عانى النشاط التجاري في منطقة اليورو من أكبر انكماش له منذ ما يقرب من عامين، مما زاد من المؤشرات على دخول الكتلة في حالة ركود مع ارتفاع الأسعار وانخفاض الإنتاج في جميع قطاعات الاقتصاد.
حيث أظهرت الأرقام الصادرة عن المؤسسات الاقتصادي الأوروبية عن شهر أكتوبر الحالي أن مؤشر مديري المشتريات المركب في منطقة اليورو التابع لشركة S&P Global، وهو مقياس رئيسي لظروف العمل لقطاع التصنيع والخدمات، انخفض بمقدار نقطة واحدة إلى 47.1. هذا هو أدنى مستوى له منذ نوفمبر 2020 والشهر الرابع على التوالي دون علامة 50 والتي تشكل الحد الفاصل تفصل بين مستويات النمو والانكماش.
يشير المخطط السابق أن الركود يبدو أنه "لا مفر منه بشكل متزايد" وأن اقتصاد منطقة اليورو على وشك الانكماش في الربع الرابع نظرًا للخسارة الشديدة في الإنتاج وتدهور مستوى الطلب التي تم تسجيلها في أكتوبر.
وعلى الرغم من نمو الناتج المحلي الألماني بشكل غير متوقع في الربع الثالث، حيث نما أكبر اقتصاد في أوروبا بنسبة 0.3 % مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، متفوقاً على تقديرات المحللين التي رجحت انكماشاً بنسبة 0.2%. الا أن هذا النمو كان مدفوعاً بشكل أساسي بالاستهلاك الخاص ولم يشكل توسعا في النشاط الاستثماري والميزان التجاري.
في حين تباطأ نمو الاقتصاد الفرنسي بشكل حاد في الربع الثالث من عام 2022 حيث ظهر بشكل واضح تأثير ارتفاع أسعار الوقود والغذاء. حيث أدى ضغط روسيا على إمدادات الغاز إلى أوروبا إلى قيام الشركات كثيفة الاستهلاك للطاقة بقطع الإنتاج، أو حتى تعليقه. كما خفض المستهلكون الذين يواجهون ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء والاقتراض من الإنفاق مع ارتفاع التضخم الذي جاء بعد رفع قيود Covid-19.
وشدد صندوق النقد الدولي على التوقعات القاتمة، حيث حذر في تقريره عن اقتصاد منطقة اليورو الذي نُشر في نهاية الشهر الماضي: "تعرضت أوروبا لصدمة هائلة في شروط التجارة أدت إلى إضعاف توقعات النمو، وأدى إلى أزمة تكاليف معيشية تهدد التماسك الاجتماعي".
كما أظهرت البيانات الشهرية لمؤشر مديري المشتريات في منطقة اليورو، تراجع إنتاج المصانع وتراجع الطلبات الجديدة وارتفاع أسعار النقل الى المصانع أو ضعف التوقعات، وهي أسوأ مما توقعه الاقتصاديون الذين استطلعت آراؤهم.
حيث أظهرت البيانات أن الشركات المصنعة في منطقة اليورو سجلت انخفاضًا خامسًا على التوالي في إنتاج المصانع في أكتوبر، وانخفضت الأعمال المتراكمة للشهر الرابع على التوالي. وقالت شركات الخدمات إن تراجع الطلبات الجديدة تسارع للشهر الثالث.
من جهة التضخم فما زالت أسعار السلع والخدمات ترتفع في سادس أسرع معدل منذ عام 2002. معدل نمو الوظائف زاد بشكل هامشي من أكتوبر، لكنه ظل منخفضًا مقارنة بالأشهر الـ 18 الماضية.
تقع كل من الشركات الألمانية والفرنسية وهما أكبر اقتصاديين في أوروبا في قلب أزمة الطاقة التي تعاني منها القارة الأوروبية والناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث انكمش النشاط في التصنيع والخدمات، مما أدى إلى انخفاض قراءة مؤشر مديري إلى 44.9 نقطة، وهو أدنى مستوى لها منذ مايو 2020. "ضغوط الأسعار المرتفعة، وارتفاع أسعار الفائدة والنمو" أدى إلى التردد بين العملاء التقليديين للصناعة الأوروبية بسبب مخاوف الركود التي تؤدي إلى الحد من الطلب.
في حين أبلغت الشركات الفرنسية عن ركود في النشاط مع التوسع في نشاط الخدمات الذي عوض التراجع في التصنيع لتخفيض قراءة مؤشر مديري المشتريات إلى 51.3، وهو أدنى مستوى في 19 شهرًا. كما تراجعت طلبيات المصانع الفرنسية بوتيرة لم تتجاوزها إلا في أزمة الديون المالية لعام 2008 وأزمة الديون لعام 2012.
من المتوقع أن يتقلص الناتج المحلي الإجمالي الألماني في الربع الرابع من العام الحالي، ومن المتوقع أن تستمر فرنسا، التي لديها أدنى معدل تضخم في منطقة اليورو، في النمو وإن كان ذلك بمعدل أبطأ. ومع ذلك، يتوقع معظم الاقتصاديين أن يبدأ اقتصاد منطقة اليورو بشكل عام في الانكماش في الربع الأخير من هذا العام.
حيث تذهب تقديرات كبرى البنوك الاستثمارية الى أن اقتصاد منطقة اليورو سوف ينكمش بنسبة 1.7 في المئة بين الربع الأخير من هذا العام والربع الثاني من عام 2023، وهو انخفاض مماثل من الذروة إلى القاع في الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بتلك التي حدثت خلال أزمة الديون السيادية لعام 2012.
في اجتماعه الأخير في السابع والعشرين من أكتوبر الحالي ضاعف البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الرئيسي إلى أعلى مستوى منذ أكثر من عقد، مكثفاً بذلك تشديد سياسته النقدية لمحاربة التضخم القياسي في مواجهة الركود المحتمل.
رفع صناع السياسة النقدية في فرانكفورت أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي بمقدار ثلاثة أرباع نقطة اليوم الخميس- كما توقع الاقتصاديون. وبذلك يرتفع سعر الفائدة على الودائع، الذي كان أقل من الصفر مؤخراً في يوليو، إلى 1.5%.
شهد هذا الاجتماع انقساما بين الأعضاء حول مستوى التشديد الكمي من حيث الزمن والكم لمواجهة التضخم دون تعميق الركود، الأمر الذي جعل رئيسة المركزي الأوروبي كريستين لاغارد تتجنب الحديث عن الخطوة المقبلة للبنك في مؤتمرها الصحفي، في حين عاد اليورو دون مستوى التكافؤ مع الدولار الأمر الذي يعزز من ديناميات التضخم في اقتصاد منطقة اليورو.
إن الخسارة المستمرة في القوة الشرائية للمواطن الأوروبي بسبب التضخم المرتفع تترك آثارًا أعمق على الاستهلاك الخاص مما يدفع بقوة نحو الانكماش الاقتصادي، في حين تدفع سياسة رفع الفائدة والتشديد لمحاربة التضخم التي ينتهجها المركزي الأوروبي إلى بزوغ أزمة ديون جديدة خاصة في دول جنوب الاتحاد، وبالتالي فإن كل شيء في منطقة اقتصاد اليورو يشير إلى الركود.