مجموعات على تطبيق واتساب وفيس بوك، وأخرى على قنوات التليغرام، بصور عرائسية، وعناوين تحفيزية للعازبين، ممن يبحثون عن شريك العمر، باتت اليوم ظاهرة تحتل حيزاً في العالم الافتراضي، بوصفها نوعاً من "البزنس" يقول أصحابه إنّ غايتهم إلى جانب الربح المادي، "جمع رأسين على مخدة بالحلال".
يعيش مئات آلاف الشبان والشابات السوريين بعيداً عن ذويهم في بلاد اللجوء، ويختلطون بمجتمعات جديدة، وجنسيات مختلفة، بعيداً عن مجتمعاتهم الضيّقة، ما يقلل من فرصة العبور نحو الخطوة الأولى في الارتباط وتكوين أسرة.
وأمام هذا الواقع والحاجة، أنشأ سوريون مجموعات تعرّف الشاب إلى الشابة بعضهم بعضاً، مكتفية بمهمة الوصل بين الطرفين، مقابل مبلغ مالي محدد، لتنتهي مهمة "الخطّابة الأون لاين" عند هذا الحد.
وبينما نجحت تجاربٌ عبر خطابات "الأون لاين"، فشلت أخرى، وعكف أصحابها عن هذه المجموعات، ليبحثوا عن بديل "حقيقي" خارج إطار "البزنس"، كما يقولون.
"ورقة يانصيب"
محمد الحمصي، شاب يعيش في تركيا وحيداً، إلا من ساعات عمل تصل إلى 12 ساعة يومياً، صادف في أثناء تصفحه للفيس بوك صفحةً للتعارف بقصد الزواج، فتابعها، وبدأ يقلب بالمنشورات، ليلفته منشور يتحدّث عن "فتاة جميلة في العشرين من العمر ومتعلمة، وتريد الارتباط بابن الحلال".
يقول محمد: تواصلت مع الأدمن، وطلبت رقم الفتاة، فكان ذلك بعد أن حوّلت لهم مبلغاً من المال مقابل توفير الرقم.
تعرّف محمد إلى الفتاة، وتكررت اللقاءات، لنحو شهرين من الزمن، قبل أن يتعرّف الشاب إلى عائلة الفتاة، ويحدد موعدا للخطوبة.
وارتبط الشابان بخاتم وعقد، إلا أنّ المنغصات راحت تتسلل إلى عمق العلاقة والتي لم يتعد عمرها منذ البداية حتى النهاية 3 أشهر.
"هدايا، كافتريات، مطاعم، وكل شيء، لقد استهلكتني، دون أي مراعاة لعملي وراتبي ولما نحن مقبلون عليه"، يضيف محمد، شارحاً ما جرى معه، موضحاً أنّه كان يتذمر من هذا الوضع، لتعيّره الفتاة بزوج أختها المقتدر و"السخي".
لم تمضِ فترة حتى بدأت الخلافات تدبّ في العلاقة، وصارت الصبية تتهرب من لقاء الشاب، "يبدو أنّها كوّنت عني فكرة بأني بخيل لكنني كنت أصرف عليها معظم راتبي الشهري، أنا لست تاجراً"، يقول محمد.
في الآونة الأخيرة، كل لقاء كان ينتهي بعبارة أنا أحب الحياة والهدايا ولا أستطيع أن أكمل ما سيأتي بهذه الطريقة المقننة، بحسب الشاب الذي أكّد أنّهما انفصلا نهائياً، مشيراً إلى أنّه خسر نحو 40 ألف ليرة تركية في هذه التجربة، واتهاماً من قبل الفتاة بأنّه خدعها وأوهمها بالحياة السعيدة.
يختم الشاب بالقول "حالي كحال كثير من الشباب ارتبطوا من خلال التعارف كان قدري أن أتعرف بفتاة لا تهتم سوى بالهدايا والمظاهر، لن أعيد تلك التجربة لن أرتبط إلا بفتاة اعلم جميع تفاصيلها وشخصيتها، لن أبني أحلاماً على ورقة يانصيب".
على ركام الحلم
كثيرون من يجلسون اليوم على ركام أحلامهم، جنباً إلى جنب مع محمد، فهذه ناهد تعضّ الإصبع الرابع من يدها اليسرى والذي وضعت فيه خاتم خطبةٍ تحوّلت إلى زواج تعتبره "بائساً".
تقول ناهد إنّ زوجة عمها جاءت لها بعريس من إحدى مجموعات "التعارف الشريف"، وبالفعل بدأت العلاقة وتطورت سريعاً لخطوبة كانت ممتلئة بالسعادة، ثم الزواج.
وتضيف: "اشترى منزلا في غازي عنتاب، ثم ذهب إلى الكويت لمتابعة أعماله هناك، لأكتشف أنه متجوز ووضعني أمام الأمر الواقع وأنا لست أول من يتزوجها وينفصل عنها وطلب مني عدم إزعاجه باتصالاتي".
وتابعت: "أخبرني بأنّه لن يطلّق، وها أنا أعيش للعام الثالث هذه الحياة التعيسة، يأتي كل شهرين لمدة عشرة أيام، والمطلوب مني أن أكون المرأة التي تسعده ومن فم ساكت".
وبحسب ناهد فإنّ عمها وزوجته اللذين هم بمثابة أولياء أمورها في تركيا، يرفضون تذمرها من زوجها، ويقولون لها لم نعرف طعم الحياة إلا عندما تزوجت من هذا الرجل، إنّه كريم.
ماذا تقول الخطابة؟
أم محمد وهو اسم مستعار لامرأة في الـ 45 من عمرها، كانت قد أنشأت قبل 6 سنوات مشروعها المتمثل بمجموعة على فيس بوك مخصصة للزواج، وما تزال قائمة عليها، وسط إقبال العازبين للمجموعة ذات "السمعة الحسنة".
تقول أم محمد بدأت فكرتي في إنشاء المجموعة عندما مشاهدتي للعدد كبير من الأمهات اللاتي يعانين في تزويج أبنائهن، واللاتي يبحثن عن عريس ملائم لبناتهن.
فشلت بعض التجارب، لكنّ غالبيتها تكلل بالنجاح، تؤكّد المرأة. أمّا الفشل، فمردّه حسبما قالت "العادات والتقاليد المختلفة وعدم تقبل الطرفين للخصوصية.
وفي بعض الحالات حصل الانفصال بعد الزواج بالمقابل نجحت العديد من الحالات وتم بناء أسرة مستقرة.
ما زالت مجموعاتي مستمرة وبعد هذه الفترة من الغربة ابتدأت الناس تتقبل الاختلاف والزواج من بيئات مختلفة وذهبت عقدة المدينة الواحدة وبات الطلب الوحيد أن يكون العريس أو العروس من الجنسية السورية بصرف النظر عن المدينة التي ينتمون إليها".
وعن حصّتها، تؤكّد المرأة أنّها محفوظة وتأخذ مستحقاتها كوسيط من الطرفين، دون أن توضّح لنا المبلغ، مكتفية بالقول يمكن اعتباره "تحلاية".
فشل عدد من التجارب لا يعني فشل الفكرة، هذا ما تؤكده المرأة التي تصر على الاستمرار بعملها ومجموعاتها المتنامية يوميا، وتقول لو أن الطلب علينا قليل لما رأيتم كل هذه المجموعات والتنافس فيما بينها.