ثمة أمل ينمو في قلوب السوريين. التصوّر الحالم بالاستفاقة فجراً على خبر "بشار الأسد غادر سوريا" أو بشار الأسد وافق على حلّ سياسي يتضمن مرحلة انتقالية كاملة الصلاحيات لصالح مجلس انتقالي، ووافق على دستور جديد يبقيه صورياً إلى مرحلة يتبلور فيها بديل عنه أصبح قابلاً للتحقق.
عملياً سيكون الأسد بين هذين الخيارين، إما ان يوافق طواعية بعد كل الضغوط عن التنازل عن صلاحياته بموجب الحل السياسي، وإما سيجبر على مغادرة سوريا. سيناور إلى النهاية، سيستثمر في الوقت مراهناً على تغيّر موازين القوى، وعلى توقيع اتفاقيات وعقود تُخرج بعض داعميه كالإيرانيين مثلاً، أو تحجّم نفوذهم مقابل أن يتمكن من البقاء. لكنه لن يتمكن. وحتى لو تمكن من إطالة أجل بقائه سيرحل فيما بعد، وهناك تجارب كثيرة مشهودة.
كان بشار حاجة روسية، وحاجة انتفاء وجود البديل. هو حاجة إيرانية مستمرة، وحاجة إسرائيلية أيضاً، لا يمكن مقايضتها إلا بما تراه إسرائيل مناسباً. كل المؤشرات تفيد بأن بنية النظام الأساسية أصبحت في حالة تخلخل. في مقابل مضيّ الولايات المتحدة الأميركية بتنفيذ سياستها الضاغطة التي ستزيد من الترهل وستدفع الكثيرين إلى الانفضاض من حوله.
أوجدت الولايات المتحدة الأميركية سلاحاً أمضى وأفعل من حشد الأساطيل وحاملات الطائرات لفرض معادلات سياسية جديدة في الشرق الأوسط. يفعل سلاح العقوبات الاقتصادية والمالية فعله في كل دول محور الممانعة أو المحور الإيراني. أصبحت الدول التي تباهى الإيرانيون بأنهم يبسطون سيطرتهم عليها وأنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية كلها في عداد الدول المنهارة، بشعوبها ومجتمعاتها واقتصادها وعملاتها. حال هذه الانهيارات من حال انهيار الاقتصاد الإيراني وعملته. كل النظريات الإيرانية التي تحدثت سابقاً عن الانكفاء الأميركي من الشرق الأوسط قد سقطت. وخصوصاً في سوريا التي لن يكون فيها أي حل سياسي لا يوافق عليه الأميركيون. قانون قيصر القابل للاستمرار لأشهر وسنوات، هو الورقة الأميركية الأقوى للتحكم بمفاصل التسوية السورية والحل للأزمة.
ثلاث نقاط مهمة يمكن تسجيلها بعد دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ، والذي ستبدأ آثاره بالظهور بعد أسابيع أو خلال ثلاثة أشهر
ثلاث نقاط مهمة يمكن تسجيلها بعد دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ، والذي ستبدأ آثاره بالظهور بعد أسابيع أو خلال ثلاثة أشهر، أولها وأهمها على الإطلاق أن الولايات المتحدة الأميركية دخلت بثقلها إلى القضية السورية، وهي تمسك بكل الأوراق على الساحة السورية، التي ستستخدمها الولايات المتحدة ضد النظام وضد إيران وتستثمر فيه بالتفاوض مع روسيا. ثانيها، أن قانون قيصر هو قانون سياسي يفرض عقوبات اقتصادية، وليس قانون عقوبات، وهو نتيجة عدم التزام نظام الأسد بالقرار ٢٢٥٤، فعندما أقر القانون منح النظام فرصة ٦ أشهر لتطبيق القرار ٢٢٥٤، وبالتالي الضغط في سبيل وقف إطلاق النار كجزء من عملية السلام ومفاوضات بين النظام والمعارضة، لتحقيق الانتقال السياسي، ووضع دستور جديد، وانتخابات. سيهدف القانون لدفع النظام إلى تنفيذ مدرجات هذا القرار، لتجنّب العقوبات، مع الإشارة إلى أن هناك مساعدات غذائية وصحّية تدخل إلى سوريا.
ثالثاً، هو قانون سياسي يستخدم وسائل اقتصادية بدلا من استخدام وسائل عسكرية، للوصول إلى تطبيق القرار الدولي، سيحاول النظام استخدام لعبته الدائمة في تحميل المسؤولية للأميركيين بتجويع السوريين، ولكن لا يمكن لبشار الأسد أن يبقى في سوريا، حتى روسيا عندما دخلت إلى سوريا أعلنت أنها تريد الحفاظ على مؤسسات وليس على أشخاص والمؤسسات دُمرت من قبل بشار. وهو لا يمثل وجود دولة لتحافظ عليها روسيا، التي ستجده عبئاً ثقيلاً عليها.
في حال توصل الروسي والأميركي إلى تفاهم على حلّ سياسي عندها لن تتمكن إيران من البقاء في سوريا
الولايات المتحدة الأميركية منحت روسيا حق البقاء في سوريا مقابل انسحاب كل القوات الأجنبية الأخرى، وبالتالي لم يعد من حاجة لبشار الأسد الذي لم يعد لديه أي وظيفة. المشكلة الأصعب تبقى في الوجود الإيراني، الذي يتم تحجيمه في سوريا. بحال توصل الروسي والأميركي إلى تفاهم على حلّ سياسي، عندها لن تتمكن إيران من البقاء في سوريا.
بدأت المشكلات داخل بنية النظام الأساسية، في القوى الأمنية والعسكرية، والاعتقالات التي تحصل والتخلي عن كثير من الحاشية، يدل ذلك على الدخول في مرحلة جديدة من الصراع يتوّجها التصنيف الأميركي للفرقة الرابعة على لائحة العقوبات ما سينعكس حتماً على كثير من آليات الصراع والسيطرة العسكرية والجغرافية، خصوصاً في ظل السعي الروسي إلى التخلص من تلك الفرقة، بينما القوى التي كانت داعمة للنظام أصبحت تتلهى بما يمكنها تحصيله من حقوق وعقود، وهذا لن يمنح أي حماية لـ بشار الأسد بعد اليوم، يعمل الأميركي على قانون يصنف بشار الأسد وأركان نظامه كمجرمي حرب. هذا المسار سيستكمل، لن يقف عند حدود زمنية وطبعاً سيكون طول مدتها قاسياً على السوريين الذين يدفعون ثمن لعبة الأمم، لكنه حتماً سيتوج فيما بعد بخروج الأسد من الحكم، وخروج الإيرانيين ولو بعد سنوات طويلة لأن وجودهم ضد الطبيعة.