"قمة جدة" تكرس هدوء المنطقة.. مفاوضات إقليمية تطول لبنان

2022.07.23 | 06:06 دمشق

قمة جدة
+A
حجم الخط
-A

انتهت القمة الخليجية العربية الأميركية في جدة منذ أيام، والخلاصة التي يمكن الحديث عنها أن لا تصعيد في المواقف، ولا إعلان عن إنشاء تحالفات عسكرية أو ناتو إقليمي، وهذا الموقف شدد عليه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان حول نفيه لإنشاء السعودية لتحالف ناتو عربي لمواجهة إيران. ما يعني أن السعودية حريصة في الوقت الحالي على إنجاح مساعي الهدنة مع إيران واستكمال الحوار الجاري معها في بغداد.

لكن هناك إشارات سياسية واقتصادية ودبلوماسية يمكن استخلاصها من قمة جدة أهمها مشاركة العراق بشخص رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي وهو الذي يعتبر رجل التسوية الأميركية-الإيرانية في العراق، والكاظمي وضع الإيرانيين في كواليس القمة والنقاشات التي دارت فيها والكلام التهدوي لكل قادة المنطقة حيالها، في حين الإيرانيون اكتفوا عبر بعض وكلائهم بمواقف سياسية تعبر عن الموقف الرسمي الإيراني حول الدعم المفتوح من واشنطن لإسرائيل، أما ميدانياً لم تصدر إيران أو أي من حلفائها أو ميليشياتها أي ردود فعل أمنية في العراق أو سوريا لتشكل رسائل اعتراض أو غضب.

في حين كان بالمقابل موقف رئيس الإمارات محمد بن زايد يدفع باتجاه خفض التصعيد وهو الذي أعلن عن قُرب إعادة السفير الإماراتي إلى طهران في ظل الزيارات المتزايدة بين الطرفين والتي يهندسها مستشار الأمن الوطني طحنون بن زايد، وهذه الاندفاعة الإماراتية بتخفيض أي توتر مع طهران انطلاقاً من السياسة الجديدة للإمارات تجاه أطراف الإقليم (إيران وإسرائيل وتركيا)، بالمقابل كانت لافتة الدعوة التي وجهها بايدن لبن زايد لزيارة واشنطن قبل نهاية العام الجاري وهو ما يوحي بأنّ واشنطن تؤيّد تهدئة الجبهات مع طهران في المرحلة الراهنة. 

وما بعد زيارة الرئيس الأميركي إلى السعودية وإسرائيل، تشير المعطيات والمؤشرات إلى أن التفاوض الأميركي الإيراني في قطر سيعود في ظل الاتصالات القطرية مع كل أطراف الصراع الإقليمي ونشاطها الدبلوماسي اللافت، مع إمكانية تحقيق تقدم جدي في المفاوضات انطلاقاً من اقتراح فرنسي-قطري ينطلق من موافقة الجانب الإيراني بعدم رفع الحرس الثوري عن لائحة العقوبات، فيما تتحول البوصلة الإيرانية باتجاه رفع العقوبات عن عدد من المؤسسات التي يستفيد منها الحرس وتضخ أموالاً للميليشيات المذهبية حول العالم.

وتشير معاودة المفاوضات النووية إلى قطر إلى إحداث بعض التغييرات في السياسة الأميركية بعد زيارة بايدن إلى المنطقة، والتساهل في بعض الشروط. وهذا لا يمكن أن ينفصل عن رفض السعودية والكويت والإمارات لإنشاء الناتو العربي، والذي كان يمكن أن يؤدي إلى حدوث توترات عسكرية وأمنية في الإقليم، لذا فإن الأوساط السياسية في المنطقة تلقفت هذا الموقف أنه إيجابية عربية تجاه الإيرانيين، ولكن في المقابل الوقائع الأخرى تعاكس ما يقال في الغرف الكبرى ففي ظل تنامي التنسيق الإسرائيلي مع عدد من الدول العربية وتحديداً أبوظبي والمنامة وكان لافتاً الحلف الرباعي (الهند وإسرائيل والإمارات والولايات المتحدة) والذي في ظاهره حلف اقتصادي لكنه تحالف عسكري وأمني في خلفياته ومنطلقاته.

بالتوازي بات واضحاً أن زيارة بايدن للمنطقة لم تحقق أهدافها المرجوة ما يعني أنها لن تعكس أي تأثيرات سريعة  ما يؤكد أن الجميع سيعود إلى التفاوض، والتي ستسهم في تهدئة المنطقة أولاً عبر الحوارات الأخرى كالحوار الإيراني مع الأردن ومصر والإمارات، أما لبنانياً فسيعود ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل إلى الواجهة.

بات واضحاً أن زيارة بايدن للمنطقة لم تحقق أهدافها المرجوة ما يعني أنها لن تعكس أي تأثيرات سريعة  ما يؤكد أن الجميع سيعود إلى التفاوض

عدا عن ذلك فإن البيان الذي جاء على ذكر لبنان في ختام القمّة يتضمن مواقف متكررة، منها تطبيق القرارات الدولية، والحفاظ على اتفاق الطائف والدستور وإنجاز الاستحقاقات في مواعيدها وحصر السلاح بيد الدولة. كل هذه المواقف ليست جديدة، أهم ما فيها أن مضمونها لا يقود إلا إلى البحث عن تسوية داخلية برعاية دولية وإقليمية عبر طاولة حوار وطني إما برعاية فرنسية – مصرية أو قطرية بغطاء عربي وموافقة إيرانية.

نفطياً تضغط واشنطن عبر سفيرتها أولاً وعبر مبعوثها آموس هوكشتاين لإنجاح التسوية على ضفاف المياه المتوسطية الدافئة، في أسرع ما يمكن وقبل الخريف، ضمن خطتهم الهادفة إلى تنويع مصادر الطاقة للأوروبيين تعويضاً عن الوقف التدريجي لتدفقات الغاز الروسي على أبواب الصقيع الأوروبي. وهذا هدف أساسي من زيارة الرئيس بايدن للمنطقة. ولذلك، هم يتحدثون عن استئناف وساطتهم قريباً مع عودة آموس هوكشتاين للبنان والمنطقة.

في حين تسعى الدولة اللبنانية بكل أركانها على إظهار حرصها على إنجاز الاتفاق والمسارعة في العودة إلى التفاوض مقابل عدم التنازل عن سقف معين للثروة الوطنية في إطار أهداف سياسية وشعبوية، وتشير مصادرهم وأوساطهم جميعاً من الرؤساء الثلاثة وصولاً لقادة القوى السياسية، بأن الإنجاز بات ممكنا في ترسيم الحدود، ويصر رئيس الجمهورية ميشال عون مستعجلا التسوية وإظهارها كإنجاز سياسي واقتصادي قبل انتهاء عهده الذي لم يحقق سوى النكسات الاقتصادية والسياسية، وهو أشار في كل الاتصالات التي أجراها عقب إطلاق حزب الله المسيرات باتجاه كاريش أن ما فعله الحزب يندرج في إطار عناصر القوة اللبنانية في هذا الملف، فإنه بذلك يضعها في سياق تحصين عملية التفاوض لا جزءا من محاولة نسفها.

لذا تشير كل الأوساط المتابعة لملف الترسيم أن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين على اتصال مباشر مع كل المسؤولين اللبنانيين وتحديداً عون وميقاتي، فيما شخصيات أمنية وسياسية حرصت على التواصل معه عقب المسيرات وخطاب نصر الله التصعيدي، فجرى إبلاغهم أنه وعلى الرغم من كل التصعيد والتهديدات المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله فإن إدارته ستستكمل مساعيها للوصول إلى حلّ وهناك إمكانية لتحقيقه قبيل أيلول المقبل، وأنه حريص على الاستكمال بهذا الملف بعد لمسه إيجابية إسرائيلية جعلته متفائلاً، مشدداً أن بايدن حاول إقناع الإسرائيليين بالموافقة على المقترح اللبناني من دون فرض شروط جديدة.

والجانب الأميركي أبلغ كل من يعنيهم الأمر في بيروت أنه وفي حال جرى تحقيق التفاهم حول الترسيم فإن مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط بابرا ليف ستحط رحالها في لبنان لرعاية إنجاز اتفاق الترسيم الحدود البحرية، وأيضاً للدفع في ملف استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية التي باتت الشغل الشاغل لكل الأطراف اللبنانية، ولو أنّ حصولها في مواعيدها الدستورية ما يزال غير واضح وجلي.