غالباً ما تملي علينا وسائل الإعلام كيف نصنف أنفسنا عبر تمييزنا عن الآخرين، حيث يتجاهل الإعلام الآخر أو ينقل الأخبار عنه بشكل محدود، بيد أن الإعلام أيضاً هو من يجعل من الآخر عرضة للحالات السلبية أو هدفاً لخطاب الكراهية.
فتحت الحكومة التركية حدودها للسوريين في عام 2011 مع بدء شرارة الحرب السورية، حيث استقبلت السوريين الذين وصفتهم بالضيوف أو الإخوة الذين كانوا بحاجة إلى مأوى. ولكن مع تأخر عودتهم إلى وطنهم، تحول السوريون البالغ عددهم في تركيا أربعة ملايين نسمة إلى هدف للأجندات السياسية.
وهنا لعب الإعلام دوراً مهماً، إذ كثيراً ما تجاهل الإعلام التركي أو حتى أنكر الأفكار التي تتحدث عن العنصرية التي نراها كل يوم، وركز عوضاً عن ذلك على أشكال التمييز الصريحة أو أعمال عنف أو اعتداءات عنصرية، في حين اعتبر بقية أشكال العنصرية أقل من أن تذكر.
وعندما وقع الزلزال المدمر في 6 شباط، أضحت تلك الانقسامات أشد وضوحاً، حيث استُهدف السوريون بالمعلومات المضللة والخاطئة بدرجة كبيرة.
ولكن في البداية، لا بد أن يوجد سياق لذلك.
مؤخراً، خلص مركز الهجرة وأبحاثها التابع لجامعة العلوم بإسطنبول إلى أن القضية الوحيدة التي يتفق عليها الناخبون الأتراك هي عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وفي تصويت أجري خلال العام الفائت، بلغت نسبة الأتراك الذي صوتوا لفكرة عودة السوريين 81.7%.
في الإعلام التركي، يتم التركيز على خطر الوجود السوري بالعموم عبر فكرتين وهما: الخطر على الأمن العام من حيث ازدياد عدد الجرائم التي تشمل السرقة والابتزاز والقتل والاعتداء الجنسي والاتجار بالبشر والبغاء، إلى جانب خطرهم الاقتصادي نظراً لأنهم يمثلون عمالة رخيصة.
وفي تلك التقارير نجد الصوت السوري إما غائباً كلياً، أو يشار إليه على أنه رأي غير مهم، كما يصور الإعلام السوريين بطريقة تخلو من العمق وخارجة عن سياق ظروفهم، لاسيما فيما يتصل بوضعهم الاجتماعي- الاقتصادي. أما مصادر المعلومات عن اللاجئين السوريين، كتلك التي أنحت باللائمة عليهم بسبب ارتفاع الإيجارات، فتشمل مسؤولين في الشرطة أو مواطنين أتراكا.
وبالنتيجة، انتشرت المعلومات المضللة والمغلوطة عن السوريين، ولهذا تعمل منظمات تعنى بالتحقق من الوقائع مثل منظمة Teyit على فضخ تلك المزاعم الكاذبة، كالتي ترى بأن السوريين يسرقون الوظائف من الأتراك، ويتسببون بظهور الجائحات، أو تلك التي تعتقد بأن اللاجئين سيحصلون على الجنسية التركية.
وقع الزلزال في مطلع هذا الشهر ضمن ولايات تؤوي نحو مليوني لاجئ سوري، ولهذا توفي أغلبهم بسببه أو أصيب بجراح، أو خسر بيته. وبحسب ما ورد في بعض التقارير، ظهرت حالات تعرض خلالها هؤلاء اللاجئون للتمييز في أثناء عمليات البحث والإنقاذ وما بعدها عندما حاولوا استعادة أرزاقهم.
تفشت المعلومات المضللة أيضاً، حيث انتشر مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يظهر فيه صبي سوري وهو يتسول الطعام بعد الزلزال، لكن الحقيقة هي أن هذا الفيديو تم تصويره خلال الحرب السورية، إلى جانب وصم السوريين بالناهبين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولهذا صب الجميع عليهم جام غضبه وأصبحوا عرضة لخطاب الكراهية من جراء ذلك.
بصيص أمل
إلا أن بعض المنظمات تدخلت، إذ في 11 شباط، أصدرت جمعية أبحاث الهجرة بياناً حول المشكلات التي يتعرض لها اللاجئون والمهاجرون بعد الزلزال، والتي تشمل خطاب الكراهية، وحالة الإقصاء والفصل في عمليات الإيواء المؤقتة، وعدم حصولهم على ما يكفي من المساعدات بسبب خوفهم من انتقام من حولهم. كما ذكرت الجمعية أنه من الضروري ضمان "تدفق معلومات بشكل صحي" إلى جانب محاربة عملية تشويه سمعة اللاجئين والتمييز ضدهم.
وفي بيان مماثل صدر يوم 14 شباط، عن هيئات مثل مبادرة نريد أن نعيش معا، ونقابة المحامين المعاصرين، وفرع إسطنبول لجمعية حقوق الإنسان، وجمعية محامون من أجل الحرية، تم التطرق إلى: "تداول معلومات كاذبة" كما ورد فيه بأنه: "يجب رفع دعوى قانونية ضد من يصدرون سياسات تمييزية وخطاباً قائماً على التمييز".
في حين أشارت مؤسسة Teyit لظهور معلومات مشكوك بصحتها، وحثت متابعيها عبر وسائل التواصل الاجتماعي للإشارة إلى مواطن المعلومات المغلوطة، إلى جانب تقديمها لإرشادات لمستخدمي الإنترنت حتى يحموا أنفسهم من الأخبار الكاذبة.
وعليه شكلت سبع مؤسسات إخبارية تركية بينها Teyit مجموعة على واتساب لتسهيل تدفق المعلومات بطريقة صحية بعد الزلزال، حيث يتم نقل المعلومات التي تم التحقق من صحتها لنحو 15 ألف مستخدم واتساب، في حين تتم الإشارة إلى المعلومات المشبوهة مع تصحيحها. هذا وقد تم توزيع كتيبات تشتمل على معلومات أساسية موثقة في كل من هاتاي وأديامان وقهرمان مرعش بالتعاون مع منصة Needs Map التفاعلية التي تربط المحتاجين بالأفراد والمؤسسات التي تعرض المساعدة.
والأهم من كل ذلك هو أن اليوم هو الوقت الأمثل للعمل على صحافة قائمة على الحقوق أو صحافة توصف بالجيدة، لكونها تتيح للمواطنين المشاركة في عملية إنتاج الخبر، كما تسمح للعامة بطرح الأسئلة حول المشكلات التي تؤرق المجتمع، مع البحث عن إجابات لتلك الأسئلة، سواء في حالات الفوضى أو السلام.
كما حان الوقت أيضاً اليوم لممارسة صحافة السلام التي تهدف إلى منع انتشار الكراهية والخوف عبر المعلومات المضللة والمغلوطة، إلى جانب إظهار صحافة تبحث عن حلول، لأن ذلك من شأنه دعم ضحايا الكوارث، وتخفيف وطأة عملية عودتهم لبناء حياتهم من جديد.
المصدر: News Laundry