حتى بعدما ضمّت روسيا أراضيَ ليست لها، وتدخلت بالانتخابات في دول أخرى، وقصفت سوريا، ما تزال موجة التعاطف الغربي مع فلاديمير بوتين مسيطرة بشكل غريب، وسواء أكان سبب ذلك هو السذاجة أم التفكير المبني على الرغائب أم النفعية السياسية بكل بساطة، إلا أن الشيء الذي نجده لدى الجميع هو أنهم يغضون الطرف عن جرائم بوتين، وذلك عندما يبررون سلوكه، أو يصورونه كضحية للاستفزازات الغربية.
إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا تسبب بظهور حالة من المحاسبة بشكل من الأشكال، دفعت بعض الشخصيات والأحزاب للتنصل من مواقفها التي بقيت تكيفها بحسب الظروف لفترة طويلة من الزمن. إذ بات على زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا، مارين لوبان، أن تحد من الصلات الوثيقة التي تربطها بموسكو. أما في بريطانيا، فقد أصبح تساهل حزب المحافظين مع النفوذ الروسي أمراً لا يطاق. وفي ألمانيا، أصبح الجميع ينظر إلى الجهود التي بذلتها أحزاب عديدة على مدار عقدين من الزمان بهدف إقرار التعامل مع المستبد الروسي على أنها خطأ كارثي، إذ أعلن وزير المالية الألمانية فولفغانغ شويبله عن ذلك بقوله: "كنت مخطئاً، بل كنا جميعاً مخطئين". ولكن في إيرلندا، لم يُدلِ حزب شين فين الذي ترك الباب موارباً تجاه نظام بوتين الوحشي لفترة طويلة، باعترافات من هذا القبيل، لكنه أحس بضرورة التخلي عن مواقفه السابقة، واعتناق مواقف جديدة.
بيد أننا نخطئ إن اعتقدنا بأن بوتين لم يعد لديه حلفاء في الغرب، وذلك لأن العضوَين مايك والاس وكلير دالي في البرلمان الأوروبي ما يزالان يلعبان على حبلين، إذ يدين كل منهما الغزو الروسي، مع استنكار العقوبات المفروضة على روسيا، وهذا ما زاد من نجوميتهما عبر وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة في روسيا، وذلك لأنهما ينتقدان الإجراءات الغربية المتخذة، مع التهجم بلا أي خجل على كل من يقدّم مقترحاً بهذا الخصوص.
وبالرغم من أن هذين النائبين ليسا أكثر من شخصيات هامشية، فإن الأمور التي يتحدثان عنها يشاركهما بها أكثر السياسيين نفوذاً وتأثيراً في مناطق أخرى. فلوبان ستدخل السباق الرئاسي يوم الأحد المقبل، كما أن فيكتور أوربان الذي نصّب نفسه حكماً بالنسبة "للديمقراطية اللاليبرالية"، فقد فاز مؤخراً بفترة رابعة لشغل منصب رئيس الوزراء في هنغاريا. وللكرملين أيضاً أصدقاء من أصحاب النفوذ في لندن والولايات المتحدة، حيث ما يزال دونالد ترامب يحتفظ بسيطرته على الحزب الجمهوري.
إن اعتذار الغرب عن بوتين ودفاعه عنه يمثل موقفاً يجرد الغرب من أي صدقيّة، إذ لا يمكن أن نمرّ على صور القتلى من المدنيين في بوتشا مرور الكرام. ولكن مع دخول الحرب الأوكرانية مرحلة الاستنزاف على المدى الطويل، أخذ تركيز العالم عليها يضعف ويتراجع، ولهذا أصبح العمل على فضح الجهات الغربية التي تعمل على تمكين بوتين أكثر أهمية اليوم من أي وقت مضى.
المصدر: آيريش تايمز