أقر برلمان نظام الأسد قانوناً جديداً للأحوال المدنية، يعتمد على قاعدة بيانات إلكترونية، ويفرض على السوريين تجديد بطاقاتهم الشخصية خلال مدة زمنية محددة.
ووافق المجلس بالأكثرية على ثلاثين مادة، من المادة 49 إلى المادة 79، تتعلق بوجوب حصول كل مواطن سوري، ذكوراً وإناثاً، على البطاقة الشخصية عند إتمامه الرابعة عشرة من العمر، في حين يعدّ ولي الطفل مسؤولاً عن الحصول على البطاقة الشخصية له لأول مرة، ويمكن لمن يكتسب الجنسية السورية حق الحصول على البطاقة الأسرية.
وأوضحت وسائل إعلام النظام أن قاعدة البيانات المركزية تربط جميع المحافظات ببعضها، ما يسهم في تقديم الخدمات وتبسيط الإجراءات وتخفيف المعاناة والتكاليف عن كاهل المواطنين وتقليص الأخطاء البشرية في الشؤون المدنية، وفق تعبيرها.
أي بمعنى آخر، يستطيع السوريون النازحون عن مدنهم وقراهم الحصول على خدمات الأحوال المدنية أينما كانوا، داخل سوريا أو خارجها، الأمر الذي لم يكن متاحاً سابقاً، حيث يُلزم السوري بالحصول على البطاقة الشخصية، التي تعتبر من أهم الوثائق الوطنية للأشخاص، والأوراق المتعلقة بالسجل المدني من محل إقامته.
ولاقى القرار، وتحديداً المادة 54، فور الإعلان عنه، موجة انتقاد واسعة من السوريين، معتبرين أن النظام ينوي سحب الجنسية من السوريين الذين انتهت مدة صلاحية بطاقاتهم، أو البحث عن سبل جديدة يستطيع من خلالها استيفاء رسوم مالية جديدة لتحديث البطاقات الشخصية، أو غرامات مالية من المتخلفين عن ذلك.
وتنص المادة 54 من قانون الأحوال المدنية المعدل على أن مدة سريان البطاقة الشخصية تحدد بعشر سنوات من تاريخ صدورها، وعلى صاحبها أن يتقدم بطلب تبديلها خلال مدة لا تقل عن ثلاثين يوماً ولا تزيد على ستة أشهر قبل انتهاء مدتها، ويجوز تمديد سريان البطاقة لظروف وأسباب قاهرة، بموجب قرار من وزير الداخلية.
اقرأ أيضاً: النظام: لا تبديل للبطاقات الشخصية إلا عند الإعلان عن إصدار جديد
وبعد موجة الانتقادات، أوضحت وزارة الداخلية في حكومة نظام الأسد، أنه لا يتوجب تبديل البطاقات الشخصية إلا عند الإعلان عن إصدار جديد.
وقالت الوزارة في بيان لها، إن البطاقة الشخصية التي يحملها السوريون "لا تزال سارية المفعول حالياً، ولا يوجد حالياً إصدار جديد للبطاقة الشخصية".
وأشار البيان إلى أن المادة 54 من القانون المعدل، والتي أثارت جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، معمول بها حالياً، مشيرة إلى أن "وزير الداخلية، ونظراً للظروف القاهرة، أصدر في العام 2014، قراراً بتمديد العمل بالبطاقة الشخصية الحديثة، التي مضى على إصدارها عشر سنوات حتى بداية الإصدار الجديد للبطاقة الشخصية".
لكن ما الجديد في هذا القانون؟ ولماذا تم إقراره في هذا التوقيت بالذات؟
لا مبرر لإصدار قانون جديد للأحوال المدنية
يرى رئيس تجمع المحامين السوريين، المحامي غزوان قرنفل، أنه لا يوجد مبرر أو سبب وجيه لإصدار قانون جديد للأحوال المدنية في سوريا، في ظل الظروف الحالية، على اعتبار أن نصف المجتمع السوري موزع بين نازحين داخل سوريا ولاجئين في مختلف دول العالم، ما يجعل الاستجابة لموجبات هذا القانون شبه مستحيلة، حيث نصف السوريين غير قادرين على هذه الاستجابة، فضلاً عن أن ما ورد في القانون الجديد هو مطابق تماماً لما ينص عليه القانون القديم من حيث إصدار البطاقة الشخصية ومدة صلاحيتها.
اقرأ أيضاً: داخلية النظام تصدر تعميماً بمنح الملاحقين قضائياً أوراقاً ثبوتية
ويوضح المحامي قرنفل أن "الالتزام بالمحددات المتعلقة بالهوية الشخصية شبه مستحيلة، فلا يستطيع أي سوري في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام الذهاب إلى مناطق سيطرته لأنه سيكون عرضة للاعتقال والتهديد الأمني، وكذلك اللاجئ في أي مكان في العالم لا يستطيع استخراج الهوية من القنصليات، لأنه من الجانب القانوني ليس من عمل القنصليات استصدار الهوية الشخصية إلا إذا أنيط بها بشكل استثنائي".
ويضيف "حتى لو أنيط بالقنصليات السورية استخراج الهويات الشخصية بشكل استثنائي، فهذا صعب جداً، حيث تأخذ عملية إصدارها وقتا طويلا جداً، وهو مكلف مادياً، ويرهق الناس في الظروف الحالية".
ويشير المحامي قرنفل إلى أن القانون لا يغير من واقع اللاجئين أو النازحين، فهم يتمتعون بحقوق المواطنة التي ينص عليها الدستور والقوانين السورية، ولا أثر لهذا القانون بأن يحجب عن السوريين سواء كانوا نازحين أو لاجئين صفتهم ومركزهم القانوني كمواطنين سوريين"، مشيراً إلى أن الأثر الوحيد لعدم الاستجابة لموجبات القانون هو الغرامات المالية التي من الممكن أن يفرضها النظام.
تحديث بيانات المجنسين الجدد تمهيداً لاستحقاق الانتخابات
إلا أن ما يلفت النظر للتوقف عنده، وفق المحامي غزوان قرنفل، هو لماذا طرح نظام قانون الأحوال المدنية في هذا التوقيت تحديداً؟
وحول ذلك، يقول المحامي قرنفل "بتقديري النظام الآن على مسافة قريبة جداً من استحقاق دستوري، وهو انتخابات رئاسة الجمهورية، لذلك هو يسعى لتحديث البيانات المتعلقة بأحوال المواطنين المدنية، سواء بإدماج من تم منحه الجنسية السورية من الأجانب، أو طمس بيانات المعتقلين الذين توفوا تحت التعذيب".
ويشير إلى أن الفئة الأولى، وهي تمثل أعدادا كبيرة، لا تتوفر أرقام دقيقة عنها، كالإيرانيين واللبنانيين والعراقيين الشيعة، ممن حصلوا على الجنسية السورية، سيتم تقييدهم ضمن النفوس السورية في خانة معينة، ومنحهم هويات سورية وجوازات سفر وبطاقات عائلية وغيرها من الوثائق السورية.
أما الفئة الثانية، فهي فئة المعتقلين والمفقودين والمختفين قسرياً، ووفق المحامي قرنفل، فإن هذا القانون " وتحديث البيانات يشكّل فرصة للنظام لإدخال كل من توفي تحت التعذيب، وتسجيلهم كوفيات، وبالتالي التخلص من العبء القانوني الذي يلاحقه بخصوصهم".
اقرأ أيضاً: أوروبا ترفض إجراء انتخابات رئاسية في سوريا بمعزل عن القرار 2254
ويعتقد الحقوقي السوري أن النظام "يرسل رسالة مفادها أنه ماضٍ بالعملية الانتخابية، وسيقصر حق المشاركة فيها على من هم ضمن مناطق سيطرته"، موضحاً أن الهدف النهائي من إصدار قانون الأحوال المدنية الجديد هو أنه عند موعد الانتخابات، يشترط النظام لمن يرغب بممارسة حق المشاركة فيها، ترشيحاً وتصويتاً، أن يكون ممن يحملون بطاقة الهوية المحدثة، أي من هم ضمن مناطق سيطرته.
ويؤكد المحامي قرنفل أن "أي إشراك للفئات الأخرى التي هي خارج مناطق سيطرته، من النازحين واللاجئين، يعني بالضرورة، ومهما زوّر في النتائج، سقوط النظام في هذه الانتخابات، لذلك هو يرسم ما يضمن النتائج دائماً، كما كان الحال طوال العقود الماضية".
اقرأ أيضاً: إدارة "النفوس" توضح الوضع القانوني لسوريات مسلمات تزوجن مسيحيين