شهدت سياسة لبنان تجاه اللاجئين السوريين مؤخراً تصعيداً كبيراً في عمليات الترحيل والضغط عليهم للعودة إلى سوريا، على الرغم من المخاطر الواضحة التي يواجهونها هناك، ولأن الحكومة اللبنانية، تواجه أزمة اقتصادية حادة، فقد زادت من حملات المداهمات في مخيمات اللاجئين وأنشأت نقاط تفتيش للتحقق من أوراق الإقامة، وقد أدت هذه الإجراءات إلى ترحيل أعداد لا بأس بها من السوريين، بمن فيهم اللاجئون المسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
يعيش السوريون في لبنان كما في مختلف الدول المستضيفة في خوف دائم من الترحيل، إذ يتعرض بعضهم للتفتيش العشوائي وحتى العنف من طرف جماعات محلية ويعانون قيوداً مشددة على حركتهم ووصولهم إلى الخدمات الأساسية، ما يزيد من صعوبة حياتهم اليومية.
وتترافق هذه الظروف القاسية مع خطاب كراهية متزايد من بعض السياسيين اللبنانيين، الذين يستخدمون اللاجئين ككبش فداء للأزمات الاقتصادية والسياسية التي يمر بها لبنان.
وعلى الرغم من تعهد الحكومة اللبنانية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لضمان عدم ترحيل اللاجئين المسجلين، إلا أن هناك شكوكاً كبيرة حول التزامها بهذه التعهدات، خاصة أن عدة تقارير تشير إلى ترحيل لاجئين مسجلين من دون منحهم فرصة للطعن في قرارات الترحيل أو الاتصال بمحاميهم، ليُصبح الوضع الراهن للاجئين السوريين في لبنان مزيجاً من التوتر والعداء المتزايد، ما يعكس تحديات كبيرة في مجال حقوق الإنسان والالتزامات الدولية تجاه حماية اللاجئين.
بلغ عدد الأشخاص الذين تعرضوا للتهجير القسري بسبب الحرب، والاضطهاد، والعنف، وانتهاكات حقوق الإنسان رقماً قياسياً وصل إلى 108.4 ملايين شخص.
تُعَدُّ الأزمة السورية واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في القرن الحادي والعشرين فالثورة السلمية التي خرجت للمطالبة بحقوق سياسية، وُوجِهتْ بآلة عسكرية وحشية أدت إلى نزوح ملايين السوريين عن ديارهم بحثًا عن الأمان والاستقرار.
وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، هناك ما يقارب 6.7 ملايين نازح داخلي في داخل سوريا، وأكثر من 5.6 ملايين لاجئ سوري مسجلين في دول الجوار مثل تركيا، لبنان، الأردن، العراق، ومصر. بالإضافة إلى ذلك، يعيش مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في أوروبا وأميركا الشمالية وأماكن أخرى حول العالم.
تشكل مسألة اللاجئين أزمة عالمية في العالم أجمع ويواجهون تحديات كبيرة في أماكن لجوئهم، ففي نهاية عام 2022، بلغ عدد الأشخاص الذين تعرضوا للتهجير القسري بسبب الحرب، والاضطهاد، والعنف، وانتهاكات حقوق الإنسان رقماً قياسياً وصل إلى 108.4 ملايين شخص. هذا الرقم يمثل زيادة قدرها 19.1 مليون شخص مقارنة بالعام السابق، وهو أكبر زيادة مسجلة على الإطلاق في سنة واحدة. بحلول مايو 2023، ارتفع هذا الرقم إلى 110 ملايين بسبب الصراعات الجديدة، مثل النزاع في السودان، بينما تسببت الحرب في أوكرانيا في واحدة من أسرع أزمات النزوح، حيث بلغ عدد النازحين الأوكرانيين 11.6 مليون شخص، منهم 5.9 ملايين نزحوا داخلياً و5.7 ملايين فروا إلى دول أخرى.
تستضيف تركيا أكبر عدد من اللاجئين في العالم، حيث تؤوي 3.6 ملايين لاجئ، تليها ألمانيا بـ 2.1 مليون لاجئ. كما أن أوروبا تستضيف نحو 36% من اللاجئين العالميين، مع زيادة ملحوظة في عدد اللاجئين نتيجة للحرب في أوكرانيا .
من بين الأزمات الأخرى البارزة، هناك أزمة اللاجئين الروهينغا، حيث فرّ أكثر من 1.2 مليون شخص من ميانمار منذ عام 2017، معظمهم يعيشون في بنغلاديش وماليزيا. كما أن هناك 2.3 مليون لاجئ من جنوب السودان يعيشون في الدول المجاورة مثل أوغندا والسودان وإثيوبيا وكينيا وبطبيعة الحال فهم لا يعيشون حياة مستقرة وطبيعية ويواجهون تحديات مجتمعية، في حين تعكس هذه الأرقام حجم التحديات العالمية المرتبطة بالنزوح القسري والحاجة الملحة إلى تدخلات إنسانية واسعة النطاق لدعم هؤلاء النازحين.
يعاني اللاجئون السوريون اليوم من تحديات اقتصادية هائلة. في الدول المضيفة، ويعيشون في ظروف معيشية صعبة، وغالبًا ما يفتقرون إلى فرص العمل المستقرة.
في لبنان، مثلاً، يعيش نحو 70% من اللاجئين السوريين تحت خط الفقر. وليس الوضع في الأردن وتركيا أفضل حالاً، حيث يكافح الكثير من اللاجئين لتوفير الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية.
على الشعوب المستضيفة أن تدرك أن استضافتها ليست فضلاً منها ولا منة، وأنها مجبرة على ذلك طالما أنها وقعت مواثيق ومعاهدات لتكون ضمن المجتمع الدولي.
فرص العمل والأزمات الاقتصادية ليست المشكلات الوحيدة إذ يمثل تعليم الأطفال اللاجئين تحديًا كبيرًا. وتشير التقديرات إلى أن نحو نصف الأطفال السوريين اللاجئين في سن المدرسة لا يتلقون تعليمًا رسميًا. الأسباب تتراوح من نقص المدارس والموارد التعليمية إلى الحواجز اللغوية والثقافية، أو بسبب العنصرية المجتمعية التي يواجهونها.
كذلك يواجه اللاجئون السوريون تحديات صحية جسيمة، بما في ذلك الرعاية الطبية غير الكافية وانتشار الأمراض المزمنة. ويعاني الكثير منهم من اضطرابات نفسية نتيجة لتجاربهم القاسية، مثل الصدمة والقلق والاكتئاب، وعلى رغم الجهود المبذولة من المنظمات الإنسانية، ما تزال هناك فجوة كبيرة في تقديم الرعاية الصحية الشاملة.
تعمل المنظمات الدولية والمحلية على تحسين أوضاع اللاجئين السوريين إلى حد ما وتشمل هذه الجهود توفير المساعدات الإنسانية العاجلة مثل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية، بالإضافة إلى برامج التعليم والتدريب المهني لتمكين اللاجئين من بناء مستقبل أفضل. كذلك تحاول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) لعب دور رئيسي في تنسيق هذه الجهود، كما تقدم المنظمات غير الحكومية والمجتمعات المحلية في الدول المضيفة دعمًا كبيرًا.
لكن تلك المبادرات والمحاولات تبقى ذات أثر محدود لأنها تصطدم بممارسات عنصرية، وحملات تشويه لصورة اللاجئ، بشكل خاص في دول لا تتماشى قوانينها الداخلية مع القوانين الدولية التي سبق أن وقعت عليها كونها جزءاً من المجتمع الدولي، الأمر الذي يفرض عليهم تحمل الجزء الواقع على عاتقها من المسؤولية الدولية تجاه اللاجئين.
تظل أزمة اللاجئين السوريين تحديًا عالميًا يتطلب تعاونًا دوليًا وجهودًا مستدامة، ومن الضروري أن تستمر الدول والمنظمات في تقديم الدعم والمساعدة للاجئين، مع التركيز على الحلول طويلة الأمد التي تعزز من قدرتهم على الاعتماد على الذات وتحسين ظروفهم المعيشية.
كذلك على الشعوب المستضيفة أن تدرك أن استضافتها ليست فضلاً منها ولا منة، وأنها مجبرة على ذلك طالما أنها وقعت مواثيق ومعاهدات لتكون ضمن المجتمع الدولي.
وربما آن الأوان ليكتشفوا أن اللعبة التي يلعبها بها حكوماتهم بإيهامهم أن اللاجئين وراء سوء الأحوال المعيشية التي يعاني منها المواطن، أصبحت لعبة مكشوفة وقديمة وأن الحكومات المستضيفة تتلقى مساعدات كثيرة من المنظمات الدولية ومن الاتحاد الأوروبي مقابل استضافتهم، وأن سبب المشكلات الحقيقي هو الفساد الداخلي والتبعية، وأن تعليق الأزمات على شماعة اللاجئين ليس سوى طريقة لتسول المال على حساب اللاجئين بما يخالف القانون الدولي الإنساني وأخلاق السياسة.