هناك نكتة جديدة بدأ السوريون العالقون في الداخل اليوم بتداولها مع حلول شهر رمضان، إذ اخترعوا اسم مسلسل وهمي، "في انتظار الكهرباء"، ليجيبوا به على السؤال الذي يتردد كل عام في سوريا بهذا التوقيت: "أي مسلسل أحببتموه أكثر"؟ ليتهكموا على الحال المزرية التي وصلوا إليها، وينتقدوا ازدياد ساعات التقنين، التي وصلت إلى خمس ساعات انقطاع مقابل ساعة واحدة من الوصل.
هذه النكتة انتقلت من الشارع السوري إلى فضاء وسائل التواصل الاجتماعي وانتشرت كالنار في الهشيم، لتكون مؤشراً واضحاً على تراجع أعداد السوريين المتابعين للدراما السورية، في الوقت الذي تروّج فيه وسائل الإعلام الرسمية منها والبديلة، لفرضية صحوة الدراما السورية من كبوتها وعودتها إلى المسار الصحيح بعد سنوات من التراجع.
لا شك أن الدراما السورية في هذا الموسم تشهد نهضة من نوعٍ ما، تمثلت بعودة العديد من نجوم الصف الأول إلى الشاشة الرمضانية بعد غياب طويل، مثل: أيمن زيدان وسامية الجزائري. بالإضافة لازدهار الإنتاج مجدداً وغزارته، إذ شهدت هذه السنة افتتاح شركات إنتاج جديدة وعودة بعض الشركات التي توقفت عن إنتاج الدراما السورية لما يقارب عشرة أعوام، مثل شركة "عاج". لكن هذه المؤشرات لا تعني إطلاقاً أن الدراما السورية قد عادت لسابق عهدها، وإنما شهدت تحولاً جديداً بمسارها الإنتاجي والتسويقي. إذ يبدو واضحاً اليوم أن الدراما السورية في رمضان 2021 لم تصنّع للتسويق في الداخل السوري، بل هي منتجات معدّة للتصدير، تم تصميمها وإنتاجها بمعايير مختلفة، ضمن فضاءات درامية لا تشبه الواقع إطلاقاً.
الفضاء المحايد وتمدين سوريا
بعد متابعة الحلقات الثلاث الأولى من المسلسلات السورية الاجتماعية لهذه السنة، ستشعر أن معظم الحكايات قد نسجت في فضاء درامي محايد، لا يعكس وجه أي مدينة ولا يستند إلى أي مرجعية واقعية. يُذكر بين الحين والآخر اسم شارع أو حديقة، لتدرك أن الأحداث تدور في دمشق، لكن الكاميرات لا تلتقط في الشوارع سوى لقطات نظيفة، وكأنها تصور إعلانا سياحيا للمدينة، إذ تخفي الكاميرات بكوادرها المحدودة صور الأسد والشعارات والأعلام، وتحرص على أن لا تظهر بهوامش المشاهد الخارجية أي مظاهر عسكرية، لتمدّن دمشق التي صبغها نظام الأسد باللون الخاكي (اللون العسكري) وفي المشاهد الداخلية يزداد الوضع غرابةً، حيث تختفي من فضاء الدوائر الحكومية والمؤسسات الإعلامية والحقوقية صور الأسد أيضاً، لتحل مكانها خرائط لسوريا وصور للطبيعة ولوحات فنية! بهذا الشكل تم إعداد الفضاء الدرامي النظيف والمحايد، الذي لا يشبه دمشق أبداً.
الحوارات الفضفاضة والحكايات المبسترة
معظم الحوارات التي نسمعها في الدراما السورية الاجتماعية هذه السنة هي حوارات فضفاضة تحمل في طياتها عشرات الاحتمالات، صممت لتبدو كحوارات مقتضبة وعميقة، لكن الاسترسال بها دائماً يؤدي إلى نفق مظلم يكشف علتها، فهي ليست سوى حوارات فضفاضة وخطابات رنانة وضعت على شخصيات هزيلة لا تلائمها. ومن خلال هذه الحوارات تعبر الشخصيات عن حكاياتها المبسترة، التي تمت معالجتها لتكون خالية من أي فكر. قد يكون مسلسل "على صفيح ساخن" هو الاستثناء الوحيد بين المسلسلات السورية الاجتماعية الخالصة في هذه النقطة، فهو المسلسل السوري الوحيد الذي يبدو فيه الحوار متماسكاً وقادراً على بناء حكاية غنية بالتفاصيل، لكنه يبدو ضعيفاً بدوره إذا ما قارنّاه بالمسلسلات المشتركة، مثل "2020" و"للموت".
شخصيات متشابهة لكنها لا تشبهنا
يبدأ مسلسل "انتقام بارد" بمشهد في عيادة طبيب نفسي، يتحدث فيه المريض عن أزمته، فهو يشعر طوال الوقت بأنه مراقب.
هذا الحوار يبدو مثيراً للسخرية لأبعد الحدود، فشعور الإنسان بأنه مراقب في بلد مثل سوريا هو شعور سائد، كما أن ثقافة زيارة الأطباء النفسيين لمعالجة أزمات من هذا النوع هي ثقافة غريبة عنا كلياً، لكن هذه النماذج من الشخصيات ستجد ما يعادلها في كل المسلسلات السورية الاجتماعية، فالأطباء النفسيون حاضرون في معظم المسلسلات، والمشكلات التي تبوح بها الشخصيات هي غالباً سخيفة وغير قابلة للتحقق في الواقع، فعلى سبيل المثال، تنحصر في "خريف العشاق" و"بعد عدة سنوات" بمشكلات عاطفية تعيشها شخصيات تبحث عن الحب المثالي، بالمقابل لم ترصد الدراما السورية هذه السنة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية التي تسيطر على كل من يعيش بالداخل، والتي باتت موضوعا يوميا تعرضه البرامج الإعلامية على المحطات السورية الرسمية، ليكون التحول الأبرز بمسار الدراما هذا العام أنها باتت أضعف وأبعد عن الواقع من الإعلام السوري الرسمي وأكثر سذاجةً منه.