icon
التغطية الحية

كبار السن من التقاعد إلى سوق العمل.. الواقع والتحديات

2022.11.16 | 06:12 دمشق

مسن سوري يجلس على الرصيف في أحد شوارع درعا (الإنترنت)
مسن سوري يجلس على الرصيف في أحد شوارع درعا (الإنترنت)
أنقرة - وضحى عثمان
+A
حجم الخط
-A

بعد مرور عشر سنوات وأكثر من الحرب السورية، تزداد معاناة كبار السن في ظل عدم الاستقرار المديد الذي كان له بالغ الأثر على واقع حياة المسنين اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً.

تتركز معاناة المسنين السوريين في سوريا ودول اللجوء المجاورة على الجوانب الاقتصادية والخدمية، في ظل محدودية الدخل، وازدياد المصاريف وفقدان المعيل والضمان الاجتماعي إضافة على عدم القدرة على العمل بسبب تقدم السّن.

يكافح العديد من المسنين السوريين للعمل، أمام الواقع الجديد الذي فرضته الحرب من شتات وفقر، لتأمين حياتهم اليومية، ودخول سوق العمل الصعب سواء في مناطق النظام أو في الشمال وتركيا.

ومع تفرق أبناء الأسرة الواحدة يفقد كبار السن عامل الاستقرار وعليه السعي للعمل لإعالة نفسه وما تبقى لديه من أبناء، كما عليه تأمين فرصة عمل، ومواجهة تحديات سوق العمل من جديد.

إضافة إلى الأزمات الاجتماعية والنفسية التي خلفتها حياة اللجوء والبعد عن الأهل والأصحاب والحارة، ما ينعكس على صعوبة اندماجه في المجتمعات الجديدة والمختلفة عنه، وبالتالي على حساب راحته النفسية وصحته.

ظروف اقتصادية صعبة

خالد رحيل (65 عاماً)، نازح من مدينة تدمر إلى تركيا، تدهورت حالته الاقتصادية بعد أن كان يمتلك العقارات ومحلاً تجارياً "ضخماً"، انتهت به الظروف للعمل أجيراً في مكتبة.

وعن ذلك يقول، لم أكن أَتَصور أن أخسرَ كل شيء، كل تعب السنوات الذي جنيتهُ عندما كنت مغترباً في الكويت، وضعتُه فِي العقارات، وافتتحت محلاً أيضاً لبيع المواد الغذائية في تدمر.

ويضيف، فجأة تَغيرت كلّ المعايير، لم يَعد مِن المُمكِن الوصول إلى تِلكَ العقارات؛ بسبب الحرب، ولم يتبق إِلا مبلغ قليل من السيولة المالية.

خرج الستيني كما ملايين السوريين هرباً من القصف واستقر في تركيا وكان عليه البحث عن عمل لتأمين نفقات المعيشة.

ويقول رحيل في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، أجبرت في هذا العمر على العودة إلى عملي في مجال الطباعة، لأنني أنا وزوجتي نحتاج إلى تأمين تكاليف أجرة المنزل، وإلى مصروف شهري.

ويضيف والحسرة في قلبه، بدل أَن أكونَ صاحب العمل أصبحتُ أجيراً في مكتبة تركية الراتب فيها لا يعطيني كفافي.

ويؤكد رحيل أن هناكَ الكثير من هم في عمره، أعادتهم الحياة إلى المحطة الأولى.

معاناة المسنين أصحاب الشهادات العلمية في تركيا

يعاني المسنون السوريون في تركيا من أصحاب الشهادات العلمية معاناة مختلفة عما يعانيه أصحاب المهن الحرة؛ فهم لا يعرفون، أو لا يتقنون سوى العمل ضمن اختصاصاتهم.

ويضطر العديد من كبار السن ممن يحملون شهادات علمية لأن يعملوا في غير اختصاصاتهم، وأن يمارسوا مهناً جديدة لم يسبق لهم العمل بها؛ لتأمين الدّخل لهم أو للأسرة التي هم جزء منها، مع العلم أن فرص عمل المسن، قد تكون شبه نادرة وغير موجودة، وتحتاج لجهد شخصيّ من المسن وذويه.

المهندس الميكانيكي عبد العزيز الحجي (64 عاماً)، نازحٌ من مدينة دمشق إلى تركيا، متزوج ولديه 4 أبناء، بعدما استنفد كل الفرص للعمل في اختصاصه العلمي ساقته الأقدار إلى العمل في ورشة خياطة ليؤمن دخلا يحفظ الحدود الدنيا من معيشته.

يقول المهندس الستيني، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، لم أستطع تعديل شهادتي في الهندسة الميكانيكية التي حصلت عليها من جامعة دمشق، في تركيا لأسباب بيروقراطية، الأمر الذي حال دون عملي كمهندس ميكانيك، وأنا لا أعرف سوى العمل ضمن اختصاصي.

ويُضيف المهندس عبد العزيز الحجي، ضمنَ وجودِي في تركيا حاولتُ كثيراً أَن أعمل في مجالي إِلا أَن فرص العمل كانت قليلة، كما حاولت السفر إلى دولة عربية، ولكن بسبب ظروف جواز السفر السوري لم أستطع السفر.

ويتابع قوله، الآن أنا في سن الرابعة والستين أعمل على مكنة خياطة في أحد المعامل التركية، وأحصل على راتب قدره 6 آلاف ليرة تركية.

عجز الأبناء

يعتمد العديد من كبار السن ممن لديهم أبناء شباب لجؤوا إلى أوروبا أو تركيا على ما يرسلونه من حوالات سواء في سوريا او في دول الجوار، لتأمين أمور المعيشة.

ولكن هناك قسم لا بأس به من المسنين ليس لديهم من يعيلهم أو يساعدهم على ظروف الحياة.

وعن ابتعاد أبنائه عنه يقول المهندس الحجي، أعيش أنا وزوجتي وحيدين في أنقرة، بعد أن تزوج أبنائي، هم ليسوا أبناء عاقين، ولكن الظروف الصعبة تجعلهم غير قادرين على تأمين احتياجاتهم.

ويشير المهندس الستيني إلى أن هذا الواقع يمثل الكثير من المحامين والصيادلة وأصحاب الشهادات العالية، الذين وجدوا أنفسهم في بلد لا يقبل بتعديل شهاداتهم، فهم غير قادرين على العمل بشهاداتِهم، وغير قادرين على السفر خارج تركيا.

وشهدت الأشهر الأخيرة موجة جديدة من هجرة الشباب السوريين، وذلك بسبب قلة فرص العمل، ولأسباب أخرى تخص وضعهم في خدمة العلم، أما الشباب الذين في تركيا، فأول الأسباب لهجرتهم هو عملهم بأجور متدنية.

الشاب إسماعيل يعمل أكثر من 12 ساعة، براتب 6 آلاف ليرة تركية، وهو متزوج ولديه 3 أطفال، ويعيش مع والديه المسنين، ولا يستطيع براتبه أن يؤمن لهم متطلباتهم واحتياجاتهم الأساسية.

في تصريح رسمي لمديرة الخدمات الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التابعة للنظام، ميساء ميداني، تقول إن فئة المسنين ليست بالفئة الكبيرة من حيث عدد السكان في سوريا، لكن بسبب ظروف الحرب تضاعفت احتياجاتهم نتيجة هجرة الشباب، وغياب المُعيل، ونزوح الأسر.

وفي كلتا الحالتين فالأبناء أينما كانوا في سوريا أم في تركيا، يشعرون بالعجز التام أمام تأمين مبلغ يساعد ذويهم، كما أن المبالغ المالية التي يتقاضاها الشباب الذين هاجروا إلى دول أوروبا سواء ألمانيا أو السويد محسوبة؛ بحيث تكون كافية لاحتياجات الشاب المُهاجر فقط، ولهذا كان لديهم أيضاً عجزٌ في إرسال المال لذويهم.

كبار السن يرفضون المغادرة

من أهم تداعيات الحرب السورية على الأسر هي النّزوح، واضطرار الأسر إلى تهجيرهم من المناطق غير الآمنة إلى مناطق أكثر أمناً، ولأن كبار السن أحد أفراد الأسر النازحة يواجهون صعوبات أكثر؛ بسبب تراجع قدرتهم على الإنتاج كالسابق.

ولهذا رفض المسنون السُّوريون مغادرة مناطقهم، على الرَّغم من أنَّ بقاءَهم يُعرِّضهم للخطر؛ فهم لديهم خوفٌ من خسارة ممتلكاتهم، وقلقٌ من فقدان الخدمات الطبية مثل الرّعاية الصحيَّة والأدوية.

وحسب تصريحات سابقة لـ "الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان" التابعة للنظام؛ فإن نسبة كبار السن ممن تجاوز عمرهم الـ 60 عاماً بأكثر من 6% من تعداد السكان في سوريا، ومن المتوقع ارتفاع هذه النسبة إلى 10% في عام 2025.

في حين يبلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا بحسب إحصائيات الحكومة التركية 3.6 ملايين شخص، بينهم 3.1% من كبار السن، منهم 1.6% من الإناث، و1.5% من الذكور، والكثير منهم يعيش القهر من جرّاء فقدان شخص عزيز لهم، وبعضهم ما زال يعيش حرقة ابن أو قريب مفقود، معاناتهم من الحرب ما زالت لصيقة بحياتهم اليومية.

رواتب تقاعدية "لاتذكر"

يقول عادِل العمر (65 عاماً)، إن كلمة التقاعد بحد ذاتها قد تسبب مشكلات نفسيّة وتوتر، واكتئابا للمسنين وذويهم، فهي تعطي رسالة نهاية مهمة الإنسان وإحالته للمعاش، والراتب التقاعدي الذي لا يغطي تكاليف المعيشة.

ويضيف العمر، المقيم في مدينة دمشق، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، الراتب التقاعدي والذي يبلغ 100 ألف ليرة سورية، لم يعد كافياً لمصروف يومين فقط من الشهر، بحثت عن عمل يناسب سني، فلم أجد سوى العمل في سوق الهال.

وعن تجربته الجديدة بالعمل والتي يصفها بـ "القاسية" يقول الستيني، كنت موظفاً في شركة الكهرباء بدمشق، كما أنَّه كان لدي مكتبي الخاص في مجال العقارات، وكنتُ أعمل فيه بعد انتهاء دوامي في الوظيفة.

ويتابع حديثه، أما الآن أصبحت أقف لساعات في محل لبيع الخضار في سوق الهال، لأحصل على راتب لا يتناسب مع جهدي الذي أقدمه، ولكن الشيء الوحيد المفيد من هذا العمل هو حصولي على الخضار والفواكه بأسعار الجملة، وأحصل على راتب يكفي جزءاً صغيراً من احتياجات أسرتي.

إحصائيات حديثة

وصلت نسبة العائلات التي يتحمّل كبار السن إعالتها في شمال غرب سوريا إلى 38%، وفق تقييم صدر لمبادرة " REACH" لاحتياجات النازحين الجدد في المنطقة الشمالية.

كما تمَّ توثيق وجود 55% من كبار السن ممّن يعيشون وحدهم، لا يستطيعون تأمين احتياجاتهم بأنفسهم.

المرشدة النفسية نائلة مهنّا، أشارت إلى أهمية الدعم النفسي لهذه الفئة، وضرورة وضع برامج خاصَّة بهم تؤمّن لهم الحياة الكريمة مثلهم مثل باقي اللاجئين.

وتقول مهنا، يجب أن يكون هناك شخص ونيس في عائلة المسنين بشكل دائم، وإن لم يكن من أبنائهم أو أحفادهم، يمكن للمنظمات أن تُعيّن أشخاصاً يقومون بالمتابعة الدورية لهم.

ووفق خطة الاستجابة الإنسانية في سوريا، فإن 800 ألف شخص من المسنين بحاجة للمساعدات الطبية، و200 ألف مسن بحاجة إلى الملجأ، و700 ألف منهم بحاجة إلى خدمات الرعاية الصحيّة.

وبحسب المفوضية السَّامية لشؤون اللاجئين، يُمثّل اللاجئون السوريون المسنون اليوم نحو 8.5% من مجموع الأشخاص الذين تُعنى بهم المفوضية في تركيا وشمال سوريا، وبحلول عام 2050، سيُصبح عدد الأشخاص الذين تفوق أعمارهم 60 عاماً في العالم أكبر من عدد الأفراد الذين تقلّ أعمارهم عن 12 عاماً.