بحر خطير عميق ومزاجي، لم يثن عزم العائلات السورية الهاربة من تحت لظى الموت والحرب! عن الوصول إلى ألمانيا، الوجهة والمقصود لأغلب اللاجئين السوريين، لكنْ وعلى صخرة الحياة في ألمانيا تحطمت كثير من هذه العائلات بعد نجاتها من أمواج الموت في بحر إيجه، لقد حطمها الطلاق!
حالات طلاق كثيرة حصلت في ألمانيا، قصص كثيرة رُويت كان أبطالها رجالاً ونساء سوريات، قصصٌ تردد صداها في وسائل الإعلام وكانت مثار استغراب ودهشة بين الألمان أنفسهم حتى.
مجتمع جديد وحرية مفاجِئة
عند تتبع عدد من حالات الطلاق بين السوريين نجد أن أغلبها كان بطلب وقرار من الزوجات السوريات اللواتي وجدن أنفسهن فجأة يعشن في مجتمع يُعلي شأن المرأة فوق شأن الرجل ويحترم قراراتها مهما تكن.
وكان مما ساعد المرأة السورية وشجعها على اتخاذ قرار الطلاق هو دورات التوعية النسائية التي قدمتها لهن منظمات المجتمع الألمانية مثل منظمة آڨو (AWO) ومنظمة دياكوني (Diakoni)، وكان هدفها تعريف النساء المهاجرات بحقوقهن في ألمانيا والحرص على عدم تعرضهن للعنف المنزلي من قبل أزواجهن، ما يقود للاعتقاد أنَّ هنالك صورة نمطية في الذهنية الغربية قد رُسمت لطريقة تعاملٍ سلطوية تحكمية يتسلم قيادها الرجل الشرقي أو العربي. وفي الواقع، يُلقي جزء من المطلَّقين السوريين اللائمة على المجتمع الألماني وتدخلات مشابهة من قبل ناشطين ومنظمات تساعد اللاجئين.
اقرأ أيضا: ذبحاً بالسكّين.. لاجئ سوري يقتل زوجته في ألمانيا
في حديث لموقع تلفزيون سوريا، يشرح " أحمد" وهو لاجئ سوري مطلَّق، كيف انتهى به الأمر ليكون وحيدا:" بدأت القصة بخلاف صغير لا يتعدى أي شجار عادي يمكن أن يحصل بين أي زوجين فتعلو أصواتهما ثم ينتهي ببساطة، لكنّ الأمر تفاقم عند الخلاف الثاني ليرتفع صوت زوجتي عليّ، وبعد تكرر عدة شجارات، قامت باللجوء إلى أحد الموظفين الألمان في السوسيال ليأتي ويخاطبني بشكل مباشر وشرح لي عن حقوق المرأة وأنه لا يمكنني فرض قراراتي عليها وعلى الأولاد".
من وجهة نظر " أحمد" فقد لعب المجتمع الألماني بقوانينه متمثلاً في شخص الموظف، لعب دوراً حاسماً في طلاقه من زوجته وتفكيك عائلته.
يستطرد"أحمد " فيقول: " بعد عدة مشكلات ولأسباب سخيفة، فُوجئتُ بأن زوجتي قد تقدمت بطلب انفصال رسمي، فكان عليّ البحث عن شقة خاصة بي وترك زوجة وولدين صغيرين وحدهم".
يقدم " أحمد" نموذجاً لحالة طلاق تمت بشكل سلس وقانوني، فقد كان على درجة من الوعي ولم يقم بأي ردّ فعل سلبي انفعالي يضر به أو بعائلته كما في قصة "أبي مروان" التي تداولتها وسائل الإعلام في كل مكان، حين أقدم هذا اللاجئ السوري على ذبح طليقته واختطاف أولاده من شقتها.
أمل بالخلاص عند البعض
دخول المرأة السورية واندماجها في المجتمع الألماني أدى إلى انفتاحها على ثقافة مجتمعية جديدة محمية بالقوانين الألمانية التي تدعمها وتحمي حقوقها، فوجدت بذلك المرأة السورية نفسها تمتلك الحرية الكاملة في اتخاذ قراراتها بنفسها بمعزل عن سيطرة الرجل وتحكمه، وفتح ذلك باباً لكثير من النساء للتخلص من معاناة قديمة جديدة.
اقرأ أيضا:ألمانيا تقترح ترحيل "الخطرين" مِن السوريين إلى دول غير سوريا
تُفصح " ميساء" لموقع تلفزيون سوريا عن بعض تفاصيل قصتها وكيف انتهت إلى الطلاق من زوجها: "بدأت معاناتي مع زوجي عندما كنا في سوريا، فقد تعرضتُ لمعاملة سيئة وصلتْ حد الإهانة اللفظية وحتى الضرب أمام الأولاد ولم يكن بمقدرتي أن أفعل شيئاً لأنني امرأة في مجتمع ذكوري لا تستطيع المرأة المظلومة فيه اللجوء حتى إلى أهلها، فهي تظل امرأة وليس لها في النهاية إلا زوجها وبيتها، فالمرأة هناك تريد ( الستر ).
عندما صرنا في ألمانيا، وعلى عكس ما كنت أتمنى، لم يتغير الحال مع زوجي الذي استمر في سوء المعاملة، فكان لا بد لي من اتخاذ قرار الانفصال عنه بعد أن عرفت حقوقي في المجتمع الألماني الذي يدعمني بدل أن ينظر لي نظرة احتقار كمطلقة ".
هنالك العديد من حالات الطلاق المشابهة لحالة "ميساء "، كانت المرأة فيها هي الطرف المتضرر بدايةً فللتخلص من الأذى النفسي والجسدي في بعض الأحيان، كان لا بد من الإقدام على الطلاق.
في وقت يعيش فيه أغلب المطلَّقين السوريين حالة صدمة من واقع يعتبرونه قد فُرض عليهم قسراً في بيئة مختلفة عن بيئتهم التي تربوا فيها وتشرّبوا عاداتها وتقاليدها المجتمعية و الحياتية.
يُدلي "عماد" برأيه لموقع تلفزيون سوريا فيقول: "لم أتوقع أبداً ما حصل لي هنا في ألمانيا، أنا الآن في فترة انفصال عن زوجتي لمدة عام، وهي مدة تمنحنا إياها المحكمة العائلية الألمانية لتكون فترة للهدوء ومراجعة النفس وتحكيم العقل بين الطرفين يستطيعان خلالها اتخاذ قرار بمتابعة الحياة الزوجية أو المضي قدماً في إجراءات الطلاق ".
يشعر"عماد" وهو ما يزال في فترة الانفصال، أنه قد انتهى من الحياة الزوجية مع شريكته السابقة، وعليه أن يتخذ قراره بمتابعة إجراءات الطلاق، فهو _حسب تعبيره_ لا يريد العيش مجدداً مع امرأة لا تحترم رأيه ولا تشعره بالثقة والأمان مع التهديد المستمر باللجوء إلى الشرطة إنِ احتدم الخلاف بينهما.
إذا كان اختلاف الثقافة الحياتية في ألمانيا قد لعب دوراً في تعميق الخلافات الأسرية بين الأزواج المهاجرين وقادهم إلى الطلاق، فقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً دوراً أعمق في تحريض أحد الزوجين على الآخر ودفعه إلى اتخاذ قرارات حياتية حاسمة.
يوضح "ماهر"، وهو محام سوري يعمل كوسيط داعم للأطفال الذين يشتتهم الطلاق بين الأم والأب، يوضح لموقع تلفزيون سوريا دور وسائل التواصل الاجتماعي في التشجيع على اتخاذ قرار الطلاق: "أستطيع القول بناءً على خبرتي العملية مع الأزواج المطلقين، إن أغلب حالات الانفصال والطلاق كانت بطلب من الزوجة، فكثير من النساء السوريات يتعلمن من بعضهن على صفحات برامج التواصل الاجتماعي كيفية التقدم بطلب الطلاق، ويتلقين نصائح من نساء أخريات مررن بتجارب مشابهة ".
ويعزو "ماهر" أغلب أسباب الخلاف بين الأزواج السوريين اللاجئين إلى أسباب مادية، "فمعظم النساء يشعرن بالرغبة بالاستقلال المادي عن الزوج رغم أن غالبيتهن لم يكنّ منتجات أو عاملات في سوريا، وهنا تظهر النزعة الشرقية عند الزوج الذي لم يستطع بعد تفهّم وتقبّل هذه الثقافة الحياتية الجديدة التي تمنح زوجته الحق في أن تكون حرة مستقلة".
اقرأ أيضا: ألمانيا تعتقل طالب لجوء سوري للاشتباه بارتكابه جريمة قتل
وكغيره من المجتمعات الجديدة المتشكلة داخل المجتمع الألماني، تبرز ظاهرة الخيانة الزوجية كسبب من أسباب الطلاق المباشرة، هذه الخيانة التي تأتي من الطرفين على حد سواء.
فالرجل الشرقي الذي يعتبر نفسه غير معيب وإنْ أقام علاقات مع نساء خارج إطار الزوجية، يجد نفسه في مجتمع لا يداري ذكوريته ولا يمنحه أسباباً لمسامحته والعفو عن أخطائه.
كذلك كثير من النساء اللواتي يرغبن بتغيير نمط الحياة وتغيير شريك الحياة، وفي بعض الأحيان يكون البديل جاهزاً قبل الحصول على القرار النهائي بالطلاق.
وبغضّ النظر عن النتائج السلبية للطلاق في أي مجتمع كان، فإنه يظل ظاهرة متفاقمة بين الأسر السورية اللاجئة في ألمانيا وإنِ اختلفت العادات والأعراف والقوانين، ويبقى بالنسبة للبعض حلاً غير مرضٍ وذا أبعاد خطرة على الأسرة تهدد حياةً ومستقبلاً كان يفترض به أن يزدهر ويعطي أملاً لأفراد جدد يدخلون ضمن نسيج المجتمع الألماني.