icon
التغطية الحية

قوة أميركا الاقتصادية لا تحقق لها كبير نفوذ في الشرق الأوسط

2023.11.10 | 23:40 دمشق

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال جولاته المكوكية الأخيرة في الشرق الأوسط
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال جولاته المكوكية الأخيرة في الشرق الأوسط
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

خلال الشهر الفائت حاول دبلوماسيون أميركيون منع انهيار الشرق الأوسط، إذ منذ أن هاجمت حماس إسرائيل وأخذت إسرائيل تنتقم منها، ضغطت أميركا على إسرائيل حتى تسمح بإدخال المساعدات إلى غزة، وأجرت جولات مكوكية بين عواصم دول الخليج لتلتقي بالزعماء العرب، كما عرجت على عمان والقاهرة لتطلب من جارتي إسرائيل مساعدة اللاجئين والجرحى، وهذا ما جعل التعب يبدو قليلاً على وجه وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن.

الاستمرارية هي الحل

لم تقم حرب إقليمية حتى الآن، لكن السياسيين الأميركيين لم يعد لديهم ما يقدمونه خلال جولاتهم الكثيرة، وهذا ما يثير سخطهم، إذ لم يتمكن سوى عدد ضئيل من الناس أن يخرجوا من غزة، كما لم تدخل إلى غزة سوى كميات غير كافية من الأغذية والأدوية، وماتزال دول المنطقة ترفض مناقشة فكرة إنهاء الحرب، خاصة فكرة من سيكون البديل بعد حماس. إذ خلال جولته الثانية في المنطقة التي انتهت في الخامس من تشرين الثاني، أكد بلينكن على أن كل تلك الجهود تمثل عملاً يعتمد على الاستمرارية.

لطالما كانت قوة أميركا الاقتصادية تمثل حجر الزاوية في دبلوماسيتها طوال عقود، إذ في بداية الحرب، عقدت أميركا آمالها على المكافآت المالية التي يمكن أن تقنع مصر بإيواء اللاجئين القادمين من غزة مع الضغط على كل من الأردن ولبنان بهدف تقديم المزيد من التعاون مع الأميركيين، بما أن هذه الدول الثلاث أصبحت على شفير الانهيار مالياً، أي إنها بحاجة للمساعدة، بيد أن المشكلة تتمثل في أن واشنطن قد عدمت كل وسيلة مطلوبة لتعويض حكومات هذه الدول، خاصة تلك الأمور التي تدفع الدول للمخاطرة بنفسها عبر إثارتها لسخط شعوبها، وذلك كأن ينظر الشعب إليها على أنها تخلت عن القضية الفلسطينية إن لانت لإسرائيل أو قبلت أن تستقبل اللاجئين.

تغير حاد في الدبلوماسية الأميركية

خلال العقود القليلة الماضية، تغيرت الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط، فقد اعتادت تلك الدولة العظمى على اتهامها بالتصلب والعناد والسعي للسيطرة على حكومات الدول عبر برامج صندوق النقد الدولي، ومنذ ذلك الحين، راجت خطط الإنقاذ التي يقدمها صندوق النقد الدولي، وأصبحت شروطها قليلة، كما تحولت القروض الأميركية إلى مساعدات قيمتها مليارات الدولارات، وفي عام 1991، تحملت أميركا وحلفاؤها نصف ديون مصر للخارج، أما اليوم فلم تعد واشنطن تتحمل أياً منها، وقبل الحرب، أصبح المسؤولون يفضلون الحديث عن الحد من الفقر بدلاً من التطرق للمزايا الجيوسياسية.

 

 

خلف ذلك التحول الأميركي كانت هناك أمنية وهي أن يحقق الرفاه حالة من الاستقرار في دول الحلفاء مثل المملكة الأردنية والحكم الديكتاتوري في مصر، وأن يحسن ذلك من سمعة أميركا التي ساءت بسبب ما شنته من حروب في أفغانستان والعراق، بيد أن النمو الاقتصادي لم يتحقق إلا بنسبة ضئيلة، وظل الشرق الأوسط مأوى لأسوأ أنظمة اقتصادية في العالم، فقد وصل لبنان إلى شفير الهاوية، بعدما عجزت الحكومة عن سداد الديون في عام 2020، ولم يعد هناك أي استقرار سياسي تستلزمه فكرة التفاوض مع الدائنين، كما تجاوزت نسبة التضخم اليوم 100%.

مقارنة بلبنان، كان وضع النظم الاقتصادية في دول المنطقة أفضل بقليل، فقد وصل الأردن إلى أعلى نسبة بطالة خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، ويستثنى منها فترة تفشي جائحة كوفيد، والفترة التي اعتمد فيها الأردن على الدعم الأميركي وعلى صندوق النقد الدولي ليتجاوز عجزه عن تسديد ديونه. وبالشكل ذاته، شارفت مصر على الوصول إلى حالة التخلف عن سداد الديون منذ أزمة القطع الأجنبي التي عصفت بها خلال العام الماضي. كما جمدت خطط إنقاذ منفصلة قدمها صندوق النقد الدولي وذلك بسبب رفض مصر تفكيك الشركات الخاسرة التي تديرها القوات المسلحة.

أوامر تستوجب التحرك

تمثل هذه الصورة القاتمة مشكلة حقيقية بالنسبة لأميركا، ولا يعود مرد ذلك إلى أنها تعبر عن حالة فشل في سياسات المساعدة التي تقدمها فحسب، وذلك لأن أميركا كانت على استعداد للتغاضي عن الديون ومسامحة الدول بها مقابل حصولها على مزايا، إذ هذا ما حدث في عام 1991 عندما أعربت أميركا عن شكرها لمصر إثر تدخل الأخيرة في حرب الخليج. وفي عام 1994، عندما فاوض الأردن على معاهدة سلام مع إسرائيل، كان أول ما طلبه الملك حسين من الرئيس كلينتون هو مسامحة الأردن بالديون، ولكن اليوم لا توجد لأميركا ديون في المنطقة حتى تسامح مصر بها، كما أن الشركات والاستثمارات الأميركية القليلة الموجودة في مصر ولبنان حزمت أمتعتها استعداداً للرحيل منذ بداية الأزمة المالية، ولذلك لم يعد أمام المسؤولين الأميركيين الكثير ليفعلوه من خلال مجال المشاريع والأعمال ونفوذها الاقتصادي.

 

 

هنالك خيار آخر بوسع أميركا اللجوء إليه وهو تقديم كم كبير من المساعدات ضمن صفقة كبرى، بيد أن تلك الفكرة قد تقف في وجهها المعارضة السياسية الجبانة في واشنطن، وفي هذه الأثناء، لن تحظى أي محاولة أميركية لحث الدول على التعاون عبر التلويح بقطع المساعدات عن مصر والأردن بأي مصداقية. إذ في مصر، تذهب معظم الأموال الأميركية للجيش وهذا ما يجعل من الجيش المصري عنصراً أساسياً لخوض أي مغامرة، نظراً للوضع الأمني في البلد. أما في الأردن، فإن معظم الأموال تذهب مباشرة إلى ميزانية الحكومة، إلا أن تلك الأموال تعتبر بمثابة تعويض عن استقبال الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين في هذا البلد. ولذلك يعتبر السياسيون في كلا البلدين أنفسهم جديرين بتلك العطايا التي أصبحت حقاً من حقوقهم نظراً لحفاظهم على السلام مع إسرائيل ولسيطرتهم على شعوبهم، إذ يقول أحدهم: "إننا نقبل المنح لأنها تبقي الأمور في حالة توازن، والأميركيون الذين تحدثت إليهم يعرفون ذلك تماماً".

لبنان محروم من المساعدات الأميركية

معظم ما يتلقاه لبنان اليوم من أميركا هو عبارة عن مساعدات إنسانية وصلت قيمتها إلى 92 مليون دولار حتى شهر حزيران من هذا العام، وهذه الأموال لا تصل إلى خزينة الدولة بل إلى السكان مباشرة، ما يعني أنها لا تفرض أي نفوذ مالي إلا بنسبة ضئيلة، كما أن الحكومة اللبنانية هشة لدرجة تحرمها من بلوغ مرتبة التفاوض. في حين يسيطر حزب الله على مساحات شاسعة من البلد، بعدما أقام مصرفاً خاصاً به وحشد الآلاف من الجنود، وهؤلاء صاروا يطلقون الصواريخ على إسرائيل. ومنذ أن صنفت أميركا حزب الله على أنه تنظيم إرهابي، أصبح من النادر تقديم المسؤولين في أميركا أي مساعدات اقتصادية للبنان.   

مع انعدام السبل التي تغري الحلفاء بإبداء سلوك طيب، يجب على الدبلوماسيين الماليين في أميركا أن يشغلوا أنفسهم بمعاقبة من يبدون أي سلوك سيئ. وقد فرضت أميركا حالياً من العقوبات عشرات الأضعاف مما فرضته على دول العالم خلال العقدين الماضيين. ومنذ السابع من تشرين الأول، فرضت وزارة الخزانة الأميركية حزمتين من القيود التي تشمل كل شيء بدءاً من أي شيء قادم من إيران وصولاً إلى شركات البناء التركية. ولكن للأسف لا يمكن للعقوبات أن تحل أصعب المشكلات في غزة، أي مشكلة تأمين المساعدات الإنسانية وتوفير الحماية للاجئين، كما أن أموال حماس خفية بما يكفي لتحصينها ضد أي إجراءات أميركية، ثم إن أغلب ممولي حماس لاذوا بتركيا، تلك الدولة التي رفض رئيسها، رجب طيب أردوغان طلب بلينكن للقائه خلال جولاته الأخيرة في المنطقة.

 

المصدر: The Economist