تزينت العاصمة البريطانية لندن بنحو 30 ألف مصباح احتفاء بحلول شهر رمضان، وذلك لأول مرة، كما وضعت كتابات ضوئية بارزة في شارع كوفنتري، ترحيبا بشهر الصيام، وأنار الأضواء عمدة لندن، صديق خان، الذي يحتفي بشهر رمضان رفقة 1.3 مليون مسلم يعيشون في العاصمة البريطانية.
أما على الضفة المقابلة من بحر المانش وتحديدا في ألمانيا كان استقبال شهر رمضان على المستوى الرسمي والشعبي مختلفا عنه في بريطانيا، حيث قال المستشار الاتحادي أولاف شولتس في كلمة تهنئة بمناسبة شهر رمضان: "أتمنى لكم ولعائلاتكم وأصدقائكم شهر صيام مباركاً! ولتنعموا بأوقات يعمها السلام مع بعضكم البعض! إن رمضان هو وقت التأمل الروحي، ووقت التلاقي والمشاركة – كالاجتماع كل مساء حول مائدة الإفطار. والغاية هي دعم الآخرين والتعاضد معهم".
وأضاف شولتس: "يكتسي ذلك قيمة عالية جداً لا سيما في الأوقات الراهنة. لقد تأثرت بالغ التأثير بالاستعداد الهائل لكثيرين من مواطنات ومواطني بلدنا لتقديم التبرعات لضحايا الزلزال في تركيا وسوريا. فمن خلال مساعدتكم، تقولون للضحايا إنهم ليسوا وحدهم. إن مواقف المساندة هذه تولد شعورا بالأمل – لا سيما بالنسبة للمنكوبين هناك. ولكنها توضح أيضاً أننا كبلد نجد حلولاً للتحديات الجسيمة حين نتكاتف وندعم بعضنا البعض. إنه لمن دواعي سروري أن المسلمات والمسلمين في مواقع كثيرة في مجتمعنا يساهمون في ذلك. شكرا جزيلا على ذلك ورمضان كريم!".
كيف يتفاعل المجتمع الألماني مع المناسبات الاجتماعية؟
يقول الخبير الاجتماعي أنس جباعي لموقع تلفزيون سوريا: "تختلف طريقة تفاعل المجتمع الألماني مع الأحداث الاجتماعية بشكل عام والأحداث والمناسبات الاجتماعية للمهاجرين الجدد بشكل خاص بطريقة مختلفة تماما عن باقي الدول الأوروبية، فالمجتمع هنا يولي اهتماما أكبر للحياة العملية والمهنية أكثر منها للجانب الاجتماعي، وهذا لا يعني أنه لا يهتم بالمناسبات الاجتماعية".
يعمل جباعي في مركز للأبحاث الاجتماعية في مدينة آخن غربي ألمانيا منذ نحو 17 عاما بعد أن قدم إلى ألمانيا لاستكمال دراساته العليا في علم الاجتماع، وبقي يعمل في مركز يتبع للجامعة التي درس بها، ويضيف: "تغيرت فكرة تقبّل المجتمع الألماني لعادات الجالية الإسلامية بشكل إيجابي أكثر منذ عام 2015، على الرغم من وجود جالية تركية منذ نصف قرن تقريبا، إلا أن الجالية التركية شكّلت مجتمعا مستقلا داخل المجتمع الألماني وهو ما حرم المجتمع المستضيف من الاطلاع على عادات وطقوس الوافدين الجدد".
تفاعل أكبر مع رمضان في ألمانيا بعد قدوم السوريين
يعمل عبد القادر الجرادات في شركة بوش للأدوات الكهربائية المنزلية، في مدينة شتوتغارت، وفي أول يوم من شهر رمضان كان لديه فترة عمل مسائية، وتفاجأ عندما أقدم مدير الموارد البشرية وعدد من موظفي القسم بتوزيع الماء والتمر على العاملين في الشركة في الوردية المسائية وذلك تكريما للموظفين المسلمين العاملين معهم بحسب ما أوضح لبقية الزملاء الذين لم يكن لديهم علم ببدء الشهر الفضيل.
يقول عبد القادر لموقع تلفزيون سوريا: "لقد تركت المبادرة أثرا طيبا في نفوسنا، سيما أنها دفعت بقية الزملاء بتهنئتنا بقدوم شهر رمضان، وعرض بعضهم المساعدة والعمل بالإنابة خلال فترة الإفطار لأنها لا تتزامن مع فترة الاستراحة".
أما في فرع شركة سيمينز بمدينة لايبزغ، فقد طلب أحد المدراء من الموظفين المسلمين تحديد يوم ليتم تنظيم إفطار جماعي للعاملين في فرع الشركة هناك.
وقال أمين العليوي العامل لدى سيمينز لايبزغ: "عملت في الشركة خلال السنوات الأربعة الماضية كمتدرب، ولم يكن هناك أي مبادرات من هذا النوع، لكن اليوم ومع ازدياد عدد العاملين من أصول مهاجرة وخصوصا من سوريا وبعض البلدان الإسلامية دفعت الإدارة لأخذ العادات والطقوس بالاعتبار".
وفي فرع شركة فولكس فاغن في مدينة دريسدن طلب مدير من الموظف عهد حجيلي تزويدهم بأسماء مبادرات تنظم أو تدعم إقامة إفطار جماعي أو تقديم وجبات رمضانية للمحتاجين ليتم التبرع لهم من الميزانية المخصصة للمسؤولية الاجتماعية للشركة.
رمضان ونجاح اندماج اللاجئين السوريين
في أحد المراكز التعليمية في برلين تم إعطاء الطلاب عطلة لمدة أسبوع في أول رمضان على أن يتم تعويضه في نهاية الكورس، وذلك لتمكين الطلاب وجلّهم من بلدان إسلامية من التأقلم مع أجواء رمضان خلال أيامه الأولى وليعيشوا "روعة الطقوس بأجواء عائلية" كما جاء في بيان إدارة المركز الذي تم توزيعه على الطلاب.
ويلفت الخبير جباعي بأن الدراسات الأكاديمية الاجتماعية باتت تركز على الصيام وتأثيره الإيجابي على مردود الصائمين سواء طلبة أو عمال وموظفين، ويستشهد بدراسة أجرتها جامعتي كونستانتس الألمانية وبرن السويسرية مؤخرا، توضح أن هناك أثرا إيجابيا للصيام لفترات طويلة على التلاميذ.
وتضمّنت الدراسة تقييم بيانات لتلاميذ الصف الثامن (حوالي سنة الرابعة أو الخامسة عشر عاما) في اختبار الأداء المدرسي الدولي "TIMSS" وفي اختبار "PISA" الأوروبي على مدار عدة سنوات.
وكلمة "TIMSS" (تيمس) هي اختصار للعبارة الإنكليزية "Trends in International Mathematics and Science Study" وتعني بالعربية "الاتجاهات في الدراسة العالمية للرياضيات والعلوم".
أما كلمة "PISA" (بيسا) فهي اختصار للعبارة الإنكليزية " Programme for International Student Assessment" وتعني بالعربية "البرنامج الدولي لتقييم الطلبة".
ويختم الخبير جباعي كلامه بأن كل المظاهر الجديدة في المجتمع الألماني تعكس مدى تفاعل وتقبّل المجتمعات المستضيفة لطقوس الوافدن الجدد ما يعكس حالة نجاح اندماج المهاجرين في تلك المجتمعات، وهذا يختلف تماما عن حال المجتمعات التي قدمت منذ فترة طويلة وتقوقعت على نفسها.
الجدير بالذكر أنه يعيش ما بين 5 إلى ستة ملايين مسلم في ألمانيا وهذا يعادل ما يقرب من 6 في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ 82.2 مليون نسمة. ويحاول المسلمون، جعل شهر رمضان مختلفا عن بقية أوقات السنة من خلال طقوس مميزة، فيتم تنظيم موائد إفطار جماعية في المساجد والروابط والجمعيات أو في المطاعم. كما يحرص سياسيون من مختلف الأحزاب الألمانية على مشاركة المسلمين إفطارهم خلال الشهر.