نفّذت قوات من العشائر السورية فجر يوم أمس الجمعة، عملية عسكرية على نقاط عسكرية تتبع للنظام السوري و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) شمالي مدينة منبج بريف حلب الشرقي، سيطرت خلالها على عدد من المواقع والنقاط، قبل أن تنسحب منها بسبب مساندة الطيران الحربي الروسي لـ "قسد"، والقصف المدفعي المكثف من قبل قوات النظام، ما أدى لمقتل خمسة أطفال من عائلة واحدة، ومقاتل من العشائر.
وجاءت العملية العسكرية للعشائر في محيط مدينة منبج الخاضعة لسيطرة "قسد" بشكل رئيسي، في إطار "الفزعة" من قبل هذه القوات الموجودة ضمن مناطق سيطرة المعارضة السورية في أرياف إدلب وحلب، للعشائر العربية في محافظة دير الزور شرقي سوريا، التي تخوض اشتباكات مع "قسد" منذ أيام.
مقاتلو العشائر في ريف #حلب يطلقون عملية عسكرية ضد #قسد#تلفزيون_سوريا #أخبار_سوريا pic.twitter.com/JViAewmPdT
— تلفزيون سوريا (@syr_television) September 2, 2023
وفتحت هذه العملية الخاطفة باب التوقعات حول إمكانية بدء معركة أكثر شمولية، تستهدف مناطق نفوذ "قسد" في حلب والرقة الحسكة، إذ رأى ناشطون أن التطورات الميدانية في دير الزور و"الفزعة" العشائرية شمال غربي سوريا، تمثّل "فرصة من ذهب" للجيش الوطني السوري وتركيا لانتزاع مناطق استراتيجية من "قسد"، خاصة أن أنقرة توعدت ببدء أعمال عسكرية لإبعاد هذه القوات عن حدودها الجنوبية، وإخراجها من مناطق محددة، لا سيما منطقتي تل رفعت ومنبج، ليتمكن أهلها المهجرون من العودة إليها.
سياق العملية العسكرية للعشائر
بدأت العشائر بحشد قواتها في منطقتي إدلب وريف حلب، مهددة بإطلاق عملية عسكرية باتجاه مواقع "قسد" شرقي حلب، لتخفيف الضغط عن العشائر في محافظة دير الزور.
ومساء يوم الخميس الماضي، سمح الجيش الوطني السوري لأرتال العشائر بالوصول إلى مدينة جرابلس وريفها شرقي حلب، تمهيداً لإطلاق المعركة، باعتبار أن تلك المنطقة على تماس مباشر مع مناطق نفوذ قسد في مدينة منبج.
وأطلقت قوات العشائر معركتها فجر الجمعة، وتمكنت على إثرها من السيطرة على قريتي البوهيج والمحسنلي، إضافة إلى تلة عرب حسن على الجبهة الشمالية لمدينة منبج، قبل أن يتم الانسحاب لاحقاً من هذه المواقع.
تزامن ذلك مع القصف الجوي الروسي، والمدفعية والهاون من جانب نقاط قوات النظام و"قوات سوريا الديمقراطية"، على قرية المحسنلي، ما أدى لمقتل خمسة أطفال، وأحد مقاتلي العشائر.
ودفعت "قسد" بتعزيزات عسكرية إلى ريف حلب الشرقي تضم آليات وأسلحة ثقيلة ومتوسطة، كما نشرت قناصات في نقاط استراتيجية على طول خط التماس مع الجيش الوطني شمالي منبج تحسباً لتقدم مقاتلي العشائر مرة أخرى.
10 نقاط تلخص واقع وتسلسل الهجوم
بالنظر لآراء عدد من الخبراء العسكريين، والقادة الميدانيين، يمكن تلخيص واقع وتسلسل هجوم قوات العشائر وفق الآتي:
بدأ هجوم قوات العشائر، بعد توافد المئات منهم إلى منطقة جرابلس، ومن اللافت أن الهجوم كان متسرعاً ودون تخطيط عملياتي بالشكل الكافي، ما أفقده جزءاً من قوته، إذ لم يسهم في تغيير خريطة السيطرة.
رأى مراقبون أن التطورات خلقت "فرصة ذهبية" لتركيا لإطلاق معركة ضد "قسد"، إلا أن أنقرة لم تشارك في الهجوم ولم تعترض عليه، كما أن المئات من مقاتلي فصائل الجيش الوطني السوري شاركوا به تحت غطاء العشائر دون إعلان رسمي من الفصائل.
لا يمكن إطلاق عملية عسكرية وفق مبدأ "هوشة عرب" كما هو معروف محلياً، مثلما كان الحال بداية الثورة السورية، لكون مناطق النفوذ تحكمها اتفاقيات دولية، وإلا فإن النتائج قد تكون عكسية.
العاطفة و"الفزعة" العشائرية قد تُطلق معركة، لكنها ليست كافية لنجاح الهجوم، إن لم يكن مدعوماً بتحالفات سياسية وترسانة عسكرية تشمل الأسلحة الثقيلة المطلوبة للتمهيد وتدمير مواقع الخصم.
الأعمال الهجومية الهادفة لبسط النفوذ تتطلب نفساً طويلاً وإعداداً عسكرياً وطبياً ولوجستياً وغذائياً وغير ذلك، عكس أعمال الكر والفر التي لا تتجاوز مدة تنفيذها ساعات قليلة.
رأى ناشطون أن التنسيق مع الجانب التركي ودفعه لتبني المعركة أمر لا بد منه، لكون تأمين الغطاء السياسي والعسكري للمعركة محصورا به بالدرجة الأولى.
كان تفاعل المعارضة السورية مع الهجوم خجولاً، إذ لم يحظ بدعم عسكري كاف من الجيش الوطني أو هيئة تحرير الشام، أو غطاء سياسي من الائتلاف أو الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ.
سير المعارك ومآلاتها لا يمكن حسبانه دون النظر إلى المواقف الدولية، وعلى وجه الخصوص موقف واشنطن.
المنجز الثوري لعشائر شمال غربي سوريا يحمل آمالاً كبرى لو أنه كان مؤطراً سياسياً، أي له مظلة سياسية تتقوّم على مشروع سياسي واضح الملامح، تدعم المعارك الميدانية.
حتى الآن لم تتوضح معالم المعركة بريف حلب، وما إذا كانت ستتطور لتشمل مناطق جديدة بدعم عسكري أكثر فاعلية، في حين يميل رأي غالبية المراقبين إلى أن وتيرة الهجوم قد تهدأ ما لم يشهد الميدان تغييرات وتدخلات دولية تدعم الحراك، سواء عسكرياً أو سياسياً.
ما حدود ومستقبل الهجوم؟
قال الباحث السوري فراس علاوي، إن العمل العسكري الذي قامت به العشائر شرقي حلب، سيكون في الغالب محدوداً ومرتبطاً بتوازنات إقليمية ودولية، ومحدداً بتوافقات أستانا.
وتوقع الباحث في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن لا يتطور الهجوم لمواجهة شاملة مع "قسد" بريف حلب، لأنه عمل فردي غير مدعوم بشكل مباشر وغير منظم ويفتقد للدعم العسكري والتغطية النارية.
ويعتقد الباحث أن "العمل سيتوقف تلقائياً خلال أيام، إلا في حال حدوث تطورات ميدانية تؤدي لدخول تركيا إلى ساحة المواجهة بشكل مباشر".
وحتى يكون للعمل جدوى، يجب أن "يكون مدعوماً من تركيا، مع توفير جميع الاحتياجات الميدانية من سلاح وذخيرة، ودعم لوجستي وتقني مثل خطوط الإمداد"، خاصة أن "العمل بشكله الحالي يعطي دفعاً معنوياً فقط، لكن توقفه قد يسبب الإحباط للأهالي"، وفق الباحث.
مآلات المعركة
فيما يخص مآلات معركة العشائر، سواء في دير الزور أو ريف حلب، قال الباحث والكاتب السياسي، حسن النيفي، إن "سيرورة المعارك ومآلاتها لا يمكن حسبانها دون النظر إلى المواقف الدولية، وعلى وجه الخصوص موقف واشنطن التي ما تزال تلوذ بالصمت، ولكنه صمت (موظف)".
وفي حديثه مع موقع تلفزيون سوريا، رأى "النيفي" أن امتناع واشنطن عن التدخل المباشر في القتال يخفي أكثر من سبب، الأول يحيل إلى رضا أميركي على إضعاف قسد، ومن ثم إجبارها على التعامل مع المكون العربي كشريك وندّ حقيقي، وليس مجرد واجهة للإعلام فقط.
وربما يحيل السبب الآخر للانكفاء الأميركي إلى رغبة واشنطن بالتحلل التدريجي من الارتباط بقسد، وبالمقابل الاعتماد على المكون العربي لمواجهة ميليشيات إيران التي سبق أن رفضت قسد مواجهتها.
وأضاف الباحث: "لكن على كل الأحوال لا أعتقد أن القتال سيدوم كثيراً، ولا بدّ أن ينتهي بحوار مشترك، ولكن حين ترى واشنطن أن الوقت بات مناسباً، وذلك بغض النظر عن حجم الضحايا من الطرفين، فهذا الأمر لا يدخل في حسابات الدول الكبرى صاحبة المصالح".
وربما كان المنجز الثوري لعشائر الشمال السوري، يحمل آمالاً كبرى لو أنه كان مؤطراً سياسياً، أي له مظلة سياسية تتقوّم على مشروع سياسي واضح الملامح، ولكن حتى الآن ما "نشاهده هو غلبة العمل الميداني دون أن يوازيه استثمار سياسي للمنجز الميداني"، وفق الباحث.
وثمة تحديات أخرى أمام قوة العشائر تتمثل بقدرة العشائر العربية على حوكمة المنطقة وإيجاد التنظيم والإدارة التي يمكن أن تكون الأساس لبديل أمثل عن سلطة قسد، ويعتقد "النيفي" أن النقطة هذه من أبرز التحديات التي تواجه حراك القبائل العسكري.
شرارة القتال
وبدأت المواجهات في محافظة دير الزور، بين العشائر وقسد، بعدما اعتقلت "قسد" في حملة أمنيّة، قبل أيام، أحمد الخبيل (أبو خولة)، قائد مجلس دير الزور العسكري التابع لها، ومحاصرة مقار المجلس في الحسكة ودير الزور، حيث تطور الأمر لمعركة شاملة بين العشائر وقسد في دير الزور.
وبهذا الخصوص، قال الباحث حسن النيفي، إن شرارة القتال الدائر في دير الزور كان سببها المباشر هو الخلاف بين رئيس مجلس دير الزور العسكري المدعو أحمد الخبيل، وقسد، إلا أن واقع الحال يؤكّد أن ضراوة المعركة واتساعها يحيل إلى احتقان كبير وتراكمات كثيرة قد تشكلت لدى المكون العربي عموماً نتيجة للنزعة الإقصائية التي تمارسها قسد من خلال احتكارها لصناعة القرار فضلاً عن تحكّمها المطلق بمقدّرات المنطقة سواء المالية أو الاقتصادية.
يضاف إلى ذلك البؤس المعيشي الذي يعاني منه أهالي منطقة دير الزور وجميع مناطق سيطرة قسد، حتى بات الكثير من أهالي المنطقة يعتقدون أن قسد لا تنظر إلى المناطق التي تحكمها إلا باعتبارها بقرة حلوبا فقط، ولعل هذا ما دعا الكثير من القبائل للاعتقاد أن المعركة الحالية مع قسد هي دفاع عن الوجود وعن الحقوق، وليست انتصاراً لشخص أو فئة.