أعلنت شركة Killnet الروسية للقرصنة الجماعية التي تعهدت بوضع إمكانياتها لصالح حكومة بوتين في غزو أوكرانيا، إلى جانب تهديدها باستهداف مواقع غربية، عن مسؤوليتها عن آخر هجمات عملت على قطع الخدمات عن حلف شمال الأطلسي وعطلت عدداً من عملياته، ومن بينها برنامج الإغاثة من الزلزال والذي يعمل على مساعدة المتضررين من زلزال تركيا وسوريا، فقد استهدف القراصنة الروس عمليات الاتصال التي قامت بها فرق البحث والإنقاذ إلى جانب تعطيل عمليات أخرى ضمن شبكة سرية تتبع لحلف شمال الأطلسي.
استعانت شركة Killnet بقناة على تيليغرام لتعلن عن أنها هي من استهدف حلف شمال الأطلسي، فمن المعروف عن هذه الشركة أنها متخصصة في الأصل بالهجمات التي تعمل على قطع الخدمات، بيد أن زيادة عدد تلك الهجمات وانتشارها لم يكن له ضرر كبير عموماً قبل قطع جهود الإغاثة من الزلزال.
الاستعانة بالهجمات للتطوع بمجهود حربي
أدلى هؤلاء القراصنة الروس بدلوهم لصالح بلدهم في بدايات الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث نفذوا هجمات لقطع الخدمات استهدفت مواقع مختلفة في العالم. ويمكن مقارنة هذا النشاط الجماعي للقراصنة بنشاط مجموعة Anonymous، غير أنه يتسم بأحادية التفكير في هدفه الساعي لدعم جهود الحرب الروسية. فقد قامت تلك الشركة بشن هجوم على العديد من المواقع والتي تشمل وكالات حكومية، ومشاف، ومصارف، ومطارات كلها أميركية، لكنها لم تصل إلى مستوى أعلى من مستوى المصدر المسبب للإزعاج.
إلا أن الهجمة التي استهدفت الإغاثة التي يقدمها حلف شمال الأطلسي للمتضررين من الزلزال كانت الأقوى حتى تاريخه من حيث الأضرار التي خلفتها في العالم الواقعي. أما ذراع القدرة الاستراتيجية للجسر الجوي التابع لحلف شمال الأطلسي، والذي استخدم في السابق لتسليم المعدات والتجهيزات لأوكرانيا، وصار ينفذ اليوم عمليات بحث وإنقاذ في المناطق المتضررة بفعل الزلزال، فقد تعرض لبعض الأضرار التي لم يتم تحديدها على يد قراصنة روس، ويعتقد بأن تلك الأضرار أدت على الأقل إلى إبطاء جهود الإغاثة، كما قطعت الشبكة المقيدة الآمنة التي يستعين بها حلف شمال الأطلسي لنقل معلومات سرية.
هذا وقد عطلت تلك الهجمات موقع مقر العمليات الخاصة التابع لحلف شمال الأطلسي لمدة ساعتين تقريباً، وهذا ما ينسجم أكثر مع التخريب المعهود الذي يحدثه القراصنة الروس والذي سبق أن أحدثوه في السابق. كما عطلت تلك الشركة وبصورة مؤقتة مواقع إلكترونية عامة تعود لشركات طيران ومشاف أميركية خلال العام الفائت، لكنها لم تتوغل أكثر ضمن الشبكات، ثم إن التعطل والانقطاع لم يستمر إلا لفترة قصيرة.
يذكر أن جهود الإغاثة من الزلزال تسعى لتتابع العمل إثر موجة من الهزات الارتدادية التي ما تزال تصيب الأبنية التي تضررت بالأصل. فقد توفي ما لا يقل عن 41 ألف شخص بسبب الزلزال، ويواصل العاملون في مجال الإنقاذ العمل من أجل العثور على ناجين أو رفاتهم منذ أسبوعين عقب الزلزال الكبير الذي بلغت شدته 7.8 درجات.
رغبة القراصنة باستهداف المدنيين
ليس لدى القراصنة الروس علاقة مباشرة مع حكومة بلادهم، وهذا ما يخلق أمامهم فسحة ليستغلوا مكانتهم غير المعلنة في استهداف المدنيين في دول حلف شمال الأطلسي بطريقة يمكن أن تشعل نزاعاً عسكرياً أكبر بكثير في حال تم ربط القرصنة بتحرك رسمي من قبل الدولة الروسية. ولهذا تستعد هذه الشركة لجولة جديدة من هجمات قطع الخدمات تستهدف من خلالها مشافي أميركية وأوروبية سبق أن قدمت لها وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية الأميركية مساعدة وقائية ومساعدة من أجل التعافي، بيد أن هذه الوكالة ترى بأن نحو نصف هجمات تعطيل الخدمات التي شنتها تلك الشركة تعمل على تعطيل المواقع الإلكترونية وهي غير متصلة بالإنترنت لفترة من الزمن، لكن تلك الهجمات يمكن أن تتسبب بتأجيل المواعيد أو اختفاء سجلات المرضى لبرهة من الوقت.
وكما هي حال شركة Anonymous، ما يزال من الصعب تحديد من يقرصن لدى شركة KillNet بما أنها تعمل بطريقة لامركزية تسمح لأي شخص بالمشاركة بصورة مؤقتة. كما أن قناة تلك الشركة على تيليغرام تقوم بدعوة أي شخص للوقوف بجانب الحكومة الروسية والانضمام إلى هجمات تعطيل الخدمات. وقد ترتب على اعتقال أحد المتنفذين فيها في أيار عام 2022 على يد الشرطة البريطانية ظهور دعوات تطالب بإغلاق نظم أجهزة التنفس في المشافي البريطانية إلى أن تم إطلاق سراح ذلك السجين.
من ناحية ثانية، ذكر ينس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي بأن تلك الشركة نشرت إجراءات دفاعية سيبرانية إضافية للاستجابة لعمليات قطع الإغاثة عن المتضررين من الزلزال. وعلى الرغم من أن هذا الهجوم قد نجح بالوصول إلى الأخبار وإحداث ضجة، فإن كل ما فعله هو قطع تلك العمليات، ولهذا يعتقد محللون متخصصون في مجال الأمن بأن تلك الشركة لا تتمتع بإمكانيات وقدرات أكبر من تلك التي أظهرتها حتى الآن.
وكما هو متوقع، لم يصدر عن الحكومة الروسية أي رد رسمي على الحادثة، ولكن من غير المنطقي أن نخمن بأن قراصنة روس يعملون لحسابهم الشخصي بوسعهم أن يقطعوا هذا الشوط الطويل في استهداف حلف شمال الأطلسي بتلك الطريقة بمفردهم. إذ على الرغم من قيام خلافات إقليمية بين روسيا وتركيا في الفترة الماضية، إلا أنهما ما تزالان تتمتعان بعلاقات تجارية متينة على الرغم من عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي، إذ من المعروف أن لتركيا علاقات سياسية طيبة ومستقرة مع كل من روسيا وأوكرانيا، كما أنها استضافت العديد من جلسات التفاوض بين الجانبين.
قد يؤدي أي انقطاع لجهود الإغاثة من الزلزال إلى مطالبة تركيا الحكومة الروسية باتخاذ إجراء يعمل على كف يد تلك العناصر المارقة، إذ يقول أحد الخبراء: "في هذه الحالة، يؤدي قطع هذه الخدمات التي ينفذها حلف شمال الأطلسي إلى إعاقته عن إرسال بعثات الإغاثة، وفي ذلك مثال مزعج حول إمكانية تأثير الهجمة السيبرانية على الواقع. وفي الوقت الذي لم يحدث فيه أي خرق لنظم حلف شمال الأطلسي، من المحتمل أن تتسبب حقيقة قطع تلك الخدمات في خسارة أرواح في تركيا، ونحن نعرف بأن روسيا تعارض حلف شمال الأطلسي في دعمه لأوكرانيا، ويمكن لذلك أن يتجلى بهجمة انتقامية تشنها شركة Killnet التابعة للحكومة الروسية، وبما أن تركيا هي الدولة العضو الوحيدة في حلف شمال الأطلسي والتي ما تزال تؤيد روسيا إلى حد ما، يمكن القول إن هذه الخطوة لم تكن ذكية بالمرة".
المصدر: CPO Magazine