يمر كشيء في الحياة يمكن أن يقبل وجوده على مضض، سمج غير بارع إطلاقا باجتراح الفكاهة. شيء ثقيل المعشر وفارغ كأسطوانة يصفر فيها الريح، يتحدث من دون ثقة بالنفس ويجتهد دوماً باصطناعها، علمته السنوات بعضا من الحضور لكنه لم يكن حضوراً آسراً في أي موضع. شيء كهذا سنقبله كأشياء كثيرة تمر عرضاً في يومياتنا. الكارثة أن يكون هذا الشيء رئيساً لسوريا في زمن استثنائي وصعب.
زمن تكثف فيه الغضب العربي عموماً والسوري خصوصاً "الربيع العربي"، عندما انفجر الغضب ثورات مزلزلة أطاحت بعروش أشياء مثله، لكنها وللأسف دخلت أو أدخلت عنوة في سرداب مظلم، فتصدرت على الحواف أشياء كثيرة كبشار، السيسي، حفتر، الحوثي، قيس سعيد وسواهم..
ليس لكفاءة أو رفعة، بل فقط لأن العالم في الألفية الثانية تجاوز حقوق الشعوب وفضل تحنيط النماذج "الناجحة" حسب مصالحه ونواميسه، مبتعداً عن الهوامش المزعجة وهي هنا نحن الشعوب العربية الطامحة لأنظمة ديمقراطية تحترم الحريات وتتيحها، فنمت فينا وبيننا تلك الأشياء وعرّشت ونالت حظها من الوقت والتغاضي والغفران، واستمر معها قهرنا..
بشار حافظ الأسد الشيء الذي يصبح دائما رئيسا بانتظار شيء ما سيحصل، فكيف صار ذلك؟
مما هو معروف للجميع أن بشار لم يكن إلا ابن حافظ الأسد، وُلد وأبوه قائدٌ لسلاح الطيران السوري الذي سيسحق لاحقاً في حرب 1967.
تزامن ميلاده مع الفترة التي زار فيها حافظ الأسد لندن صيف 1965. قيل عن الزيارة إنها مشبوهة، يذكر أحمد أبو صالح عضو القيادة القطرية في حزب البعث في شهادة له أن قيادة الحزب حققت مع الأسد بعد عودته، والبعض اتهمه بالعمالة، فيما بدا أن تلك الإجازة اللندنية كانت تقديما لأوراق الاعتماد لدى الغرب وجاهزية لتنفيذ ما يطلب منه لنيل الرضا في مرحلة حساسة من تاريخ سوريا والمنطقة بأسرها.
تخرج بشار من كلية الطب – جامعة دمشق، عمل كطبيب في مشفى تشرين العسكري قبل أن يُرسل أوائل التسعينات إلى لندن ليتابع الدراسات العليا في طب العيون. من الواقعية بمكان القول إن إيفاده إلى بريطانيا لم يكن لغاية تحضيره كما حُضر أبوه من قبل أو كما يحضر الزعماء أبناءهم، إنما محاولة تحضر بها الأشياء أمثاله كي لا يستمرون أعباءً على عائلاتهم، يقول الأمير السعودي بندر بن سلطان، رئيس الاستخبارات السعودية السابق في حوار نشرته صحيفة إندبندنت عربية:
"أول مرة سمعت بشيء اسمه بشار.. كان لأتوسط لدى الحكومة البريطانية لقبوله للحصول على دورة تخصصية في لندن.. تحدثت فعلا مع المسؤولين البريطانيين في موضوعه.. وقلت لهم إن منحه الموافقة لن يضرهم، بل نصحتهم أن يتعرفوا عليه، فقد يصبح يوماً من الأيام شيئاً".
هذا الذي أصبح شيئاً فعلاً لم يكن مستقبله يشغل بال أحد حينها، فلأبيه المتحكم تماما بالبلاد مآرب بدأ بتحقيقها من خلال تهيئة ابنه الأكبر باسل كرئيس يخلفه، إلا أن القدر لم يأت كما يشتهي الأب، مات باسل الأسد عام 1994، واستدعي بشار لدمشق.
الوقت القصير الذي قضاه في لندن سيضاف لرصيده الصفري، وسيضاف أيضا للرصيد زواجه من أسماء الأخرس البريطانية المولد والمنشأ ابنة فواز الأخرس الطبيب المقيم في بريطانيا والذي سيوصف لاحقا بأن له أدواراً في الاتصال بين الحكومتين السورية والبريطانية.
عاد بشار إلى سوريا، كان واضحا له ولجميع من هم في بلاط أبيه أن موت باسل أحدث فراغا كبيرا وعليه ملؤه، وسنكتشف لاحقا كم كان فاشلا في تلك المهمة لتصير السنوات الست التي مرت عليه لتحويله لشيء نافع، مادة للتندر لكل من عايشه فيها.
مهووس باللعب والعبث، سطحي التفكير، غير مبال.. لم تفلح مسيرته العسكرية المدفوع إليها دفعا في الكلية الحربية بصقله وتجهيزه كما يجب، رغم أن الطريق مُهدت له بالرتب والترقيات وإبعاد الضباط الكبار وتولي ضباط صغار موالين. مسيرة يمكن أن توسم بها كل مشاركاته في شؤون الحكم.
لم يستفد من البذل والفرص المسخرة، اختار معركته الأولى في الملف اللبناني ليفشل بها كثيرا في أثناء تجهيزه، ولاحقا كرئيس، ويسحب جيشه مذلولا بعد اغتيال رفيق الحريري 2005 الذي اتهم به.
في الداخل توجه إلى قطاع المعلوماتية وترأس الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية التي ما تزال البلاد تحصد نتائجها في القطاع التكنولوجي، حيث لم تحظ سوريا يوما بأي تصنيف في هذا القطاع سوى أنه الأسوأ.
الفراغ كبير.. والفراغ لا يُملأ بالفراغ
لأن نتائج تحضير الشيء لملء الفراغ لم تكن ترضي أباه، لم يقدمه في المجالس ولم يكلفه علنا بمهام، بل دفع المسؤولين ليحركوه ويحركوا من حوله وأوصى زواره وندماءه عرباً وعجماً بتخصيص وقت لتعليمه ووصله بالعالم الخارجي، بعيداً عن غرف اللعب والعبث المشغول بها.
وما كان من حافظ الأسد إلا أن يموت، كان يجب أن يموت ليفسح المجال للشيء الذي سيحمله المنتفعون والمتسلقون الانتهازيون ليصبح رئيسا لسوريا.
الرئيس
تولى المنصب إثر تغيير جراحي في الدستور السوري شمل عمر الرئيس، ومن على منصة القسم في قاعة مجلس الشعب السوري ظهر متعرقا مهزوزا لا يكاد يصدق أنه صار رئيساً لسوريا.
قرأ الشيء الرئيس نصا مكتوبا بعناية أمام حشد من النواب غالب الظن أنهم لم يفهموا مصطلحات الرئيس الجديد. تجول باللغة بين تحسين حالة حقوق الإنسان والحاجة إلى التفكير خارج الصندوق والنقد البنّاء وتعزيز الشفافية وترسيخ الديمقراطية، مفاهيم جديدة وغريبة على قاعة مجلس الشعب لكنها قدمت حينها بارقة أمل، وليكمل خطه رفع شعارا عريضا "التطوير والتحديث". سيصبح لاحقا هذا الشعار محل تندر السوريين وأحد مصائبهم الكثيرة التي حاقت بهم مع تولي بشار الأسد الحكم.
سجلت السنوات الأولى لبشار دعما ملحوظا من قادة كبار في العالم والمنطقة لتسهيل مهمته والحفاظ على نمطية الاستقرار التي أسس لها أبوه وكانت مقبولة رغم أنها مجبولة دائما بدم السوريين. أغلب هؤلاء نعتوه بالولد والطائش وأكنفوه برعايتهم وغطوه سياسيا ودوليا لأنهم ببساطة كانوا مثل أبيه يهيئون أولادهم للحكم.
أما السوريون ممن صدقوا الوعود والظروف التي أنتجها الفراغ واستبشروا خيرا بالكلام وبإغلاق سجن المزة والإفراج عن كثير من السجناء السياسيين فقد خاضوا مغامرات سياسية – اجتماعية - اقتصادية ستعرف بربيع دمشق الذي وصل إلى نهاية مفاجئة في صيف 2001 عادت بعدها سجون آل الأسد لعاداتها كمكان يجمع السياسيين، والصحفيين وناشطي حقوق الإنسان ودخلت دمشق في خريف طويل.
وهنا يمكن بسهولة تذكر ما قاله وزير الإعلام الأول في عهد بشار عدنان عمران عام 2001 عن حركة المجتمع المدني:
"إنه مصطلح أميركي تم إضفاء معان إضافية إليه مؤخراً من قبل جماعات تسعى لأن تصبح أحزاباً".
هذا التصريح الكارثي في الألفية الثانية لم يكن مفهوما لكثر في العالم ممن يرون أن السعي لتشكيل حزب فعل طبيعي ومشروع.. لكنه يؤشر بوضوح للعقلية الحاكمة في سوريا.
بالعودة إلى الرئيس الشيء فقد نكص كل الوعود الإصلاحية مبكرا، ليتبين أنها مجرد انتهازية حاول عبرها كسب الشعب والشرعية، غير آبهٍ بدروس التاريخ ودورة الظلم الطبيعية، ظل كما الوريث الذي امتلك فجأة لعبة كبيرة اسمها سوريا.. أكمل فيها عبثه.
الأشياء في سوريا تسير إلى الخلف أو تراوح مكانها إلا شيئاً واحداً يتقدم صاعداً
الحريات في أدنى مستوياتها والانفراج الذي استمر نحو عام انتهى كأنه لم يكن يوما وتم استبداله منذ ذاك الحين بسيل من التحليل الماورائي وشرح المصطلحات في خطب الرئيس المعقدة، دروس تنمية، فلسفة وأستاذية يحبها بشار ويتقنها، فلا ترون إلا ما يرى ولا تسمعون إلا ما يقول.
غزو العراق 2003، اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري 2005 وانسحاب الجيش السوري من لبنان وفرض العزلة على دمشق، الحرب الإسرائيلية على لبنان 2006 وسلة من التحديات الخارجية رافقت الفترة الرئاسية الأولى للشيء. زاد فيها الفراغ ولم تتقدم البلاد في أي مجال، بل دخلت معادلاتٍ يخجل منها هواة السياسة الصغار.
خطاب شعبوي أمام الجماهير العربية وعزف على وتر مقاومة الاحتلال والانتصار للقضايا الكبرى، ومعاداة إسرائيل، الغرب وأميركا، خاصة بعد غزو العراق بينما كانت كل أجهزته الأمنية متفرغة لإسداء الخدمات للجميع في قضية منتسبي تنظيم القاعدة.
كشفت صحيفة The Washington Post، شباط 2013 عن الدول التي شاركت في برنامج الترحيل السري التابع لوكالة المخابرات المركزية CIA وكانت سوريا إحدى هذه الدول ومن أهمها.
"أعاقت ظروف عديدة بعض التطورات السياسية التي كنا نرغب في تحقيقها" من خطاب الولاية الثانية لبشار الأسد تموز 2007.
الفترة الرئاسية الإجبارية الثانية بدأت بحجة الظروف الخارجية غير المواتية، وطبعا بنسبة أصوات مؤيدة بلغت 98% من المستفتين السوريين. كانت آثار اغتيال رفيق الحريري والعزلة وتداعيات التخبط في السنوات الأولى بادية على ملامح البلاد ورمي عليها كما العادة كل إخفاقات الولاية الأولى.
حاولت السعودية ودول الخليج سحبه مجددا وإنقاذه اقتصاديا فاستفاد من فك العزلة عربيا وغض الغرب الطرف عن سيئاته وتناسى اتهامه باغتيال الحريري، مقابل بعض حسناته وخدماته التي يقدمها لهم في سياق تنامي الحرب على الإرهاب. أعاد الاتحاد الأوروبي المحادثات حول اتفاقية الشراكة الأوروبية، تلتها زيارة وزيرة خارجية الولايات المتحدة كونداليزا رايس لدمشق، ثم زيارة الأسد لباريس تموز 2008.
مجددا لم يستفد الشيء من ذلك، وكأي شخص ساذج يعتقد أن الفرص لا تنضب وأنه قادر على اللعب على الحبال، رأى بشار نفسه شيئا عظيما لا يستغنى عنه، مد الجسور مع الغرب واحتفظ بالميل تجاه نظام يعادي العالم ويعاديه، إيران وحزب الله ليكونوا شركاء استراتيجيين في وجه العرب الذين ساعدوه غير مرة. اقترب أيضا من تركيا ومنحها ميزات اقتصادية أثرت بشكل مباشر على معاش السوريين، وبدا كأنه يشعر بالاستقرار فتقبل الغزل الإسرائيلي وبادله بمثله.
سارية السواس عنوان المرحلة
شهدت البلاد فقاعات اقتصادية وحراكا تنمويا قشريا مزيفا على شكل تحولات في إمكانيات الطبقة الوسطى وافتتاح مشاريع استثمارية كبيرة وبنوك خاصة، ازدهر التهريب على الحدود وانتشرت وكالات الماركات العالمية وعاشت سوريا مواسم سياحية عامرة.. حياة ليلية، نجوم ونجمات، ومذهب فني جديد عرابوه مغنو الساحل السوري والنغم العراقي المحدث اللاجئ.. عناوين ساهم بها دخول عراقيين جدد بعد 2007 مختلفين عن اللاجئين الأوائل، وتدفقت الأموال وفاحت رائحة الغسيل النظيف.
سارية السواس المغنية الشاملة كانت عنوان مرحلة ازدهار السياحة موسمين أو ثلاثة شهدت زيارات المغتربين لبلدهم وتزامنت مع تعطل المرافق في لبنان الخارج من الحرب.
"لم تكن الصور وحدها تملأ فضاء سوريا.. بل كان سيادة الرئيس يتردد على المسامع منذ الصباح حتى المساء في نشرات الأخبار والأناشيد والأغاني.. تذكره الناس بأنه الخالق لسوريا الحديثة.. يتردد اسمه في بيوت الله. يقترن بالله. الخالق بالخالق" الروائي السوري فواز حداد يصف مرحلة تأليه الأسد الآب في روايته "السوريون الأعداء".
التضييق على الحريات يتزايد وجفاف سياسي تام، ليس فقط بفعل تغول الأمن وسيطرته على كل شيء في البلاد، بل لأن الحياة السياسية عطلت تماما وأريد لها أن تموت وخاصة بعد موجة الاعتقالات والملاحقة والاضطهاد التي طالت الموقعين على إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي 2005 وبعده إعلان دمشق - بيروت 2006، هذا والحال أصلا لم تكن جيدة.
كان على السوريين أن يكتفوا بهبة القائد الخالد الذي ترك لهم ولسوريا رئيسا ليس كمثله شيء أو أحد، وفي تكرار ممجوج لسيرة الأب أخذت خطة تأليه بشار الأسد تتصاعد وتنمو. الرجل الذي لا مثيل له، الشاب الوسيم المنفتح المتعلم والمقاوم الصلب الذي يكاد ينهي العشرية الأولى كحاكم مطلق لسوريا وهو في ريعان الشباب وعلى السوريين التعايش مع هذا الشيء الفريد عشرات السنوات الأخرى قبل أن يفكروا بخلفه.. شركات علاقات عامة تقدم الرئيس وزوجته للغرب على صفحات المجلات الشهيرة يمارسون حياة كنبلاء أوروبا. خطاب شعبوي يحرك مشاعر شباب العرب وشعارات عن الصمود والتصدي المقاومة، وآلة تعمل في الداخل. بشار في كل مكان صور ومقاطع فيديو وأغان عن بشار في الحفلات والأعراس، مشاهد لحركاته "البلهاء" تملأ الهواتف المحمولة.. بشار بين الناس، يأكل ويشرب ويقود سيارته بنفسه من دون حراسة، بشار يقرع الحكام المتخاذلين.. أسد العرب، حامي العرين، البشار.. ألقاب أنتجتها سنوات الدورة الثانية في الحكم.
العام 2010 الذي سيكون فارقا
الآثار المؤقتة لتطبيق نظام اقتصاد السوق الاجتماعي الذي أقره مؤتمر حزب البعث السوري في عام 2005 بدت واضحة، والتطبيق المشوه المُسورن (اقتصاديا دون سياسي)، أفرز قشرة تنمو، وهوامش تزداد لتأكل البلد كله، وكانت سنوات قحط وجفاف، قلت الأمطار في تلك السنوات حيث ضربت موجة جفاف (2007-2010) من الأشد في تاريخ البلاد.
سياسة الفريق الاقتصادي الذي شكله الأسد وحده أنتجت ارتفاعا بالأسعار وزيادة في البطالة وتدنيا لمستوى التعليم والصحة واتساعاً في الهوة بين الأغنياء والفقراء، وكانت الحكومة ومؤسسات الدول وهيئاتها تمنح التسهيلات بشكل انتقائي وركزت على قطاعات معينة كالخدمات والسياحة والتجارة.. وطبعاً التسهيلات من نصيب أشخاص بعينهم نعرفهم جميعا، يملكون رؤوس أموال كبيرة وأصبحوا يملكون البلاد والعباد.. تغيرات سطحية لم يرد منه إلا خدمة السيد الرئيس وعائلته والمقربين.
وفي تقييم سريع للخطة الخمسية التي طرحت في المؤتمر القطري لحزب البعث 2005 وتبني اقتصاد السوق الاجتماعي، مع تجاهل المتغيرات الحقيقية كالجفاف والهجرة والأتمتة.. يتبين أن نسب النمو انخفضت واتسع نطاق الفقر، وبلغ العجز في الميزانية نحو 10% من الناتج المحلي.. سقطت إذن كل الدعاية عن (الإنجاز الاقتصادي) التي رافقت السنوات العشر حيث أريد للخنق السياسي أن يروج على أنه ضرورة للبناء والتنمية وتحريك عجلة الاقتصاد والقضاء على الفساد والنهوض بالمجتمع معيشيا ثم منحه الحرية والديمقراطية رويدا رويدا..
العام 2010 سيكون فارقا لأنه أيضا أنهى أكذوبة الحرس القديم الذي كانت ترمى عليه الإخفاقات وتعطيل عجلة الإصلاح. لم يعد في سوريا حرس قديم لأن عشر سنوات كافية لإحداث فرق في كل المجالات..
المفاجأة غير المحسوبة كانت نهاية 2010.. عندما سُمع صوت من تونس كان كجرس إنذار سيتردد صداه في المنطقة العربية بأسرها، ويبشر برياح التغيير. الذي يخشاه بشار الأسد.
الشيء لم يتغير وكل هذا لم يغير شيئا.. فاكتمل "العقد الضائع"
أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا بعنوان "العقد الضائع" بعد عشر سنوات على حكم الأسد.
دخلت سوريا 2011 بكامل هشاشتها وقد طحنها الفساد والتأجيل والبطالة، وكل المؤشرات تدل على تدنٍ في قيمة المواطن السوري العادي وتغولٍ لأصحاب رؤوس الأموال وأصحاب النفوذ والسلطة، أما بشار الأسد فما زال يُهمس له ويعتقد في قرارة نفسه أنه الملهم المحبوب الذي يعبده شعبه.
لم يمض وقت طويل حتى أتت رياح التغيير على زين العابدين بن علي في تونس، حسني مبارك في مصر، وبدأت ارتدادتُ الحرية تهز عروش القذافي في ليبيا وعلي عبد الله صالح في اليمن.
وفي آذار 2011 اهتزت الأرض في سوريا من دمشق إلى درعا. لاحت الانتفاضة، وكانت فرصة الشيء ليجبر خاطر شعبه، ليأخذ بيده وليجنب سوريا الانهيار..
عدم الانهيار كان خياراً متاحاً لو أن بشار الأسد تحلى بالحكمة وقابل الشعب بغير القتل والمجازر.
الفرصة الأهم اقتربت أكثر من بشار الأسد ليصبح فعلا شيئا عظيما
ظهر الشيء نهاية آذار، في خطاب متلفز انتظره السوريون والعالم، وعوضاً عن اقتناص الفرصة، أعلن الحرب ولم يغير شيئا، سمع المنتظرون كلاماً مكروراً عن المؤامرة والمندسين والمواجهة الحتمية. سخرية من الاحتجاجات، نكات وضحك.. فعل سيتكرر كثيراً بوقاحة لا تعي خطورة الحدث، وكالعادة مع كل خطاب، تصفيق وابتهاج معلب.
تحولت الاحتجاجات إلى انتفاضة ثم ثورة فحرب فمأساة، بقي حزب البعث قائدا للدولة والمجتمع بحكم الدستور، المادة الثامنة راسخة، قانون الطوارئ، وحالة الطوارئ سارية وبشدة، لا أحزاب ولا مجتمع مدني ولا إعلام وحرية التعبير حالها في الحضيض، السلطة مطلقة بيد الرئيس لا معارضة ولا حتى نقد محب ومجموعة منتفعين تستمر في امتيازاتها..
أضاع الشيء الفرصة ولم يخيب ظن العارفين به، وبعنجهية وسطحية أعلن الحرب ومواجهة الجميع.
مجددا أذكركم بعدنان عمران الذي قال يوما وهو يواجه الناشطين السوريين
"عندما تكون نتائج أي فعل المس بالوطن فهناك احتمالان: الأول أن يكون الفاعل عميلاً يخرب لصالح دولة ما، أو أن يكون جاهلاً ويخرب من دون علم".
عشرة أعوام مضت على خطاب الحرب، وإلى اليوم سمع السوريون كثيراً من الخطابات. أصبحت سوريا الكارثة الإنسانية الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية بنحو مليون قتيل، و2.1 مليون مصاب منهم بإعاقات دائمة، وتهجير 13 مليون شخص إلى مناطق اللجوء والنزوح، الخسائر الاقتصادية حتى 2020 نحو 530 مليار دولار.
وما دون ذلك مرت في السنوات العشر تفاصيل كثيرة، مؤلمة لكنها هامشية أما المأساة، دمرت المدن والحواضر السورية وضاعت أجيال بلا تعليم وكثرت الاحتلالات والجيوش.
انهار كل شيء.. لأجل شيء واحد اسمه بشار الأسد الذي سيحظى بأسماء كذيل الكلب أو الحيوان.
وفي التفاصيل كثير من توافه الأمور مرت خلال السنوات العشر الماضية كأن يصدر الأسد قانونا لتشكيل الأحزاب ويلغي المادة الثامنة ويفوز بالانتخابات الرئاسية دورتين متتاليتين أخرها قبل أيام، وأن يقف خطيبا بين حاشيته.. يشرح المصطلحات ويلقي نكاته السمجة كالعادة.