يتعرض النازحون السوريون الذين سافروا إلى دولتي لبنان وتركيا المجاورتين لمشكلات على الحدود بات عليهم أن يتصدوا لها، ولذلك اضطروا للتعامل مع وسطاء أو مهربين ليساعدوهم على العبور، إلى جانب الاستعانة بشبكة عابرة للحدود من المعارف خلال تلك الرحلة الخطرة.
في دراسة نوعية وإثنوغرافية أجريت على تلك الرحلات، تم إجراء مقابلات مع نازحين سوريين سافروا من سوريا إلى لبنان وتركيا خلال الفترة الواقعة بين عامي 2012 و2017 في خضم الحرب السورية، وصار بعضهم يقيم في كندا اليوم.
توتر على الحدود
على مدار العديد من العقود الماضية، زادت القيود المفروضة على الحدود إلى حد كبير، وهذا ما استدعى رداً واستجابة من قبل النازحين، إذ توصف تلك القيود بأنها توترات حدودية، وتشمل الحدود الداخلية والتفتيش العسكري والحصار والسياج الحدودي وسياسات الترحيل والهجرة وغيرها من المبادرات الساعية للتحكم بتحركات السكان والسيطرة عليها.
ويمكن أن تترتب على ذلك آثار تشمل التخويف والعنف، واحتواء الأشخاص واحتجازهم عند تحركهم، والتمييز بناء على العرق والطبقة والحاجة الاقتصادية وغير ذلك من الفروقات الاجتماعية.
إلا أن بعض النازحين السوريين ردوا على تلك التوترات الحدودية عبر العبور من الحدود والأراضي الحدودية القابلة للاختراق، وذلك بعد الاستعانة بطرق بديلة والاعتماد على المهربين وشبكات التواصل الاجتماعية خلال عمليات العبور.
وتلك الأنواع من المخططات التي تعرف باسم سياسة المهاجرين، تلعب دوراً بارزاً في الأراضي الحدودية التي تصل إلى لبنان وتركيا
طفلان سوريان يلعبان كرة القدم في مخيم للاجئين في مدينة بر إلياس بلبنان- التاريخ تموز 2022
الأراضي الحدودية التي تصل إلى لبنان
لم يكن السوريون بحاجة لتأشيرة حتى يدخلوا لبنان، وقد استمر ذلك طوال عقود طويلة، الأمر الذي سمح بتكوين العديد من شبكات المعارف والأصدقاء العابرة للحدود، وذلك على المستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي.
وخلال الحرب في سوريا، سافر كثير من السوريين إلى لبنان بحثاً عن الأمان والحماية، وقد تحدث هؤلاء عن عبورهم الحدود إلى لبنان بطريقة غير نظامية، وعن الرشى التي دفعوها للمسؤولين على الحواجز الحدودية وعن اعتمادهم على المهربين في تلك الرحلات.
إذ مثلاً، تمكن نازح سوري اسمه حسان من الاختباء بعيداً عن أعين القناصين على الحدود السورية-اللبنانية بمساعدة وسيط، حيث مكث في مناطق جبلية هناك، في محاولة للالتفاف على عناصر الأمن الحدودي، وهذا ما ساعده على السفر بأمان إلى بيروت.
غالباً ما يقدم الوسطاء خدمات مهمة أفرزتها الحاجة لها وذلك بسبب القيود الصارمة المفروضة على الحدود، وكذلك بسبب الحرب. فالكثير من السوريين الذي سافروا إلى لبنان التمّ شملهم بأسرهم وعائلاتهم، وحصلوا على دعم ومساعدة من قبل معارفهم على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وتمثلت تلك المساعدة بالبحث عن فرصة عمل لهم، وكذلك عن بيت للسكن، في حين قرر آخرون الهروب من قوات الأمن السورية وتجنب الاعتقال وتبعاته القانونية.
سوريون يعبرون الحدود إلى لبنان هرباً من العنف الدائر بقرية تلكلخ السورية – التاريخ: أيار 2011
إن اللجوء لسياسة المهاجرين تلك تحول إلى حاجة أفرزتها شروط جديدة تمثلت بفرض إجراءات ترقى لمستوى تأشيرة في عام 2013 على السوريين، إذ بات يتعين على السوري أن يقدم وثائق تثبت إقامته للبنان لفترة وجيزة لا تتجاوز الشهر.
كما أغلقت الحكومة اللبنانية الحدود البرية مع سوريا في عام 2015 وطلبت من مفوضية اللاجئين التوقف عن تسجيلهم.
الأراضي الحدودية مع تركيا
عقب سياسة إلغاء التأشيرة بين سوريا وتركيا التي وقعت عام 2009، سمحت سياسة الباب المفتوح التركية للسوريين بدخول البلاد بطريقة قانونية خلال السنوات الأولى من الحرب السورية.
وهكذا، وصل كثير من العائلات على دفعات، وأعادت توطين نفسها بنفسها ضمن المناطق الحدودية لكنها بقيت تحلم بالعودة إلى سوريا. وبقيت تحركات النازحين السوريين عبر الحدود مع تركيا تتخذ اتجاهات متعددة إلى أن أغلقت تركيا حدودها الجنوبية في عام 2015.
وكمثال على ذلك نذكر قصة النازحة السورية ليلي التي دخلت تركيا للمرة الأولى في عام 2012 جواً عبر بيروت، ثم عادت إلى سوريا بعد بضعة أشهر لتتفقد أحوال أسرتها ومشروعها التجاري، ثم سافرت من جديد إلى ولاية هاتاي التركية الحدودية في عام 2013، واستقرت فيها، ومن ثم عادت من جديد إلى سوريا في عام 2015 لترتب أمور استخراج جواز سفر لابنتها التي ولدت حديثاً.
في حين أتى كثيرون وغادروا بطريقة غير شرعية حتى خلال أيام العمل بسياسة الحدود المفتوحة، وذلك إما لأنهم هربوا دون أن يكون بحوزتهم جواز سفر، أو أنهم سافروا إلى مناطق تسيطر عليها جماعات لا تعترف بها سوريا أو تركيا بشكل رسمي، وبمجرد أن استقر هؤلاء على الشريط الحدودي مع تركيا، أخذوا يحشدون شبكات علاقاتهم التي كانت قائمة قبل النزاع على مستوى العشيرة والتجارة والدين وذلك مع المواطنين الأتراك، بهدف المرور بسلاسة وتجاوز الإجراءات القانونية التي لا تخطر على بال أحد، والوصول إلى الموارد المحدودة خلال حياتهم اليومية. ومع ذلك مايزال التباين قائماً بالنسبة لطرق عبور الحدود ومواقيتها وشخوصها.
ومع تمخض سياسة الباب المفتوح عن نظام حماية مؤقتة إلى جانب عمليات الترحيل العشوائية وتشييد تركيا لجدار على حدودها الجنوبية، عثر السوريون على طرق بديلة للخوض في سياسة المهاجرين، والتي تشمل تهريب المهاجرين وغير ذلك من التحركات السرية.
لاجئات سوريات ينتظرن أولادهن في مشفى مؤقت أقيم في مخيم للاجئين بمدينة يايلاداغ التركية – التاريخ: حزيران 2011.
حدود يسهل اختراقها
أظهر البحث الذي أجري على رحلات المهاجرين السوريين كيف تقيد النظم المعتمدة على الحدود حقوق الإنسان وتميز بين النازحين، ولهذا لا بد أن تشجع بدلاً من أن تمنع عمليات العبور غير الشرعية، إلا أن مصيرها الفشل في نهاية المطاف.
إذ على الرغم من وجود سياج وإجراءات استثنائية تقف حائلاً أمام وصولهم، عثر كثير من السوريين على طرق تقوم على الالتفاف على الحدود، وذلك عندما اتخذوا من الأراضي الحدودية موطناً جديداً لهم.
المصدر: كونفيرزيشن