ملخص:
- قوات النظام السوري تفرض رسومًا باهظة على اللاجئين السوريين العائدين من لبنان، مما يحول عودتهم إلى مصدر دخل مربح.
- النازحون يواجهون ابتزازاً مالياً عند نقاط التفتيش في رحلتهم الشاقة نحو المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال السوري.
تحولت عودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا، ولا سيما إلى مناطق المعارضة، إلى مصدر دخل مربح لقوات النظام السوري، التي تفرض على العائدين رسوماً باهظة عند نقاط التفتيش.
وفي حين يعود المزيد من السوريين هرباً من القصف الإسرائيلي على لبنان، يجدون أنفسهم مضطرين لدفع مئات الدولارات لعبور الطرق التي تسيطر عليها قوات النظام، في رحلة محفوفة بالمخاطر والابتزاز.
في السطور التالية، الترجمة الكاملة لتقرير نشره موقع قناة "DW" الألمانية يسلط الضوء على استغلال قوات النظام وميليشيات أخرى معاناة هؤلاء النازحين لتحقيق مكاسب مالية ضخمة:
مع فرار المزيد من السوريين من القصف الإسرائيلي على لبنان للعودة إلى ديارهم، تقوم قوات الأمن التابعة للنظام السوري بأعمال مربحة من خلال فرض رسوم دخول عليهم. والثمن مرتفع بشكل خاص بالنسبة لأولئك الذين يسلكون الطريق الطويل للعودة إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
والرحلة طويلة وصعبة، ووفقا لأولئك الذين سلكوها، فهي مكلفة بشكل متزايد. واستغرق الأمر من الرجل السوري خالد مسعود وعائلته سبعة أيام و1300 دولار للعثور على قدر من الأمان في شمالي سوريا في أثناء فرارهم من حملة القصف الإسرائيلي على لبنان.
والآن، تعيش عائلته المكونة من ستة أفراد، بالإضافة إلى عائلة ابنته، في مخيم للاجئين بالقرب من معرة مصرين، شمالي إدلب، في منطقة تسيطر عليها قوات المعارضة.
هذا الأسبوع، قال رئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، إن ما لا يقل عن 220 ألف شخص عبروا من لبنان إلى سوريا، في أعقاب القصف الإسرائيلي، وأن حوالي 80٪ منهم سوريون. وتشير السلطات اللبنانية إلى أن ما يصل إلى 400 ألف شخص ذهبوا إلى سوريا.
بالنسبة للسوريين العائدين إلى بلدهم، فإن عبور الحدود من لبنان المجاور ليس بالأمر السهل، إذ يُنظر إلى أي شخص فر من البلاد خلال الحرب بعين الريبة. وتقول منظمات حقوق الإنسان، التي توثق مثل هذه الحالات بانتظام، إن الرجال السوريين العائدين قد يتعرضون للاحتجاز أو التعذيب أو التجنيد القسري في قوات النظام أو القتل.
لذلك، بالنسبة للعديد من السوريين، فإن التوجه نحو المناطق التي لا تزال تسيطر عليها المعارضة يعد خيارا أكثر أمانا.
تقريبا كل من يأتي إلى هنا يسلك الطرق الريفية بين القرى، وللوصول إلى المناطق الريفية التي تسيطر عليها المعارضة حول إدلب، يتعين على معظم المسافرين المرور عبر ثلاث مناطق مختلفة تسيطر عليها ثلاث قوات أمنية مختلفة: تلك التابعة لحكومة النظام السوري، والجيش الوطني وقوات قسد.
وعلى الرغم من أن النازحين السوريين يسافرون على الطرق الخلفية، إلا أنه لا تزال هناك نقاط تفتيش أمنية. وعند كل نقطة تفتيش يطلب منهم المال من أجل المرور. ولهذا السبب كلفت الرحلة عائلة مسعود 1300 دولار (حوالي 1184 يورو).
كسب المال من البؤس
ومع استمرار إسرائيل في قصف لبنان، أصبح هذا عملا مربحا. يقول هادي عثمان، وهو شاب سوري يبلغ من العمر 20 عاماً، والذي سلك رحلة العودة إلى إدلب: "كل نقطة تفتيش تأخذ ما تريد". "إنه أشبه بالأعمال التجارية، ويعتمد المبلغ الذي يطلبونه على حالتهم المزاجية".
وقال عثمان وآخرون لـ DW إن الناس يدفعون ما بين 300 و600 دولار (بين حوالي 270 و546 يورو) للعودة إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
وقال أحد السكان المحليين في المنطقة ومطلع على كيفية عمل النظام لـ DW إن فروعا مختلفة من قوات النظام تتعاون مع ميليشيات أخرى، بما في ذلك قسد، في المنطقة لتسهيل مثل هذه المدفوعات.
ولم يتمكن السكان المحليون من التحدث إلا من دون الكشف عن هويتهم خوفا من الانتقام لأنهم يعتقدون أن الفرقة الرابعة في قوات النظام السوري، والتي يرأسها ماهر الأسد، متورطة أيضا، خاصة مع الوافدين إلى الحدود اللبنانية.
وقال المصدر إنه يتم إحضار السوريين العائدين إلى ساحة البلدة بين نقاط التفتيش. ويبقون هناك حتى يتم تجميع مجموعة أكبر، وقد دفعوا جميعا عدة مئات من الدولارات، ثم يسافرون بعد ذلك.
وهذا جزء من السبب وراء استغراق الرحلة وقتًا طويلاً. ويعتقد المصدر أن الأموال يتم تقاسمها بعد ذلك بين المجموعات المختلفة التي تشرف على الطرق المؤدية إلى المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة. ولم تتمكن DW من التحقق من ذلك بشكل مستقل.
وأضاف المصدر أنه في كثير من الأحيان يتعرض النازحون السوريون للإهانة أو الاعتداء أو حتى الاعتقال، موضحا أنه عادة، إذا دفع الناس، يمكنهم السفر. ومع ذلك، في وقت سابق من هذا الأسبوع، أفادت وسائل الإعلام سورية أنه تم اعتقال ما لا يقل عن 40 شاباً عادوا من لبنان في محطة حافلات في دمشق.
وقال المصدر: "الناس خائفون ومتعبون ويبحثون عن مكان للإقامة.. لو لم تكن الحرب في لبنان أسوأ من الوضع في سوريا، لبقوا هناك - على الرغم من العنصرية.. والآن يُنظر إليهم على أنهم أوراق دولارية.. والأشخاص الذين يتقاضون منهم المال يتهمونهم بالخيانة ويقولون إنهم أغنياء".
ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد وصلت بالفعل حوالي 470 عائلة - تتألف من حوالي 2500 شخص - و200 رجل أعزب إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وهناك كثير في طريقهم إليها.
إذا كان متوسط المبالغ التي يقول المسافرون إنهم يدفعونها صحيحاً، فربما تكون القوى الأمنية المختلفة قد ابتزتهم بالفعل بأكثر من مليون دولار من النازحين السوريين القادمين من لبنان.
وتشكل رسوم الحواجز أموالاً طائلة لكثير من السوريين الذين نزحوا إلى لبنان بسبب الحرب فهناك، يعيش 90٪ من السوريين في فقر، وأولئك الذين كسبوا المال - على الرغم من القوانين اللبنانية التي تنص على أنهم لا يستطيعون العمل بشكل قانوني - يحصلون على حوالي 95 دولارا شهريا في وظائف غير رسمية، وفقا للأمم المتحدة.
يقول عثمان إنه عاش في لبنان منذ عام 2012، بعد خروجه من مسقط رأسه في بنش شمال غربي سوريا.
وقال لـ DW: "لكن الحياة كانت صعبة للغاية في لبنان.. الدولار باهظ الثمن، والظروف الاقتصادية كانت مزرية.. عشنا على الحد الأدنى للأجور وأنفقنا كل ما كسبناه".
عند معبر عون الدادات، الذي يربط بين مدينة جرابلس التي تسيطر عليها المعارضة ومدينة منبج التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يقول عثمان إن رسوم نقطة التفتيش التي تم فرضها كانت 10 دولارات.
ويروي قائلاً: "لكننا خرجنا هناك بمظاهرة، ولم يدفع أحد"، موضحاً كيف احتجت الحشود الغاضبة ثم اخترقت الحدود من دون دفع الرسوم.
وقال عثمان: "نحمد الله على عودتنا إلى هنا.. لقد تعبنا، لكن المهم أننا وصلنا إلى قريتنا، والآن سنبقى في منزلنا".