نشرت المواقع الإيرانية فيلماً وثائقياً مطولاً بعنوان "پرچمدار" يكشف لأول مرة عن معلومات "رفعت السرية عنها" حول مشروع برنامج المسيرات الإيرانية وتاريخه ومراحل تطويره بشكل قصصي بدءاً من انطلاقة المشروع أثناء الحرب العراقية- الإيرانية، مروراً بنشره لدى الوكلاء الإقليميين لإيران في المنطقة، خاصة في سوريا، وانتهاءً بالمشاهد الصادمة لمسيرات (شاهد 136) في القارة الأوروبية خلال الغزو الروسي لأوكرانيا.
يؤكد الفيلم الوثائقي منذ البداية على أن الحاجة العملياتية للقادة العسكريين الإيرانيين لصور حية من أرض المعركة المشتعلة على الحدود العراقية الإيرانية، كان لها دور مباشر في فوز أو خسارة المعركة، ولذلك ألقيت مهمة كسب المعلومات الجوية وكشف التحركات الأرضية للقوات العراقية على عاتق القوات الجوية للجيش الإيراني، التي امتلكت حينها مجموعة من الطائرات الحربية من طراز (إف 4).
لكن، ومع تجهيز الجيش العراقي منظومات دفاعية جوية متطورة، تصاعدت إحصائيات خسائر السلاح الجوي الإيراني، وأصيبت القوات الإيرانية بحالة عماء شبه تام على أرض المعركة.
نقص المعلومات الجوية حول تحركات الطرف العراقي المقابل، دفع الإيرانيين لابتكار طائرة صغيرة بدون طيار تحمل كاميرا تصوير صغيرة من طراز ( كانون إف 1). ويشير الفيلم إلى أن المشروع قد بُدئ بإنشائه على يد كتيبة (رعد) بناءً على مخطط وضعه ما يطلق عليه "الجهاد الجامعي" في جامعة أصفهان.
ويؤكد محمد زنغنه من كتيبة رعد على أن هذه المسيرات الإيرانية كانت حينذاك بدائية للغاية لدرجة أن مخزن وقودها كان مصنوعاً من "كيس سيروم"، ومراوحها الأمامية المصنوعة من الخشب يتم تشغيلها يدوياً.
وبحسب الوثائقي، فقد سقط طائرة إسرائيلية متطورة وقادرة على التهرب من شبكات الرادار (مسيرة هرمس) حول مدينة ميرفان الإيرانية بسبب عطل فني في عام 2001، وهذه كانت نقطة تحول كبيرة في المشروع الإيراني، الذي لم يشهد خطوات تقدمية كبيرة بعد انتهاء الحرب.
(لاحظ أن هذه تختلف عن مسيرة هرمس التي تحطمت بالقرب من نطنز بإيران في آب 2014).
يقول المهندس نصر أصفهاني، أحد مهندسي مجموعة شاهد للصناعات، أن مسيرة هرمس الإسرائيلية تم نقلها لمجموعة شاهد لإجراء عمليات الهندسة العكسية.
وبالفعل تم نقل طائرة هرمس هذه إلى صناعات (شاهد) التابعة لـ "الحرس الثوري الإيراني"، والتي كانت تعمل آنذاك على طائرات الهليكوبتر المأهولة فقط، وأصبحت الأساس في تصميم مسيرات الاستطلاع الإيرانية مثل (شاهد-123 و129 و149).
في عام 2007، استطاعت هذه المجموعة بناء أول مسيرة استطلاعية بعيدة المدى (شاهد 123) واختبارها من خلال إطلاقها من على ظهر مركبة متحركة (بيك آب).
بحسب الفيلم الوثائقي، فإن إحدى المهام الهامة التي استطاعت شاهد 123 تحقيقها هو قدرتها على أخذ صور حية للقواعد العسكرية الأميركية في المنطقة في نهاية العقد الأول من القرن الحالي، وهو ما أثار اهتمام القادة العسكريين الإيرانيين وجعلهم أكثر اهتماماً بمشروع المسيرات الإيرانية، وتطويره ليشمل قائمة المسيرات القتالية.
وفي الوقت الذي كان الإيرانيون يعملون فيه على تطوير صناعة القنابل المحمولة على المسيرات وأنظمة توجيهها، استطاعت قوات الدفاع الجوي في الحرس الثوري، عام 2011، إسقاط مسيرة تجسسية أميركية متطورة من طراز (RQ170) شرقي البلاد.
كانت هذه المسيرة التي أثبتت الصور سقوطها بأقل الخسائر، بمثابة هدية ثمينة أخرى لمجموعة شاهد المتعطشة للحصول على هذه التكنولوجيا.
مع هذه المسيرة، وبحسب الأوامر التي أصدرها حاجي زاده قائد قوة "الجو- فضاء" في الحرس الثوري، استطاعت إيران الحصول على نسخ مشابهة ( شاهد 161، شاهد 191) تستطيع الطيران على ارتفاعات تصل إلى 35 ألف قدم، بعد أن كان الحد الأقصى لها لا يتعدى الـ15 ألف قدم.
سوريا والعراق أول ساحة اختبار عملية للمسيرات الإيرانية
ويوضح الفيلم الوثائقي أن الشرارة الأولى لاستخدام الطائرات بدون طيار الإيرانية في سوريا يعود إلى عام 2011، عندما نُقلت منظومتان من طراز (أبابيل 3) إلى هناك. وفي العامين التاليين (2012-2013)، نقلت إيران مسيرتي صادق وشاهد 121 بهدف نقل الصور الحية من ميدان العمليات الحربية إلى القيادات العسكرية في غرف العمليات.
ويشير حاجي زاده إلى أنه قبل الحرب في سوريا، لم تلقَ مشاركة المسيرات الإيرانية في مهام العمليات القتالية ترحيباً كبيراً من قبل القادة العسكريين الإيرانيين، خاصة قاسم سليماني، في حين رحبوا بها في العمل الاستخباري والتجسسي والحصول على المعلومات الجوية الاستطلاعية.
في هذا الصدد، يؤكد حاجي زاده، الذي يبدو اليوم فخوراً بشكل شخصي بما وصل له هذا المشروع الطموح من نتائج على الأرض، على أن قاسم سليماني لم يكن يثق بهذا المشروع، ووصفه في أحد الاجتماعات بأنه مشروع غير عملي.
وعلى ما يبدو، لم يكن الإيرانيون واثقين من قدرات مسيراتهم بعد، وكانوا قلقين من أن نشاطاتها المتعثرة في سوريا قد تتسبب لهم بإحراج دولي أمام القوى الموجودة على الأرض السورية كروسيا والولايات المتحدة، وهذا ما دفعهم، بحسب ما صرح به أحد المختصين الإيرانيين في هذا المجال، لإنهاء عمليات الاختبار في داخل إيران، واختيار الفنيين اللازمين لإرسالهم إلى مناطق العمليات.
ويقول هذا المتخصص بأن إيران نجحت في إرسال نسخة من شاهد 129 النسخة القتالية إلى المنطقة (مطار حلب الدولي) في عام 2015.
وفي نفس الوقت، يبين حاحي زاده وجود شكاوى صدرت من قبل أحد قادة وحدات المسيرات الإيرانية في سوريا وعائلته، وخوفهم من وقوع بعض الأخطاء والتقصير والعيوب هناك، لكن ذلك لم يمنع الإيرانيين في التقدم بالمشروع.
من وجهة نظر عسكرية، فإن إيران لم تتوانى عن استغلال ساحة قصف واختبار متاحة وبدون عواقب في كل من سوريا والعراق، رغم الخسائر المترتبة على ذلك.
الجدير بالذكر هنا أن إيران فقدت أكثر من سبعة خبراء وفنيين متخصصين في مجال المسيرات، بينهم ضابطان برتبة عقيد، في الهجوم الذي شنته إسرائيل على مطار التيفور العسكري بريف حمص، في نيسان 2018.
وفي تتمة الحديث، يشير الوثائقي الإيراني إلى أن الإيرانيين استطاعوا من خلال شاهد 129 نقل صور حية من مسرح العمليات إلى غرفة العمليات في مقر (نصر 1) في سوريا، لكنهم فشلوا بداية في إصابة أي هدف على الأرض، وهو ما أزعج سليماني بشدة، ودفع الإيرانيين لجلب متخصصين اثنين في مجال القنابل إلى سوريا بعد مدة.
ومنذ تشرين الثاني 2015، يقول أحد المختصين الإيرانيين (ذو لهجة أصفهانية) بأن إيران باتت منخرطة بمسيراتها الاستطلاعية والقتالية المزودة بصواريخ ذات توجيه تلفزيوني على الأرض السورية.
وبحسب المقاطع التي يعرضها الفيلم، كان الإيرانيون يشاهدون عمليات القصف بشكل مباشر حتى لحظة إصابة الهدف، ويؤكد الفيلم على أن إيران أطلقت قرابة 700 قنبلة من مسيرة شاهد 129 في مناطق مختلفة من العراق وسوريا، وهو ما شكل بالفعل نقطة انطلاق في تحول القدرات الإيرانية في مجال المسيرات، بحسب الوثائقي.
مسيرات شاهد الانتحارية ومسيرات تعمل لأغراض الدفاع الجوي
يكشف الوثائقي أيضاً عن الجهود الإيرانية اللاحقة التي أدت في نهاية المطاف لصناعة مسيرة شاهد 136 الشهيرة، مستعرضاً مقطع فيديو للحظة إطلاق طائرات شاهد 136 الانتحارية وضرب الأهداف، مع صور لنسخة المحرك النفاث مع نظام شاهد 136 البصري وإرسال الصور حتى نهاية المسار وإصابة الهدف.
بعد ذلك ينتقل الفيلم للحديث عن صواريخ الدفاع الجوي الإيراني 358، التي يؤكد حاجي زاده على أنها مسيرة تعمل لأغراض الدفاع الجوي. ويظهر الوثائقي فيديو يتم بثه لأول مرة لإسقاط المسيرة الأميركية MQ1 من قبل النظام الدفاعي الإيراني بدون طيار 358، بدون تحديد المكان والزمان.
(يرجّح أن المسيرة الأميركية MQ-1 التي أسقطها الصاروخ الإيراني 358 في هذا الفيديو هي إحدى طائرات بريداتور التابعة للقوات الجوية الإماراتية التي فقدت فوق اليمن، ومن المحتمل أنها الطائرة التي أُسقطت في 25 شباط 2022 في محافظة الجوف).