يعتبر الطلاق بين السوريين من الأمور التي يتجدد النقاش حولها بين حين وآخر في المجتمعات المضيفة، ولا سيما تلك التي تصل إلى المحاكم، إذ تتحول بعض قضايا الطلاق إلى معركة يسعى كل طرف أن يكون المنتصر فيها.
وفي بعض دعاوى الطلاق المرفوعة في المحاكم التركية، يسعى أحد الأطراف أو كلاهما إلى بذل الجهد من أجل إلحاق الضرر بالطرف الآخر، وتصل أحيانا إلى اختلاق القصص أو المبالغة والافتراء.
التهمة "تطرف ديني"
ميساء، سيدة سورية مقيمة في ولاية غازي عنتاب، رفعت قبل سنة قضية طلاق في المحكمة، ورد الزوج على هذه الدعوى بأن تقدم بادعاءات يتهمها بأنها "متطرفة" دينيا.
قالت ميساء: "تقدمت بدعوى طلاق وحضانة للأطفال، وبعد فترة فاجأني بتقديم دعوى اتهمني فيها أنني من أنصار تنظيم داعش وأنني أجبرته على إطالة لحيته".
وأشارت ميساء إلى أن محاميها أخبرها أن مثل هذه الدعوى تعتبر كيدية، وطالما أن الزوج لم يقدم أدلة أو إثباتات، فلن يأخذها القاضي على محمل الجد.
يطلق الوصف القانوني "دعاوى كيدية" على الافتراءات التي يرميها أحد الطرفين المتخاصمين في المحاكم، وهي مرافعة قضائية لا تستند إلى حقيقة، ولا يريد صاحبها من خلالها مصلحة مشروعة، وإنما يقصد بها إيذاء المدعى عليه ماديا أو نفسيا؛ بهدف إلحاق الضرر به.
محمد، معلم مدرسة ويقيم في ولاية غازي عنتاب التركية، اتهمته زوجته بأنه عنصر من تنظيم إرهابي، وذلك بعد عدم توصلهم إلى اتفاق فيما بينهم بخصوص الطلاق.
إذ قال محمد: "حاولت الوصول إلى طلاق بالاتفاق ولكن زوجتي رفضت ذلك كلياً، وقدمت شكوى ضدي لدى الشرطة ولفقت لي تهمة الانتماء لتنظيم إرهابي".
تتملك محمد حالة من الخوف بسبب هذا الاتهام، لأنه سمع بحالات سابقة هددت بالترحيل أو السجن بسبب اتهامهم بهذا الأمر من دون النظر بأدلة أو براهين.
والمحاكم التركية عادة تتحرى الحقيقة في مثل هذه الادعاءات، وتطلب من المدعي إثبات اتهامه بأدلة ووثائق، وإلا تبقى مجرد افتراءات لا قيمة لها.
أنواع الطلاق في تركيا
النوعان الأكثر شيوعاً للطلاق في تركيا، هما الطلاق بالتراضي، ويتم باتفاق متبادل بين الطرفين، من خلال توقيع ما يسمى "بروتوكول الطلاق"، ويمكن الحصول عليه بسرعة ويسر بشرط أن يكون قد مر على زواجهما أكثر من عام وفقاً للمادة 3/166 من القانون المدني التركي.
المحامية علياء العلواني، شرحت: "أنه يتم إجراء الطلاق بعد تأكد القاضي شخصياً من رغبة الطرفين المتبادلة في الطلاق واتفاقهما بشأن الأمور المادية والاجتماعية، وبإمكان القاضي تعديل بعض الإجراءات لما هو في مصلحة الأطفال.
وفيما يتعلق بالطلاق بالتنازع، أوضحت علياء، أن هذا النوع من الطلاق يطلبه أحد الطرفين من دون رغبة الطرف الآخر، وغالبا ما يكون الطرف الأكثر تضررا من العلاقة الزوجية، وأسبابه كثيرة منها، التعنيف أو الهجر أو الخيانة وغيرها.
ولفتت علياء، إلى أن هناك عدداً من القضايا التي صادفتها في أثناء عملها، لاحظت فيها أن بعض السوريين يتعاملون مع القانون التركي كما لو أنه القانون السوري، وهذا ما يجعلهم يقعون في المتاعب.
وذكرت علياء مثالا على ذلك، هو تهديد الأزواج زوجاتهم بسحب الأطفال منهن وحرمانهن من أطفالهن، مؤكدة أن القانون التركي حريص على مصلحة الأطفال، ولا يوجد قانون تركي يقضي بسحب الطفل من والدته إذا تزوجت.
العيادة القانونية
المحامي التركي " محمد سيركان أرغون Mehmet Serkan ErGün" مدير مكتب العيادة القانونية في ولاية غازي عنتاب التركية، قال: "إن العيادة تقدم خدمات استشارية قانونية في جميع القضايا التي تخص اللاجئين السوريين في تركيا، إضافة إلى تأمين المحامين والدعم القانوني لهم.
وأشار أرغون، إلى أن أكثر القضايا القانونية التي تصل إلى العيادة، تأتي في المرتبة الأولى القضايا المتعلقة بالترحيل والكيملك، ثم القضايا الأسرية كالطلاق والزواج وتثبيت الأطفال والحضانة والنفقة.
وبدأ مشروع "العيادة القانونية" قبل عام ونصف تقريبا، بمشاركة كلّ من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (unhcr) واتحاد نقابات المحامين في تركيا.
تقيم العيادة القانونية ورشات وتدريبات تهدف إلى توعية اللاجئين السوريين حول القوانين التركية، وتركز على المواضيع الخاصة بالعائلة، حيث أقيمت قبل أشهر ورشة في منطقة شاهين بي في غازي عنتاب.
وأوضح أرغون، أن المحاكم التركية تأخذ قضايا الأسرة بجدية كبيرة، ولا تتهاون مع حالات التعنيف سواء الجسدي أو النفسي أو اللفظي.
ويمكن التواصل مع العيادة القانونية من خلال الرقم: 03423226700، ويمكن أيضا من خلال الإيميل: ghk@barobirlik.org.tr.
تأثير الطلاق بالتنازع على الأسرة
تؤثر الخلافات التي تحدث في أثناء مرحلة الطلاق على الأبناء بشكل كبير، وتضعهم في موقف الاختيار بين الوقوف إلى جانب الأب أو الأم، إذ يقوم بعض الأزواج بمحاولة استقطاب الأبناء لطرفهم، حتى ولو كان من خلال إهانة الآخر وتشويه صورته.
سامي سليمان القطاونة أستاذ العلوم التربوية بكلية التربية والعلوم السياسية في جامعة عجمان، قال في في تقرير نشرته صحيفة الخليج، "إن المفهوم اللغوي والاصطلاحي لكلمة استقطاب يعني وجود قطبين متضادين، وجمع الأجزاء في ناحية واحدة، والاستقطاب هنا يعرف بأنه كافة النشاطات التي يقوم بها أحد الوالدين ليكون محور جذب الأبناء، من خلال التغافل عن الأخطاء التي يقوم بها الصغير، السماح له بأن يتجاوز حدوده مع الآخر، ومن خلال التمييز بين الأبناء فعادة ما يميل المستقطِب إلى الابن المنحاز إليه، ما يؤثر في شخصية هذا الابن وشخصية الأبناء الآخرين".
وبيّن القطاونة، أن "شخصية الابن المستقطَب تميل إلى الانتهازية، فيحاول أن يستغل الخلاف القائم بين والديه لتحقيق مصالح مادية ومعنوية، ما يجعله ذاتياً متقوقعاً، يسعى لتحقيق رغباته ومصالحه فقط".
من جانبه أوضح الاختصاصي الاجتماعي صفوان قسام، أن بعض حالات الطلاق تكون من مصلحة الأطفال، وذلك من أجل حمايتهم من التعرض للمزيد من الأذى نتيجة الخلافات الأسرية المتكررة في المنزل.
وأضاف، أن هناك حالات نزاعات زوجية تنعكس على الأطفال بشكل سلبي لا سيما إذا كان هناك عنف نفسي أو جسدي أو حرمان أو سجن، وقد تظهر في سلوك الطفل تجاه نفسه وأقرانه وإخوانه والمجتمع.
الأسباب الرئيسية للطلاق في المجتمع السوري
الاختصاصي الاجتماعي صفوان قسام، تحدث عن أسباب رئيسية فيما يتعلق بالطلاق في مجتمعاتنا، أولها مرتبط بعدم وجود توافق جنسي بين الشريكين وعدم كفاية الشريكين بعضهما لبعض فيما يلبي احتياجاتهما الجنسية، وهو ما أكدته الدراسات وفق قسام.
وتعتبر مشكلة التواصل بين الشريكين سببا مهما للطلاق أيضا، وتأخذ شكل الخلافات والمشكلات والشجار الدائم، وهو متعلق أيضا بسوء خلق الطرفين أو أحدهما، أو عدم امتلاك المهارة الجيدة للتواصل مع الآخرين.
وأرجع قسام الطلاق في مجتمعاتنا، إلى عدم وجود توافق بين الشريكين، وفي هذه الحالة قد يتفق الطرفان على الطلاق بهدوء ومن دون نزاع أو خلاف، ويرى أن عددا قليلا من الأزواج يلجؤون إلى الطلاق بهذا الأسلوب.
لا توجد حتى الآن إحصائيات حول نسبة الطلاق بين السوريين والسوريات في تركيا ولكنها وفق ما قاله بعض المحامين إن العدد ليس قليلاً، في حين صرح القصر العدلي في دمشق في وقت سابق من شهر آذار عام 2018، أن نسبة الطلاق عام 2017 ارتفعت إلى 31%، وبلغ عدد حالات الطلاق في دمشق 7703 حالات، عام 2017، في حين بلغت حالات الزواج نحو 24697 حالة، وفق تقرير سابق لتلفزيون سوريا.