icon
التغطية الحية

قصص المنتجات الدمشقية وتاريخها

2023.06.02 | 21:28 دمشق

صدف
محمد أوزملّي
+A
حجم الخط
-A

صدَّرت مدينة دمشق إبداعاتها إلى معظم دول العالم، وتوزَّعت صناعاتها ومنتجاتها الإبداعية في كل شارع من شوارعها القديمة، لتشكل متحفاً متكاملاً يبهر الأنظار بإبداعات أبنائها من "البروكار" وهو أحد أعرق الصناعات الدمشقية والذي اقتناه باباوات الفاتيكان والملكة الراحلة إليزابيث الثانية، وصولاً إلى الغرف الدمشقية التي تنتشر في العديد من المتاحف العالمية، ناهيك عن صناعة النحاسيات والزجاجيات وترصيع الخشب بالصدف والأبسطة على النول والتطريز وغيرها من الصناعات التي حاكت كل قطعة فيها ثقافة شعب وقصة حي.

ترصيع الخشب بالصدف

لفن التطعيم أو الأثاث المرصع بالصدف، تاريخ طويل في دمشق، أقدم عاصمة مأهولة، ولها مظهر مميز وخلاب حيث زيَّن الصدف أغلب الأثاث الدمشقي بأشكال أنيقة لتجعل لنفسها مكانة ثابتة في ذاكرة كل من وقف أمامها وتمعن ولو بنظرة واحدة في هذا الفن العريق.

نشأ فن التطعيم السوري في دمشق واستمر حتى يومنا هذا، وارتكز على ثلاثة أنواع سائدة من التطعيمات: عرق اللؤلؤ، والخشب، والعظام. والطريقة الأكثر شيوعاً هي استخدام عرق اللؤلؤ في الترصيع. ويعود تاريخ هذه الحرفة اليدوية إلى قرابة ألفي عام توارثت عبر الأجيال بكل أمانة ورقي حيث اعتبرت كنزاً عند متوارثيها.

صدف
تطعيم بالصدف

تتم عملية التطعيم في دمشق على الطريقة العربية القديمة وهي الطريقة الأصلية المستخدمة، وهذه الطريقة تحتاج إلى قوة عاملة ماهرة حيث يقوم النجار بصنع القطعة كاملة ومن ثم يكون دور الرسام إضافة النقش المطلوب وبعد ذلك تنتقل القطعة في يدي جامع القصدير، حيث ينحت مكانًا لخيوط القصدير ويثبتها في مكانها. أخيراً، يلعب دور العمال في تثبيت القطع وفقاً للرسم، ويمكن أيضاً استخدام النحاس والحديد للتطعيم، وكذلك الخيوط الفضية التي يمكن إدخالها في القطع الثمينة.

دمشق
التطعيم بالصدف

وبالعودة إلى تاريخ هذه الحرفة يقال إن هذا التراث انتشر من دمشق إلى دول مثل تركيا وصولاً إلى إسبانيا. وارتبط هذا النوع من الفنون قديماً على الأثرياء والنبلاء ورجال الدولة والحكام من المجتمع، وكانت القطعة من هذا الفن تُقدم كمهر (خزانة أو صندوق خشبي مرصع بالصدف) على سبيل المثال، وذلك نتيجة لقيمتها الفنية العريقة ومدة صناعتها التي كانت تستغرق في بعض الأوقات، بحسب نوع القطعة وشكلها، إلى عام كامل من العمل. أما في وقتنا الحالي لا يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لإنتاج قطعة أثاث مع فن التطعيم، ولكن لا يزال يتطلب العديد من الحرفيين المهرة والمهنيين لإنجاز هذه القطع الفريدة والرائعة من خشب الجوز.

فن الكروشيه

"الكروشيه" من الحرف اليدوية التقليدية التي تمارسها المرأة السورية في المدن والأرياف، ويعدُ استمراراً للتقاليد التي تعكس روح وطبيعة التفاعل الإنساني مع هذا الفن الراسخ في التاريخ.

صحيح أن هذا الفن لم يولد في دمشق ولكنه تميز فيها برسوماته ونقشاته وألوانه التي حاكت جميعها جمال الطبيعة مما تحمله من روح الإبداع الفردي والانفتاح الفريد على مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأشكال والأنماط والنماذج.

فن
منتجات الكروشيه

 

فنون

يعود أصل فن الكروشيه إلى قرابة 1500 قبل الميلاد عندما  نُسِجَ بالأصابع بدلاً من الإبرة، وبحسب الدراسات التاريخية فإن فن الكروشيه انتقل من شبه الجزيرة العربية وبلاد ما بين النهرين إلى الصين والتبت، ليعود عبر طريق الحرير الذي يربط الشرق بالغرب، وليصبح مصدر رزق ودخل ميسور عند الأسر الدمشقية الفقيرة في الأوقات العصيبة، كما أصبح حرفة ناجحة للغاية، مما ساعد في تطويره إلى صناعة في غاية الدقة والجمالية.

أقمشة الأغباني

أو نسيج الأغباني، وهو نوع من الأقمشة المطرزة بتصميمات فريدة من أوراق الشجر والزهور والفروع أو أشكال هندسية أخر من الأرابيسك مستوحاة من بيئة سوريا.

يعتبر الأغباني أحد أكثر المنسوجات إثارة للإعجاب في دمشق، حيث يرتبط بشكل فريد بالمدينة والبلدات المحيطة بها في دوما وأماكن أخر، فعلى الرغم من أن هذه الحرفة اكتسبت شهرة من خلال تجار دمشق، إلا أن المبدعين الحقيقيين لهذا النسيج القائم على التطريز هم النساء العاملات خلف الكواليس، إذ يُصمم يدوياً بطريقة فريدة من (الحرير أو الأورجانزا أو القطن) ومزين بخيوط فيسكوز مطرزة باللون الأبيض والذهبي أو الفضي.

فنون
قماش الأغباني

قديماً كانت تستخدم الأقمشة الحريرية لتشكيل قاعدة الأغباني الأساسية، أما في الوقت الحاضر يتم استخدام خيوط الحرير اللزج والأقمشة القطنية بدلاً من ذلك.

نشأت حرفة الأغباني في حلب منذ أكثر من 500 عام ثم انتقلت إلى دمشق، حيث يتم فيها تصنيع قماش من الكتان أو القطن، ومن ثم تطريزه بالحرير وفق رسومات محددة، وكان الحرفيون يطبعون الرسوم على النسيج باستخدام الحجر والرمل ومع التطور في صناعات الماكينات أصبحوا يستخدمون الطابعة في طباعة الألوان ومن ثم يُزال حبر الالوان عن القماش بالغسيل ليقوم الحرفي بعدها بتطريزها بواسطة خيوط الحرير المقصب بالأشكال التي يكون قد نقلها مسبقاً من أفكاره إلى الورق.

أما عن الاسم فيُعتقد أنه مشتق من العائلتين اللتين نقلتا هذا النوع من النسيج إلى دمشق من حلب، وهما عائلة الأغا وعائلة الباني. ويرى العديد من التجار أن الأغباني يعود إلى العهد العثماني في دمشق، في وقت كان النسيج المطرز المخصص يُصنع خصيصًا للرجال ذوي المكانة أو المناصب الدينية العالية، حيث كانت النساء رائدات في هذه الحرفة  ويتم تعليمهم من قبل أمهاتهن أو خالاتهن عن كل ما يخص هذه الحرفة في سن مبكرة جدًا ليتوارثوها جيلً بعد جيل.

البروكار الدمشقي

يعد البروكار الدمشقي أشهر وأجود الأقمشة والمنسوجات في العالم، وهو مصنوع من خيوط الذهب والفضة والحرير، تتميز دمشق به منذ القدم ولديها حرفيون متخصصون بهذه الحرفة لهذا أصبحت مرتبطًا بدمشق، حيث كان نسيج البروكار مطلوبًا من قبل الملوك والملكات والحكام والمشاهير، وقد صنعت الملكة إليزابيث الثانية فستان زفافها من قماش البروكار الدمشقي.

فستان
فستان الملكة إليزابيث المصنوع من البروكار الدمشقي

ولهذا القماش أنواع مختلفة. بعضها مطرز بخيوط ذهبية وبعضها فضية، حيث يقتصر دور هذه الخيوط في القماش على الرسومات وأشكال الزينة، وهذه الألوان العديدة تشكل رسومات مختلفة من بشر، راقصون، نباتات، حيوانات مثل: الفيل والغزلان والطيور وموضوعات أخرى بسيطة لها أنماط عامة.

النول الخشبي

تعتمد هذه الصناعة التقليدية على عنصرين أساسيين: الحرفيون والنول. وتتطلب هذه الحرفة الصبر لأن عملية الرسم على البروكار عملية معقدة مبنية على تفاصيل دقيقة. يتم رسم الشكل المطلوب على الورق في البداية ومن ثم تنقل الرسومات لتنفذ على النسيج، ويحتاج الحرفي الماهر إلى ساعة كاملة لإنتاج 10 سم منه على مقاس عرض النول (90 سم). لهذا تتطلب جهوداً كبيرة من خلال عملية طويلة وشاقة تستغرق شهوراً لإكمال قطعة واحدة منه، وهذا الجهد جعل الامتناع عن تعلم هذه الحرفة سبباً للتقلص ولاكتساب الشهرة أيضاً.

خشب
نول خشبي

النول اليدوي

يعد "النول اليدوي" حرفة دمشقية قديمة تعود لأكثر من خمسة قرون، وتحاكي التاريخ والتراث وتتحدى أفخر الآلات النسيجية في أحياء دمشق القديمة، وتشكل تاريخ الصناعة النسيجية في سوريا وتشتهر برونقها الذي يظهر بجودة الملابس ومظهرها الخارجي الفريد.

ويعود نجاح هذه المهنة التي استمرت طويلاً في دمشق إلى توفّر المواد الأولية الخام من داخل البيئة السورية، كالقطن الذي يزرع في الجزيرة والصوف المأخوذ من الماعز والحرير عبر تربية دودة القز، كما أن في مراحل تطوير النسيج كان مرتبطاً أيضاً بالمواد الخام للخيوط من البيئة السورية، حيث بدأ النول اليدوي في استخدام الألياف الصلبة مثل القنب والكتان والألياف ولحاء التوت وأشجار الأرز، وتم إنتاج مواد أكثر نعومة مثل الصوف والقطن والحرير لإنتاج منتجات أكثر نعومة وسلسة.

يدوي
حقائب مصنوعة على النول اليدوي (نقش شامي)

أما عن طرق عمل النول فإن النسيج عليه حرفة يدوية بحتة، إذ تفرز أيدي الحرفيين بصبر نسيجاً طبيعياً على تلك الأداة الخشبية، حيث يحتاج متر مربع واحد من السجادة الملونة إلى قرابة يوم كامل من العمل، وقد تستمر لفترة أطول تصل إلى أسبوع بحسب شكل النقش والزخرفة وأنواع الخيوط المستخدمة في ترصيع المنتج، ولا سيما المنتج الدمشقي الذي طبع لنفسه هوية ثابتة من خلال نقوشه وألوانه المسماة حتى وقتنا بـ "النقش الشامي".