أعلنت القاضي في منطقة يارماوث بأنه لم يعد بيدها شيء بوسعها فعله لحماية فتاة مراهقة سورية لاجئة لطمَها والدها على وجهها خمس مرات وجلدَها قرابة خمسين جلدة بعد اكتشافه لمحادثاتها مع أحد الشبان.
وهذه الشابة التي لم يذكر من اسمها سوى أول حرفين وهما س. هـ ضمن القرار الخطي الذي صدر يوم الاثنين الماضي، وصلت إلى كندا برفقة أسرتها في عام 2016 ضمن برنامج إعادة توطين اللاجئين.
وذكرت القاضي ميشيل كريستينسون من محكمة نوفا سكوتشيا العليا بخصوص قرار فصل الأسرة: "إن قضايا العنف الأسري لفتت نظر السلطات المسؤولة عن حماية الطفل منذ عام 2017، فقد اتهم هذا الأب بجناية ممارسة العنف على زوجته، ولهذا أتفهم سبب رميها لنفسها من نافذة في الطابق الثاني بعد اعتداء زوجها عليها".
وهكذا حكم على الأب بالسجن لنفس المدة التي أمضاها قبل المحاكمة والتي امتدت لثلاثة أشهر وعشرين يوما، ثم أخلي سبيله مع بقائه تحت المراقبة لمدة سنة ونصف.
وتتابع كريستينسون بالقول: "التمّ شمل الأبوين من جديد، أو على الأقل واصلوا العيش مع بعضهم بعضاً في المسكن ذاته بعد تلك الحادثة، وقد عاشت الطفلة س. هـ معهما".
ثم عادت تلك الأسرة لتلفت انتباه السلطات إليها من جديد في شهر تشرين الثاني الماضي، بعدما تلقت تلك الشابة رسائل نصية من أحد الشبان.
"طُلب منها أن تذهب إلى غرفة أبيها"
تحدثنا القاضي كريستينسون عما جرى فتقول: "اكتشف شقيقها أمر تلك الرسائل فأخبر والدها عنها، حيث طلب من الفتاة أن تذهب إلى غرفة أبيها وهناك جرى تأديبها على ما اقترفته وهو تواصلها مع شاب من دون إذن أبيها".
وهكذا كسر أنف تلك الشابة بسبب تعرضها للضرب على فترات متعاقبة، وقد حصلت الشرطة على صور للجروح التي أصيبت بها.
وتتابع القاضي بالقول: "ورد أنها تعرضت للصفع على وجهها خمس مرات كما جلدت ما بين ثلاثين إلى خمسين جلدة بواسطة الحزام، وهنالك من يقول بأن عملية الضرب استمرت لمدة تجاوزت الأربعين دقيقة".
ولذلك اتهمت الشرطة الأب بالاعتداء والتهجم باستعمال سلاح.
ثم تدخلت وزيرة الخدمات المجتمعية كارلا ماكفارلين، حيث تقدمت بطلب لحماية الطفلة، بما أن تلك الشابة من مواليد عام 2007، وعن ذلك تقول القاضية كريستينسون: "اكتشفت وجود أسس منطقية ومحتملة للاعتقاد بأن الطفلة بحاجة لخدمات الحماية".
"لم يتجشم أحد عناء القيام بذلك"
عندما تمت إحالة القضية من جديد للمحكمة من أجل عقد جلسة استماع قبل البدء بإجراءات حماية الطفلة، طرحت قضية السلطة القضائية المختصة بعدما أورد محامي الطفلة الذي عينته المحكمة بأنها كانت في السادسة عشرة من العمر عندما تعرضت للضرب. وإن صح ذلك، فإن هذا يعني بأن القاضي كريستينسون لا تتمتع بالسلطة القضائية المختصة بمعالجة طلب حماية الطفلة، وقد علقت القاضي على ذلك بقولها: "تم تحديد موعد بعيد لجلسة استماع من أجل تلك القضية، وذلك حتى تتسنى للطرفين فرصة تأمين الوثائق المطلوبة التي تدعم وجهة نظر كل منهما، إلا أن أياً منهما لم يتجشم عناء القيام بذلك، حيث لم يتم طلب أي أمر بإقرار الحماية، كما لم تفرض أي مذكرة من مذكرات الاستدعاء الصادرة على أي شخص الحضور وجلب الأدلة التي تتصل بالقضية التي يتعين عليّ إصدار قرار بشأنها".
كان تاريخ الميلاد الذي قدّمته أسرة الشابة ضمن وثائق الهجرة الخاصة بها هو 1 كانون الثاني 2007، وعن ذلك تقول كريستينسون: "على الرغم من طلب وقت أطول لتأمين الوثائق التي تدعم موقفها، ارتأت الوزيرة عدم السعي وراء تلك الوثائق أو العمل على استصدارها، وأشد ما أثار استغرابي هو أن الوزيرة تقدمت بثلاث إفادات وأمر قضائي، وجميعها ترى بأن هذه المحكمة لا تتمتع بالسلطة القضائية المختصة لأنها ترى بأن الطفلة ولدت في عام 2005، وهذا الاعتقاد بني على عدة محادثات أجراها أحد العاملين في المجال الاجتماعي مع إدارة المدرسة ومع الأهل المدّعى عليهم في مقابلة أجريت معهم".
وزيرة ترى أنه لا بد من رد القضية
تخبرنا القاضية بأن الوزيرة ماكفارلين ارتأت بأنه: "لا بد من رد القضية لعلة عدم وجود السلطة القضائية المختصة، إذ لم تكن الأدلة التي عرضت على المحكمة كافية لإثبات احتمال كون الطفلة تحت سن السادسة عشرة عندما تم تقديم الطلب، بالرغم من أن الوثائق الرسمية يمكن أن تشير إلى ما يخالف ذلك".
كما أن والدها لم يتقدم بأي مرافعة ختامية، ولهذا تقول القاضي كريستينسون: "بناء على المقابلة التي أجراها أحد العاملين في القطاع الاجتماعي معه، تبيّن لي بأنه يتفق مع الطلب الذي قدمته الوزيرة والذي يقضي برد هذه القضية، لكنه يتفق معه لأسباب مختلفة، لأنه يرى بأن الاتهامات الموجهة له باطلة، وفي مقابلة أجراها معه أحد العاملين في القطاع الاجتماعي، أنكر الأب قيامه بجلد ابنته، كما أنكر تعرضها لجروح تركت آثاراً دائمة، حتى بعد عرض الصور عليه، وزعم أن كل ما قيل محض كذب، ولهذا فهو يتفق مع الوزيرة من حيث إن ابنته كانت في السادسة عشرة من العمر عندما وقعت تلك الحادثة".
"لن تستقبلهم في بيتها"
انحازت والدة الشابة إلى الوزيرة ماكفارلين، إذ تقول عنها القاضية: "إنها هي أيضاً ترغب بحل تلك القضية، ولا تريد من السلطات المختصة بحماية الطفل أن تفعل شيئاً، فهي لن تستقبلهم في بيتها، كونها توافق بأن ابنتها كانت في السادسة عشرة من عمرها عندما وقعت الحادثة، كما تتفق مع الفكرة القائلة بأن هذه المحكمة لا تتمتع بالسلطة القضائية المختصة بحماية الأطفال".
ذكرت القاضي كريستينسون بأن الوصيّ الذي عينته المحكمة على الطفلة هو الوحيد الذي دافع عن قضيتها، وترى بأن المحكمة تتمتع بتلك السلطة القضائية نظراً لأن وثائق الإقامة الدائمة للشابة وجواز سفرها السوري يثبتان بأن الطفلة كانت في الرابعة عشرة من عمرها عندما تعرضت للضرب، وتتابع بالقول: "ارتأت الوزيرة أنه إلى أن يتم تصحيح تلك الوثائق بشكل رسمي، يتعين على المحكمة مواصلة التصرف لصالح تلك الطفلة".
إلا أن أياً من المتورطين في تلك القضية "لم يقدم أي دليل يتصل بالوثائق الرسمية" بحسب ما ذكرته كريستينسون، وأضافت: "لم يحاول أحد منهم تقديم وثائق مصدقة توضح بأن تاريخ ميلاد الطفلة هو 2007، كما لم يتقدم أي منهم بأي طلب لحضور جلسات المحكمة وإبراز تلك الأدلة الموجودة، فقد عُرضت عليّ صور لجواز سفرها على الأقل، بعدما أرفقت ربطاً بأمر قضائي، ولكن لم يتم تقديم أي دليل يثبت ذلك حتى أقوم بالنظر فيه".
"أخشى أن يكون الطرفان كاذبين"
قرر والدا الضحية عدم تقديم أي أدلة تثبت عمر ابنتهما، وقاما عوضاً عن ذلك بإجراء محادثات مع أحد العاملين في المجال الاجتماعي، حيث قام الأخير بإعداد إفادة حول ما سمعه، ولكن لا يوجد ما يشير إلى أنهما، خلال الإدلاء بإفادتهما، كانا تحت تأثير ما يلزمهما بقول الحقيقة والصدق بحسب ما ذكرته القاضي، إذ بالرغم من الصور التي تظهر فيها الجروح التي تعرضت لها تلك الشابة من جراء الضرب، أنكر والدها قيامه بضربها أصلاً، في حين ذكرت والدتها بأنها لم ترَ أي شيء من هذا القبيل، وهذا ما دفع القاضي للقول: "أخشى أن يكون الطرفان قد كذبا كثيراً خلال تلك المقابلة، ولهذا أشكك بصدقيتهما، وهذا ما يجعل من أمر الاعتماد على تصريحاتهما الشفوية حول تاريخ ميلاد ابنتهما صعباً للغاية".
فقد أوردت الأم تفسيرات متناقضة حول تضارب تاريخ ميلاد ابنتها، فكان من بين ما ذكرته أنهم غيروا ذلك التاريخ بسبب انقطاع ابنتهم عن الدراسة.
في حين أشار مدير مدرستها إلى أنه اطلع على تاريخ ميلادها عند وصول أسرتها إلى مخيم لإعادة التوطين، وذلك عندما ذكر الوالدان تاريخ ميلاد غير صحيح لابنتهما حتى يزيدا من فرصهما في الهجرة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن لديهما الدافع للكذب إن كان ذلك يخدم أغراضهما بحسب رأي القاضي.
أما والد الشابة فقد ادّعى أمام الشخص العامل في المجال الاجتماعي بأن الحكومة اللبنانية هي من أخطأ بتاريخ ميلاد ابنته، في حين ذكرت القاضية بأن الضحية قالت للعامل في المجال الاجتماعي بأنها كانت في الرابعة عشرة من العمر عندما تعرضت للضرب، ولهذا تعلق القاضي على ذلك بقولها: "يبدو لي بأن الأبوين غيّرا الأدلة بحسب النتيجة التي يرغبان في الوصول إليها".
"لم تقدم الأدلة على الإطلاق"
أتى طلب حماية الطفلة من قبل الوزيرة ماكفارلين بحسب ما ذكرت القاضية، وتابعت: "لهذا يتعيّن عليها أن تقدم أساساً يثبت بأني أتمتع بالسلطة القضائية المختصة، إذ ينبغي عليها القيام بذلك بناء على ترجيح الاحتمالات، ولا يتعين على الأبوين أن يقدما الأسس التي تثبت بأني لا أتمتع بتلك السلطة".
وذكرت القاضية بأنه كان بوسعها الاعتماد على الوثائق الرسمية لتحديد عمر الضحية، وأضافت: "لو كان هذا الخيار مطروحاً أمامي خلال المرافعة، لكنت قد اخترته، إلا أن تلك الأدلة لم يتم تقديمها على الإطلاق، كما أن الوزيرة التي طلبت تخصيص وقت طويل للحصول على تلك الوثائق لم تحصل على أمر يقضي بتأمين الوثائق ولا على استدعاء للطرفين يوجب عليهما استصدارها".
هذا ولقد أدلى ثلاثة عاملين في المجال الاجتماعي بشهاداتهم حول ظنهم بأن الضحية كانت في السادسة عشرة من العمر وقت وقوع الحادثة، وهذا ما دفع القاضي للقول: "هذا كل ما بقي لديّ بحكم الاختيار لا الضرورة".
إلا أنها لم ترضَ على: "تأسيس تلك القضية بناء على ترجيح الاحتمالات القائمة على الأدلة التي... تثبت بأن س.هـ كانت في الرابعة عشرة من العمر عند وقوع الحادثة، ما أدى لرفع هذه الدعوى التي تتصل بحماية الطفلة".
في حال تمكنت الوزيرة ماكفارلين من الحصول على تلك الأدلة، عندئذ يصبح بوسعها تقديم طلب جديد لحماية الطفلة بحسب رأي القاضي التي أضافت: "لذلك تم رد الدعوى لعلة عدم توفر السلطة القضائية المختصة".
المصدر: سولتواير