icon
التغطية الحية

قصص ثلاث سوريات: البحث عن الأمل في أيرلندا

2024.06.27 | 16:16 دمشق

آخر تحديث: 27.06.2024 | 17:30 دمشق

من اليمين إلى اليسار: السوريات صبا وجنان ورجاء
من اليمين إلى اليسار: السوريات صبا وجنان ورجاء
Belfast Live- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تحدثت ثلاث لاجئات سوريات عن الرحلة المليئة بالتحديات والصدمات والتي قطعنها في أثناء هربهن من الحرب الدائرة في بلدهن قبل أن تحط كل منهن رحالها في مدينة بلفاست التي أصبحت موطناً جديداً لهن.

كشفت كل من رجاء وصبا وجنان عن محنتها ضمن احتفالية بعنوان: "لو كنتم في مكاننا"، والتي أقامتها منظمة خيرية تعرف باسم Voicing the Void بالشراكة مع جهاز الشرطة في أيرلندا الشمالية، وجهاز الشرطة وأمن المجتمع في بلفاست الجنوبية.

تحدثت النسوة عن عشقهن الكبير لبلدهن سوريا، لدرجة أن كل واحدة منهن لم تتخيل أن تترك بلدها في يوم من الأيام، ولكن عقب اندلاع الحرب في البلد، اضطررن للرحيل بسبب انعدام الخيارات أمامهم، وهكذا سافرن ليبدأن حياة جديدة في مكان آخر، إلا أنهن عانين الأمرين طوال تلك الرحلة.

تعرضت كل امرأة منهن لمصاعب ومحن في طريقهن إلى بلفاست، إذ تعين عليهن التعامل مع مهربي البشر، ورجال الشرطة، ناهيك عن تردي وضعهن الصحي وتعرضهن لإصابات في أثناء سفرهن، لكنهن أعربن عن سعادتهن لوصولهن إلى بر الأمان في أيرلندا الشمالية، ولإحساسهن بحب كبير تجاه الشعب والبلد الجديد، على الرغم من أن الأمور لم تكن سهلة بالنسبة لهن.

ماتزال تلك النسوة يواجهن مصاعب تتصل بالتمييز والعنصرية والتعليم والعمل والسكن، إذ أمضين أسابيع في فنادق تعج بالناس حيث كانت تقدم لهن كميات ضئيلة من الطعام ومبالغ صغيرة من المال، وعلى الرغم من كل ذلك، قررن أن يبنين لأنفسهن حياة جديدة في بلفاست، وأن يقدمن كل ما بوسعهن لرد الجميل لبلدهن الجديد أيرلندا الشمالية، إذ تعتبر كل واحدة منهن نفسها زهرة وبلفاست هي التربة الخصبة التي أنبتتها على حد تعبيرهن.

في تلك الاحتفالية، ألقت كل منهن خطبتها لتسلط الضوء على معاناة اللاجئين الذين يعيشون في أيرلندا الشمالية، وكيف يمكن دعم تلك الفئات داخل المجتمعات التي يعيشون فيها.

إلى جانب قصص النسوة الثلاث، عُرضت خلال الاحتفالية أفلام قصيرة تتحدث عن تجارب اللاجئين وطالبي اللجوء في بلفاست الجنوبية.

وعن تلك الاحتفالية، يحدثنا روري دورتي، المدير التنفيذي لمنظمة Voicing the Void فيقول: "إننا في منظمتنا نؤمن بالقوة التغييرية لسرد القصص التي تبعث على التصالح مع الذات وذلك في تعزيز حالة الفهم والتعاطف والتقبل، لذا فإننا نعتبر احتفالية: "لو كنتم في مكاننا" بمنزلة ميثاق يوضح مدى تعزيز تشارك الخبرات والتجارب الشخصية وفتح الحوار أمام الناس لعملية فهم الفروقات الثقافية مع العمل على بناء مجتمعات تسودها نسبة أعلى من الأمان والمشاركة. وفي الوقت الذي تركز هذه القصص والمبادرة على بلفاست الجنوبية، فإننا ندرك من خلال عملنا في مجال المناصرة بوجود قصص مشابهة في مختلف أنحاء أيرلندا الشمالية، وتسعدنا فكرة التعاون مع شركاء على تقديم هذا المشروع في أماكن أخرى بهدف إقامة علاقات وخلق حالة تفاهم واستيعاب بين المجتمعات وجهاز الشرطة المحلي".

قصة رجاء

"نشأتُ في الريف السوري البديع وسط أشجار الزيتون التي زرعها أبي، فقد كان والدي يعصر الزيت من الزيتون الذي يستخدمه أهلي في طعامنا بشكل أساسي. كنت أعشق الرياضيات، ولذلك درست المحاسبة إلى جانب رعاية الأطفال، وكنت على وشك الحصول على شهادة جامعية عندما اندلعت الحرب، ما أجبرني على التوقف لفترة. غيرت الحرب ظروف حياتنا، وأعني بذلك حياتي وحياة أسرتي وبناتي، إذ صرنا نعيش في خوف وترقب، وقد كنت أسهم في مجتمعي عبر العمل في المستشفى من خلال التعاون مع منظمة تعرف باسم منظمة ريليف إنترناشيونال. اعتدت على رؤية الجرحى إثر قصف بيوتهم وتدميرها، ومقتل أهاليهم، وكنت أفكر وقتئذ بما يحدث، وما الذي فعلناه حتى نلاقي هذا المصير. كنا نقاتل في تلك الحرب، لكننا لم نرم أي قنبلة قط، بل كنا مجرد أشخاص استفاقوا من نومهم ليجدوا أنفسهم في منطقة حرب، ولهذا أدركت بأني لو بقيت في سوريا فلن أغير أي شيء، بل سأتحول إلى ضحية في أحد الأيام، ولهذا اخترت أن أترك سوريا برفقة بناتي لأني حلمت أن يعشن حياة سعيدة، وكنت أسعى للسفر إلى أوروبا، ففكرت بأن آخذ بناتي الأربع معي، إلا أن الصغيرتين كانتا في الخامسة والثالثة من عمرهما، ولهذا لم يسمح والدهما بسفرهما معي.

 

رجاء وهي تسرد قصتها

في البداية، سافرت مع ابنتي الكبيرتين إلى تركيا، وتمنيت أن يساعدني المسؤولون في الحكومة هناك في جلب ابنتي الأخريين من سوريا، لكنني لم أوفق بذلك، وقد عملت بجد في تركيا ولكن من دون أي أمل في جلب ابنتي الصغيرتين إلى هناك، وعندئذ أدركت بأن الوقت قد حان للسفر إلى أوروبا.

عثرت على شخص وعد بمساعدتي في السفر إلى اليونان بوساطة قارب وبطريقة مخالفة للقانون، فشعرت بأني أمشي على حبل رفيع كشعرة، لأننا إن سقطنا فلابد أن نموت، وإن نجحنا فسنصل إلى الجنة، إذ كانت أوروبا جنة بنظرنا، فهي آمنة ووردية وخضراء، كما أننا سننعم فيها بالحرية والكرامة.

نفحت الرجل المال وانطلقت في الرحلة البحرية. حيث وزعوا علينا ستر نجاة، ولكن في أثناء مسيرنا أضعت إحدى سدادتي السترة، ولهذا لم يعد لدينا سوى سترتي نجاة لا ثلاث.

إن رحلة كهذه تجعلك تسأل نفسك أسئلة لم تخطر لك على بال ولا تود أن تطرحها على نفسك مطلقاً، إذ نظرت إلى ابنتي وإلى سترتي النجاة وفكرت في حال انقلب القارب من سأنقذ؟ كما أنهما ستغرقان من دوني.

كان قلبي ينفطر ألماً وحزناً، ولكن علي أن أتجمل بالشجاعة، فقد علمني أبي أن أكون قوية، ثم إن جميع من في القارب لا يجيدون السباحة. كان على متن القارب 28 شخصاً، وفجأة أخذ الجميع يصرخ، إذ توجهت سفينة ضخمة نحونا وأخذت تطلق النار صوبنا.

سبق أن قلت لابنتي بأن مغادرة سوريا تعني بأننا لن نتعرض لأي حرب أو عنف، ولهذا لم تستوعب البنتان سبب حدوث كل ذلك، إذ ما الذي فعلناه حتى نستحق كل هذا؟ مع مواصلة السفينة لإطلاق النار علينا، واستمرارنا في الصراخ بوجود رضع على متن القارب، أطفأنا الأنوار وصرنا نبحر في الظلمة، فتركتنا تلك السفينة بحال سبيلنا في نهاية المطاف، إلى أن وصلنا أحياء إلى أحد شواطئ اليونان، وهناك أقمنا في مخفر للشرطة لمدة 23 يوماً ولم يكن بحوزتنا سوى بطانية رقيقة، فكان البرد هناك أقسى برد عشته في حياتي، فقد باغت البرد الجميع، وصار الصغار يبكون بسببه طوال الليل، كما أنهم لم يسمحوا لنا بشراء الطعام، على الرغم من أنهم لم يقدموا لنا ما يكفي منه، إذ كنا نحصل على حصص صغيرة من طعام بارد متعفن، وكان هنالك مرحاضان لثلاثمئة شخص، ثم إن رجال الشرطة صاروا يضربون الرجال بشكل عشوائي، لذا كان الوضع مخيفاً.

نقلونا إلى مخيم وسط غابة، فبقينا هناك لمدة ثمانية أشهر، ولم يكن في المخيم مدرسة، ولهذا لم تنل ابنتي أي قسط من التعليم الذي أعتبره شيئاً أساسياً ومهماً للغاية، فقد خاطرت بحياتي وحياتهما لأحميهما من الحرب، ولأقدم لهما فرصاً أفضل للحياة، إلا أن الأمور انتهت بنا إلى غابة لا أحد في العالم قد سمع عنها، كما كانت بعيدة كل البعد عن الحياة التي حلمنا أن نحياها.

اشتريت بكل ما ادخرته من مال بطاقات سفر حتى نصل إلى أيرلندا، فكانت تلك أول مرة أركب الطائرة بحياتي، لم تكن تلك الطائرة طائرة حربية تقتلنا، بل طائرة نقلتنا لحياة جديدة آمنة تحمل مستقبلاً مشرقاً. نظرت إلى ابنتي فرأيت الفرحة على وجهيهما، فغمرتني السعادة، ولم أتوقف عن الضحك، لأنني أضحك عندما أكون سعيدة، تماماً كما كان أبي يفعل.

إنني أم عزباء تعيش في بلفاست برفقة ابنتين جميلتين إحداهما في السادسة عشرة والأخرى في الثانية عشرة من عمرهما، وقد سجلتهما في المدرسة، لأنهما طموحتين، والأمل يحدوهما دوماً، كما أنهما شجاعتان، وهذا ما يغمر قلبي بالحب والفرح، ولهذا صرت أعشق حياتي هنا، لأن بلفاست غدت موطني الجديد.

قصة صبا

"بعد اندلاع الحرب غادرنا حلب، وصرنا نتنقل من مدينة لأخرى، فأردت أن أحمي أهلي، ولهذا أرسلت أبوي إلى السعودية ليعيشا مع أختي، من دون أن يتسنى لي الحصول على الأوراق اللازمة التي تخولني السفر برفقتهما، ولهذا بقيت في سوريا وواصلت عملي في مجال التعليم لدى الدولة، لكن من الصعب على المرأة أن تكون عزباء في سوريا، بل إن وضعها سيئ للغاية.

عندئذ أدركت بأن الأوان قد حان لأترك سوريا، ولهذا تقدمت بطلب لجامعة تركية وحصلت على قبول لدراسة الماجستير فيها، ولكن بمجرد أن هبطت في تركيا، اعتقدت شرطة المطار بأني لاجئة، وبأني تجاوزت مدة الإقامة الممنوحة لي، ولهذا أعادوني إلى سوريا، وقد حاولت أن أخبرهم بأني عشت في سوريا طوال السنوات الست الماضية خلال الحرب، لكنهم رحلوني.

رجعت إلى سوريا وأنا على يقين من أني لن أطيق البقاء فيها، وكنت أعرف بأني لن أستطيع العودة إلى تركيا، ولهذا سافرت إليها براً، وقد أعادوني ثلاث مرات من الحدود، وفي المرة الرابعة ركضنا بسرعة حتى نمنعهم من اللحاق بنا، وكنا نجري في منطقة جبلية، حيث يمكن لأي خطوة عاثرة أن تؤدي إلى السقوط والموت المحتم. لا أعرف كيف اجتزت الطريق الذي كان شاقاً للغاية".

"وصلنا إلى قبرص عبر تركيا، فعشت هناك لمدة أربع سنوات، وعلى الرغم من أن قبرص تعتبر مكاناً جميلاً لقضاء العطلات، من الصعب الإقامة والحصول على عمل فيها، كما أنها تعاني من مشكلات سياسية، إذ إما أن تكون قبرصياً تركياً، أو قبرصياً يونانياً. ويعتقد القبارصة اليونانيون بأن جميع المسلمين أتراك، ولهذا كنت أخبرهم بأني سورية، إلا أنهم لم يصدقوني، ولذلك عاملوني بطريقة سيئة، وصرت أحس بأني أعيش وكأني آلة في ذلك البلد، إذ كنت آكل وأنام وأعمل فقط، كما كنت في خطر داخل قبرص، ولهذا شعرت بأن علي أن أرحل، فسافرت إلى دبلن ومنها إلى بلفاست".

قصة جنان

كانت سوريا جنة الله على الأرض بجمالها وبتنوعها السياسي وفسيفسائها الاجتماعية ذات الألوان والأطياف التي تمتزج مع بعضها بانسجام تام، ناهيك عن السلام والأمان الذي كانت تنعم به، ولهذا أعشق بلدي إلى أبعد الحدود، بيد أن الحرب خربت كل شيء، وفرقتني عن أهلي، إذ اضطررت أن أهرب إلى تركيا في عام 2013.

ولدى وصولي إلى تركيا اشتريت متجراً بقيمة 7000 ليرة تركية وصرت أعمل بكد فيه ليلاً نهاراً حتى لا أحتاج أن أطلب مساعدة من أي أحد، ومع ذلك تعرضت للابتزاز من صاحب المتجر والبيت الذي أعيش فيه، فقد طلبني للزواج وكان يسعى لأن يضع يده على المتجر الذي أعمل فيه، فرفضت كل ذلك، ولهذا منعني من بيع المتجر بعد أن تضاعف سعره، ثم باعه واستحوذ عليه، فخفت منه.

 

جنان وهي تحكي قصتها

همت على وجهي في الشوارع بعد أن طردني، وصرت أطمح للسفر إلى أوروبا حيث العدالة وحقوق الإنسان، وخلال رحلتي إلى هناك تعرضت للسرقة والتهديد بالقتل على يد مهربين وعدوا بمساعدتي في العبور حتى أصل إلى أوروبا، حيث أخذوا كل أموالي وكذبوا علي، فبعت مجوهراتي وهي تذكار من أمي وأهلي، وخاطرت بروحي عدة مرات عندما سافرت بالبحر.

قد يتساءل بعض الناس عن عدم قدوم طالبي اللجوء عبر طرق مشروعة، بيد أننا إن خيرنا ما بين السفر بالطائرة ونحن نحمل تأشيرة، والسفر في رحلة كتلك التي خضناها من دون أي ضمانات بالسلامة، فلابد أن يكون اختيارنا واضحاً.

بعد معاناة طويلة، التقيت بمهرب أخبرني بأنه بوسعي أن أصل إلى اليونان من إزمير، إلا أن القارب الذي استقليناه كان معطلاً، ولهذا تعين علينا أن نصعد جبلاً ريثما يجري إصلاحه، فأمضينا يومين بين الجبال من دون طعام أو ماء، وقد شعرت بصعوبة بالغة وأنا أتسلق الجبل، إلا أني وجدت من أعانني على تلك الرحلة، حيث كان هنالك أشخاص يسحبونني ويحملون أمتعتي.

عندما أصلح المركب، عدنا لمحاولة عبور البحر من جديد، فهبت علينا عاصفة عاتية، إذ علا الموج، وأظلمت السماء، وفجأة انقلب القارب في عرض البحر وسقط الناس بين الأمواج، وصاروا يصطرخون ويستغيثون، فما كان من المهرب إلا أن أصلح محرك المركب ووجهه نحو الشاطئ، من دون أي يعبأ بالناس، فغرق ستة منهم، وهؤلاء الستة كانوا قبل يومين يساعدونني في تسلق الجبال وحمل أمتعتي.

لا يمكنني نسيان الأصوات ونداءات الاستغاثة، إذ كانت كلها تدمي القلب، وقد تخيلت نفسي مكانهم، وصرت أتخيل مدى حزن أمي علي ودموعها التي ستذرفها على فقداني، وعند وصولنا إلى شواطئ اليونان، لم يتبق منا سوى خمسة أشخاص، فاختبأنا في بناء مهجور خوفاً من الشرطة، على الرغم من أننا كنا في شهر كانون الثاني أي أبرد شهر في السنة.

لم يمض على إقامتنا هناك سوى ليلة واحدة عندما ألقت الشرطة اليونانية القبض علينا، وأعطتنا ما أصفه بأنه مجرد بالون ثم رموا بنا في البحر من جديد، وهكذا أخذنا نتشبث بحبال الحياة، خوفاً من الغرق، وبعد مرور ساعات، عثرت علينا دورية إنقاذ تركية، فالتقطت لنا صوراً ونشرتها في جرائدهم، ثم سمحوا لنا بالبقاء في الأراضي التركية لمدة عشرين يوماً.

أصبحت وجهتي هذه المرة بلغاريا، وعندما كنت أعبر الحدود التركية- البلغارية، كان هنالك جدار لابد لي من تسلقه، فلم أستطع القفز، ولهذا دفعني المهرب، فسقطت وكسرت ساقي، وبقيت في أحد المشافي إلى أن تعافيت وتمكنت من السير من جديد، وعندما حاولنا العبور إلى الأراضي البلغارية مرة أخرى، كانت السماء تمطر بغزارة، وكنا عبارة عن مجموعة من المرضى والعجائز والأطفال، وبما أننا لم نتمكن من مواصلة العبور، لذا رغبنا بالعودة إلى تركيا، لكن المهربين لم يسمحوا لنا بذلك، بل ضربونا وأجبرونا على مواصلة السير بحجة أن الطريق لن يستغرق أكثر من ساعتين، لكنا سرنا لثلاثة أيام متوالية، وعبرنا نهراً شاهدت كيف غرقت فيه امرأة مع طفلها، واعتدت على رؤية الجثث في الطريق، بعضها نهشته الحيوانات، وبعضها أخذت الهوام والحشرات تحوم حوله.

خشيت أن أمرض وأنا في الطريق فأعجز عن مواصلة المشي لأني كنت على يقين من عدم وجود من يمد لي يد العون وينتظرني إن تأخرت، وهكذا سأضيع في الغابات وسأتحول إلى فريسة للحيوانات البرية.

من بلغاريا توجهت إلى رومانيا حيث ألقت الشرطة القبض علينا وأعادتنا إلى بلغاريا، وهناك حبسونا، حيث قيدوا يدي وكأني مجرمة، مع أني لم أكن أكثر من امرأة فرت من جحيم الحرب بحثاً عن موطن آمن يسوده السلام.

بعد شهر في السجن، نقلونا إلى أحد المخيمات، وخلال تلك الفترة فقدت ذاكرتي بشكل كامل، إذ لم أعد أتذكر أي شيء وكأني تحولت إلى شخص بلا ذاكرة. شعرت بأني شارفت على الموت، وفقدت الأمل بكل شيء، ولكني كنت أسمع صوتاً في داخلي يحثني على الثبات ومواصلة النضال، وبعد معاناة طويلة وانتظار أطول، سمحوا لي بالإقامة في صوفيا لبضعة أشهر.

كنت مهددة بالقتل في حال عرف المهرب مكاني، وذلك لأن المهربين لا تهمهم حياة البشر، بل أموالهم، لذا غادرت مسرعة نحو ألمانيا، حيث بقيت في المخيمات وخضعت لعلاج نفسي، وكانت صدمتي كبيرة عندما رفض طلب لجوئي، ولهذا فإن الأمل الوحيد والأخير المتبقي لدي هو بلفاست.

 المصدر: Belfast Live