إذا كنت تعتقد أن صعود وهبوط البيتكوين ليس له منطق، وإنها عبارة عن مضاربات وحركات فوضوية، فأنت مخطئ. فقد كان لجميع تحركات الأسعار علاقة مباشرة بتطورات الاقتصاد الكلي. فبعد أن شهدت ذروتها التاريخية عند 69 ألف دولار في نوفمبر 2021، بدأت عملة البيتكوين في الانخفاض وانخفضت إلى 16 ألف دولار في أشهر الصيف من عام 2022. لم يكن عدد الأشخاص الذين يقولون إن عملة البيتكوين والعملات المشفرة تقترب من نهايتها قليلاً على الإطلاق، لكن لم يكن الأمر كذلك، فقد دخلت عملة البيتكوين هذا العام بارتفاع، حيث ارتفعت إلى عتبة 30 ألف دولار.
في بداية الصيف تجاوزت 30 ألف دولار، لكنها لم تستطع الاستقرار عند هذا المستوى لفترة طويلة، إذ تراوحت بين 25 ألفاً و28 ألفَ دولار في تموز/يوليو وآب/أغسطس.
وفي الشهر الماضي، بدأت بالارتفاع من جديد، فتجاوزت في البداية 30 ألفاً، ثم 35 ألفاً، ثم 38 ألف دولار. وفي تاريخ كتابة هذا المقال، فهي فوق 37 ألف دولار وتحافظ على اتجاهها التصاعدي. ولن تكون مفاجأة كبيرة إذا ارتفعت أكثر بحلول نهاية هذا العام.
وصلت عملة البيتكوين إلى ذروتها التاريخية في عام 2021 لأن أسواق الأسهم الأميركية حطمت أيضاً الأرقام القياسية في ذلك العام. بعض تريليونات الدولارات التي ضخَّها بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) لدعم الاقتصاد الأميركي خلال فترة وباء كورونا (ارتفعت الميزانية العمومية لبنك الاحتياطي الفيدرالي من 4 تريليونات دولار إلى 9 تريليونات دولار خلال الوباء) تدفقت إلى أصول محفوفة بالمخاطر، مما تسبب في فقاعة أسعار في أسواق الأسهم والعملات المشفرة. ولم يكن الانخفاض الحاد في عام 2022 مرتبطاً بحقيقة أن "كذبة العملة المشفرة قد وصلت أخيراً إلى نهايتها"، بل بانتقال بنك الاحتياطي الفيدرالي من التيسير النقدي إلى التشديد النقدي.
تسببت تريليونات الدولارات التي تم ضخّها في الوباء في وصول التضخم في أميركا إلى ذروته في الأربعين عاماً الماضية. ثم بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في زيادة أسعار الفائدة العام الماضي. الزيادات التي بدأت بـ 25 نقطة أساس، ارتفعت إلى 50 نقطة أساس ثم إلى 75 نقطة أساس. وارتفع سعر الفائدة، الذي تم تخفيضه إلى ما يقرب من الصفر خلال الجائحة، إلى 5.25% إلى 5.50% (لا يزال عند هذا المستوى ). وفي الوقت نفسه، بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في سحب الأموال التي ضخّها في السوق عن طريق استرداد السندات التي باعها للبنوك خلال الوباء.
مع تغير النظرة إلى العملات الرقمية بشكل تدريجي من أصل عالي المخاطر إلى نوع من أصول حفظ القيمة أو نوع من الذهب الرقمي ومع نهاية دورة رفع أسعار الفائدة على مستوى دول العالم، نستطيع القول إن عام 2024 سيكون واعداً بالنسبة للبيتكوين ونستطيع أن نؤكد أن شتاء التشفير قد انتهى.
وكان هذا هو السبب وراء انخفاض سعر عملة البيتكوين من 69 ألف دولار إلى 16 ألف دولار، و"دخول العملات المشفرة في فصل الشتاء". أدى تشديد السياسة النقدية من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى انخفاض الرغبة في المخاطرة في الأسواق العالمية وتسبب في تدفق جزء كبير من الأموال إلى الدولار والأصول المقوّمة بالدولار.
في الواقع، خلال نفس الفترة، دخلت أسواق الأسهم الأميركية أيضاً في السوق الهابطة، ففي حين انخفضت عملة البيتكوين من 69 ألف دولار إلى 16 ألف دولار، فقدت أسهم عمالقة التكنولوجيا 50-60 في المئة من قيمتها.
بدأت عملة البيتكوين هذا العام على ارتفاع لأن نهاية التشديد النقدي من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي كانت في الأفق. بدأ السوق يعتقد أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يرفع أسعار الفائدة بعد الآن، بل وسيبدأ في خفض أسعار الفائدة قريباً. أدى هذا إلى زيادة الرغبة في المخاطرة، وبدأت الأصول الخطرة وخاصة أسواق الأسهم الأميركية في الارتفاع. وكان هذا هو التطور الذي رفع سعر البيتكوين من 16 ألف دولار إلى 30 ألف دولار. وخلال الفترة نفسها، حدثت زيادات حادة في أسهم شركات التكنولوجيا مثل أبل وتيسلا وأمازون.
تجاوز سعر البيتكوين 30 ألف دولار قصة أخرى. في يوليو/تموز، قدَّمت العديد من كبرى الشركات في الولايات المتحدة طلبات للموافقة على صناديق الاستثمارات المتداولة في البورصة للتداول الفوري للعملات المشفرة وتنتظر الرد عليها، ستشكل الموافقة من عدمها لحظة فارقة بالنسبة للبيتكوين بشكل خاص والعملات الرقمية بشكل عام، في حين يبدو أن الأسواق قد تبنّت بالكامل فكرة أن هيئة الأوراق المالية والبورصات في الولايات المتحدة الأميركية ستوافق على صندوق استثمار متداول للبيتكوين (التوقيت غير واضح)، ومن الجدير النظر في احتمال استمرار الرفض وما قد يعنيه ذلك بالنسبة لسعر العملة المشفرة.
ليس من المستغرب أن يعتقد المحللون أنه سيكون هناك على الأقل بعض التأثير السلبي على الأسعار على المدى القصير في حال رفض هيئة الأوراق المالية والبورصات، ولكن ما الذي يمكن توقعه بعد ردّ الفعل غير المحسوب؟
يمكننا أن نرى تحركاً هبوطياً محدوداً؛ لأن عملة البيتكوين، باعتبارها كياناً لا مركزياً، لا تدعم بالتأكيد وجودها في صناديق الاستثمار المتداولة، ولكن الرفض من شأنه أن يلقي بلا شك بظلال هبوطية على سعر البيتكوين على المدى القصير، ولكن مع تغير النظرة إلى العملات الرقمية بشكل تدريجي من أصل عالي المخاطر إلى نوع من أصول حفظ القيمة أو نوع من الذهب الرقمي ومع نهاية دورة رفع أسعار الفائدة على مستوى دول العالم، نستطيع القول إن عام 2024 سيكون واعداً بالنسبة للبيتكوين ونستطيع أن نؤكد أنَّ شتاء التشفير قد انتهى.