في ظلّ صعود اليمين المتطرف ما هو مصير المجتمع الفرنسي المتنوع؟

2024.06.29 | 05:49 دمشق

آخر تحديث: 29.06.2024 | 05:49 دمشق

555555555555555524
+A
حجم الخط
-A

ربما لا يمر أسبوع من دون أن يعاني اللاجئون من أزمة أو مشكلة في دول لجوئهم، فبعد نجاتهم من الحروب والصراعات التي تحيق بأرضهم الأم واعتقادهم أنهم وصلوا إلى أرض النجاة، لا تلبث المشكلات في الأرض الجديدة أن تظهر واحدة تلو الأخرى لتشكل معاناة من نوع مختلف.

ليس من السهولة بمكان أن يخرج الإنسان منا من بيته ووطنه باحثاً عن حبل نجاة مغامراً بروحه في كثير من الأحيان، ولا أن يكون مستعداً للبدء بحياة جديدة من الصفر، لكن حكومات وأحزاب تلك الدول يستكثرون ذلك ويعتقدون أنهم منّوا علينا بحق الحياة، وأننا بصفتنا لاجئين لا نستحق العيش مثلهم ولا يحق لنا التمتع بحقوق المواطنين الأصليين، لأننا نسيج غريب من شأنه أن يعكر صفو اللون الواحد الذي يسعون إلى فرضه بعصبيتهم وتطرفهم.

في سياق حملته الانتخابية اقترح رئيس حزب التجمع الوطني الفرنسي "جوردان بارديلا" تقييد الحصول على الجنسية الفرنسية للاجئين والمقيمين على الأراضي الفرنسية، وهو أمر تبيحه دساتير الدول عامة للأجانب، مع اختلاف القواعد والإجراءات من بلد لآخر عموماً، لكنها تتقاطع في اشتراط الإقامة الطويلة التي تتراوح عادة بين 5 إلى 10 سنوات قبل أن يكونوا مؤهلين للحصول على الجنسية إضافة إلى شرط الإلمام بلغة البلد ومعرفة ثقافته وتاريخه وتحقيق شرط الاندماج في المجتمع من خلال العمل والتعليم وعدم الاعتماد على المعونات الحكومية مع عدم وجود سوابق جنائية.

في السنوات الأخيرة بدأ اليمين المتطرف في أوروبا يعارض بشدة تجنيس اللاجئين ويتحرك باستخدام أساليب عدة لمحاولة منع أو تقييد عمليات التجنيس عن طريق تشديد شروط الحصول على الجنسية، مثل زيادة فترة الإقامة المطلوبة، فرض متطلبات لغوية وثقافية أكثر صرامة، ولم يتوانَ عن نشر الدعاية المضللة باستخدام وسائل الإعلام لنشر الخوف والشكوك حول اللاجئين، بتصويرهم مصدراً للتهديدات الأمنية والاقتصادية والثقافية، لخلق رأي عام معادٍ لتجنيسهم بالتحريض على العنف والكراهية ما يخلق بيئة مجتمعية نابذة تصعب عليهم عملية الاندماج، أو عن طريق الضغط على الأحزاب والحكومات لتمرير قوانين تفيد هذا الغرض.

تعتمد فرنسا في الوقت الحالي على مزيج من حق الدم (jus sanguinis) وحق الأرض (jus soli) في منح الجنسية.

شهدت فرنسا في السنوات الأخيرة، صعوداً ملحوظاً لأحزاب اليمين المتطرف، مما أثار جدلاً واسعاً حول السياسات المتعلقة بالهجرة والجنسية. ومع اقتراب الانتخابات التشريعية، تبرز قضية تقييد الحصول على الجنسية الفرنسية كواحدة من النقاط المركزية في خطاب اليمين المتطرف، الذي يسعى إلى فرض قوانين أكثر صرامة في هذا المجال.

تعتمد فرنسا في الوقت الحالي على مزيج من حق الدم (jus sanguinis) وحق الأرض (jus soli) في منح الجنسية، فالأطفال المولودون لأبوين فرنسيين يحصلون على الجنسية تلقائياً، في حين يمكن للأطفال المولودين في فرنسا لأبوين أجنبيين الحصول على الجنسية الفرنسية بشروط معينة، مثل الإقامة الطويلة في فرنسا والتوافق مع المعايير الثقافية واللغوية.

اقترح رئيس حزب التجمع الوطني "جوردان بارديلا" إجراء تغييرات جوهرية على قانون الجنسية، تشمل إلغاء حق الأرض لحرمان الأطفال المولودين في فرنسا لأبوين أجنبيين من الحصول على الجنسية الفرنسية، كما يعمل مع شركائه من اليمينيين على تشديد شروط الإقامة وزيادة صعوبة الاختبارات اللغوية والثقافية لضمان اندماج المهاجرين بشكل كامل، مع ضرورة إجراء ما أسموه تدقيقاً أمنياً للتأكد من عدم وجود ارتباطات بجماعات متطرفة، ولا يخفى على أحد أن مثل هذه السياسات يعدّ انتهاكاً لحقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية التي تضمن المساواة والعدالة.

إن احتمالية تمرير قوانين تقييد الحصول على الجنسية الفرنسية تعتمد بشكل كبير على نتائج الانتخابات التشريعية، ففي حال فوز اليمين المتطرف بأغلبية في البرلمان، فإن الاحتمال يصبح مرتفعاً، نظراً لدعم قاعدة الناخبين اليمينية لهذه السياسات وفي حال عدم حصول اليمين المتطرف على الأغلبية المطلقة، فقد يسعى إلى تشكيل تحالفات مع أحزاب أخرى لتمرير التشريعات المقترحة، لكن من المتوقع أن تواجه هذه المقترحات معارضة قوية من الأحزاب اليسارية ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، مما قد يعقد عملية تمريرها.

فوز اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية يمكن أن يغير بشكل جذري سياسات الهجرة والجنسية في فرنسا.

تظل قضية تقييد الحصول على الجنسية الفرنسية موضوعاً حساساً ومعقداً، يتداخل فيه السياسي بالاجتماعي والإنساني. غير أن فوز اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية يمكن أن يغير بشكل جذري سياسات الهجرة والجنسية في فرنسا، ويسبب تداعيات بعيدة المدى على المجتمع الفرنسي ككل لا على اللاجئين فحسب، إذ إن السياسات التمييزية قد تؤدي إلى تصاعد الاحتجاجات والمظاهرات من طرف الجماعات المتضررة، وقد يتزايد الاحتقان في المجتمع الفرنسي المتوتر أصلاً في السنوات الأخيرة مما يعزز عدم الاستقرار الاجتماعي.

وقد تنعكس هذه النتائج على الوضع الاقتصادي لتزيد حدة الفقر والتهميش لأن القوانين التمييزية ستزيد من محدودية فرص العمل للوافدين، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر بينهم ليؤدي في النهاية إلى زيادة الاعتماد على المساعدات الاجتماعية، التي ستشكل عبئاً إضافياً على الاقتصاد الفرنسي.

أما على صعيد الأمن الداخلي فقد يؤدي التهميش الاجتماعي إلى زيادة معدلات الجريمة وانتشار الجماعات المتطرفة، ومع التوترات المتزايدة قد يصبح من الصعب الحفاظ على الأمن والنظام، كما سيؤدي التمييز إلى انقسام المجتمع إلى فئات متنافسة، فيضعف الشعور بالهوية الوطنية المشتركة بسبب الظلم الاجتماعي المتزايد.

يعد المجتمع الفرنسي متميزاً بتعدديته الثقافية، لكنها تبدو في خطر محدق في حال فشل الاندماج بسبب القوانين التمييزية التي تعيق جهود الاندماج الثقافي والاجتماعي، وتؤدي إلى خلق مجتمعات موازية تعيش في معزل عن بعضها البعض، كون التمييز يعزز من الشعور بعدم العدالة وعدم المساواة، وهذا من شأنه أن يقوّض التضامن الاجتماعي والثقة بين مختلف فئات المجتمع.

قد يبدو للفرنسيين في ظلّ تزايد حدة رفض وجود اللاجئين أن مثل هذه القوانين ستحمي المجتمع الفرنسي، لكنها لا يمكن أن تخدم سوى مصالح الأحزاب المتطرفة التي تستغل الاستياء من السياسات التمييزية لتعزيز دعمها السياسي بزيادة الاستقطاب.

الأمر الأكثر صعوبة أن تصاعد التوترات الاجتماعية والسياسية قد يؤدي إلى صعوبات في الحكم وإدارة البلاد بفعالية، وقد يحكم البلاد بتغييرات متكررة في السياسات، بسبب مواجهة صعوبات في تنفيذ سياسات مستدامة ومتماسكة في ظلّ عدم الاستقرار والضغوط المتزايدة من مختلف الأطراف.

إن القوانين التمييزية بين المواطنين والوافدين لا يمكن أن تؤدي إلى أزمات في أوساط اللاجئين فحسب، بل يمكن أن تؤدي إلى تداعيات سلبية بعيدة المدى على استقرار الدول بشكل عام، وهو أمر يتنافي مع حقوق الإنسان والمعاهدات والمواثيق التي وقعت عليها تلك الدول ومبادئ العدالة والمساواة المصونة في الدساتير المعمول بها.