحلة مي سكاف.
وللمفارقة أنه عقب هجوم الكلية قالت وكالة سبوتنيك الروسية ووسائل الإعلام المقربة من النظام "ذهب السكان في بعض أحياء العاصمة القديمة لتقديم العزاء بهذا المصاب الأليم، لا سيما في حي "الميدان" الدمشقي العريق، الذي أقام أهله خيما لتقبل العزاء بالضحايا المدنيين والعسكريين الذين سقطوا إثر اعتداء إرهابي بالمسيرات أثناء حفل التخرج". وبحسب الصور فإن مكان العزاء جاء في نفس مكان وقوع الانفجار عام 2012.
اقرأ أيضا: سكان الساحل يستهجنون رواية استهداف الكلية الحربية: إيران الفاعل والنظام مستفيد
جاء انفجار حي الميدان بعد أسبوعين من انفجاري "القزاز" اللذين استهدفا مباني تابعة لفرع فلسطين وأوقعا عشرات القتلى. نسف الانفجار خطة كوفي عنان التي لم تكن بعيدة عن مطالب اليوم وهي: (وقف إطلاق النار وبدء حوار سياسي بين الحكومة والمعارضة والسماح بمرور المساعدات الإنسانية ودخول الصحفيين الى سوريا). هذه البنود رفضها النظام وما يزال، وعمل على إعاقتها، فيكف بها اليوم وقد دخلت تعديلات عليها مثل تطبيق القرار 2254؟ وذلك وسط تغير في موازين القوى على الأرض وتفاقم الأزمة المعيشية في مناطق سيطرة النظام، وتواصل انتفاضة السوديداء، إضافة إلى احتقان الشارع في الساحل السوري، وتعثر التطبيع العربي؟
تبادل النظام والمعارضة الاتهامات بشأن المسؤولية عن الانفجارين، النظام اتهم "القاعدة" والمعارضة بشكل عام، في حين اتهمت المعارضة السورية النظام بالوقوف وراءه وهو ما يحدث اليوم عقب هجوم الكلية الحربية، حيث اتهم النظام عبر وسائل الإعلام المقربة منه الحزب الإسلامي التركستاني وكتيبة المهاجرين.
بالعودة إلى العام 2012، قال رئيس المجلس الوطني آنذاك برهان غليون تعليقا على تفجيري القزاز إن "النظام السوري هو المستفيد من هذه العمليات لتبرير بقاء قواته العسكرية في المدن ومواصلة القمع المسلح وأسلوب العنف للسيطرة على الأوضاع الميدانية".
وأضاف غليون أن "عملية القزاز الإرهابية تهدف على مايبدو إلى إرهاب السكان المدنيين وتتيح للنظام السيطرة على الأوضاع". مشيرا إلى أن "النظام يستخدم عناصر في منظمات متطرفة جداً لأغراضه في تنفيذ عمليات معينة تخدم أهدافه". وهو ما نراه مستمرا حتى اليوم في عملية "الانتقام من إدلب" التي يشنها النظام وروسيا، رغم عدم تبني أي جهة اتهمها النظام السوري الهجوم.
تهميش انتفاضة السويداء وتبريد الصفيح الساخن في الساحل
يحاول النظام داخليا إلهاء المناطق الخاضعة لسيطرته والموالية له، عن سوء الوضع المعيشي والانهيار الناتج عنه والذي طال مختلف نواحي الحياة في سوريا، من خلال العزف على وتر "الإرهاب" واستهدافه مكونات المجتمع السوري، بعد أن فشل في إقناع الدول العربية بضخ أموال التعافي المبكر وإعادة الإعمار، ويبدو أن حديث بشار الأسد عن جذب الاستثمارات من الصين لن يكون مقنعا للسوريين الذي باتوا تحت خط الجوع.
وحتى يوم الجمعة، حافظت مظاهرات السويداء على زخمها ومطالبها السياسية المتمثلة برحيل بشار الأسد وتطبيق القرار 2254، ورفع المتظاهرون لافتات تتهم النظام بالوقوف وراء هجوم الكلية الحربية.
ويبقى التردد من الانضمام إلى السويداء سيد الموقف في مناطق سيطرة النظام، إذ إن القسم الأكبر من قتلوا في الكلية الحربية هم من مناطق موالية، ويحاول النظام استجرار التضامن العربي والدولي باعتبار أن من قتلوا هم "خريجون جدد"، بعد أن حازته السويداء، وتلقى الشيخ الهجري اتصالات دعم من شخصيات أوروبية وأميركية على مستوى رفيع.
ما تداعيات تفجير الكلية الحربية عربياً؟
عقب الانفجار مباشرة، بدأ إعلام النظام الرسمي والمقرب منه، بالحديث عن الإرهاب والجماعات الإرهابية التي تستهدف سوريا والسوريين إلخ.. يأتي ذلك وسط تعثر عملية التطبيع العربية مع النظام، التي شهدت زخما في الأشهر الماضية عقب الزلزال، وهو حدث استغله النظام السوري للعودة إلى "الحضن العربي" بدفع إيراني وروسي وصيني.
وكان قبول الدول العربية بعودة النظام للجامعة إقرارا بتغير موازين القوى على الأرض لمصلحة النظام وحلفائه، وهو موقف يحاول استغلاله النظام اليوم عسكريا، بعد أن استغل الموقف العربي "اللين" سياسيا. وقبل عودة النظام إلى الجامعة، قال أمينها العام أحمد أبو الغيط إن النظام "انتصر في المعركة"، وعلى هذا الأساس تتعامل الجامعة العربية مع بشار الأسد.
الدول العربية المطبعة سارعت بإدانة هجوم الكلية الحربية، وقالت الخارجية المصرية في بيان لها: إن "جمهورية مصر العربية تدين بأشد العبارات الهجوم الإرهابي الذي استهدف الكلية العسكرية بحمص في الجمهورية العربية السورية الشقيقة، وأسفر عن عشرات الضحايا والمصابين".
وجاء الموقف نفسه من الإمارات وسلطنة عمان والعراق والجزائر والبحرين، ودان الأردن الذي توترت علاقاته بالنظام مؤخرا بسبب تهريب المخدرات، الهجوم مؤكدا رفضه واستنكاره لكل أشكال العنف.
وبذلك أدى الهجوم إلى تهدئة الخطاب العربي والأردني تحديدا القاسي مع النظام، وإلهائه برواية "الإرهاب" القادر على التمدد عبر الحدود مثل الكبتاغون.
في حين أكد الرئيس الروسي بوتين عزمه على "مواصلة العمل من كثب مع الشركاء السوريين في مكافحة جميع أشكال الإرهاب"، لتتحرك بعدها الطائرات الحربية الروسية وتقصف المدنيين شمال غربي سوريا.
أما إيران فقد دانت عبر قائد "الحرس الثوري" اللواء حسين سلامي، الهجوم على الكلية الحربية بحمص، متوعداً المسؤولين بـ"رد مهول وانتقام مباغت"، في إشارة إلى أنها ما تزال موجودة بقوة في سوريا، عبر ميليشياتها ووكلائها، رغم الضربات الإسرائيلية.
فهل ستؤيد "ضمنا" الدول العربية المطبعة هجوم النظام على إدلب وريف حلب، الذي قد يتطور إلى عمل عسكري لاستنزاف المعارضة وترتيب الأوراق على الطاولة، لتبدأ المرحلة الثانية من التطبيع تحت عنوان "مكافحة التنظيمات المتطرفة" بعد أن غضت هذه الدول الطرف عن قصف شمال غربي سوريا؟