icon
التغطية الحية

فوائد التعرض للأشعة فوق البنفسجية التي تصدرها الشمس

2024.08.13 | 16:13 دمشق

فتاة تتعرض لأشعة الشمس في الطبيعة - صورة تعبيرية
فتاة تتعرض لأشعة الشمس في الطبيعة - صورة تعبيرية
The Economist- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لطالما اعتبرت عملية التشمس خطراً على الصحة طوال أربعة عقود على الأقل، لأن الخطر الأكبر فيها يكمن في الأشعة فوق البنفسجية التي تصدرها الشمس مع أشعتها الظاهرة، بما أن ذلك قد يزيد من فرص الإصابة بسرطان الجلد، خاصة مع ازدياد عدد الحالات المشخصة بهذا المرض، فضلاً عن التسبب في الهرم المبكر وظهور التجاعيد. وبالنتيجة، صارت معظم الدول المتقدمة تنصح من يأخذون حماماً في الشمس بحماية جلدهم من حرارة النهار عبر استخدام واق شمسي، لاسيما خلال أشهر الصيف.

إن المخاطر التي تسببها الأشعة فوق البنفسجية حقيقية، غير أن دراسة أجريت حديثاً أشارت إلى أن فوائد التعرض لهذا النوع من الأشعة بحاجة لوقت حتى تدرس، ووفقاً لدراسة نشرت مؤخراً في مجلة الصحة والمكان، فإن زيادة التعرض للأشعة فوق البنفسجية يقلل من تعرض الأشخاص للوفاة بسبب أمراض القلب والشرايين أو بسبب السرطان. كما أن خطر الوفاة بسبب سرطان الجلد الذي يعرف باسم ميلانوما والذي يعتبر الشكل الأشد فتكاً من هذا النوع من السرطان، لم يتغير بشكل ملحوظ عند التعرض للأشعة فوق البنفسجية، وعلى الرغم من أن دراسات أجريت على نطاق أضيق أشارت إلى ظهور تلك الفوائد الصحية، تعتبر هذه الدراسة أكبر دراسة كشفت عن وجود علاقة مباشرة ما بين التعرض للأشعة فوق البنفسجية وإطالة العمر.

المؤشر الموثوق: فيتامين د

ولإجراء التحليل، استعان الباحثون من جامعة إدنبرا ببيانات أخذت من أكثر من 360 ألف شخص جمعتهم قاعدة بيانات بيوبانك البريطانية، فحدد الخبراء مجموعتين يحتمل تعرض أفرادهما لنسبة كبيرة من الأشعة فوق البنفسجية، إذ ذكر أفرادهما بأنهم خضعوا لعمليات تسمير البشرة بالاستعانة بأجهزة مخصصة لذلك أو بمصابيح تحاكي نور الشمس، إلى جانب الأشخاص الذين يعيشون في أماكن تنال قسطاً أوفر من نور الشمس. وللتحقق من صحة فرضياتهم حول تعرض الأفراد للأشعة فوق البنفسجية، درس العلماء نسبة فيتامين د ضمن مجموعة فرعية ضمت عينات مأخوذة من دم المشاركين. وبما أن فيتامين د يتركب في الجلد بوجود أشكال معينة من الأشعة فوق البنفسجية، أصبح هذا الفيتامين مؤشراً موثوقاً على التعرض للشمس.

بعد ذلك درس الباحثون معدلات الوفاة لدى المشاركين في الدراسة مع تصحيح عوامل محيرة أخرى مثل العمر والنوع الاجتماعي وهل الشخص مدخن أم لا، والوضع الاجتماعي-الاقتصادي للمشاركين (لأن من يعيشون في أجواء تنعم بشمس أكثر يعتبرون أشد ثراء في بريطانيا)، كما صححوا النتائج بالنسبة لعامل ممارسة التمارين الرياضية، بما أن بعض من يسعون وراء نور الشمس قد يعيشون حياة صحية أكثر خارج بيوتهم.

كشف التحليل أن من خضعوا لعمليات التسمير بالأجهزة أقل عرضة للوفاة بمرض قلبي أو وعائي بنسبة 23%، كما أنهم أقل عرضة للوفاة بالسرطان بنسبة 14%، مقارنة بمن لم يستعينوا بتلك الأجهزة لتسمير بشرتهم. كما لوحظت أمور مماثلة تبعاً للمكان الذي يعيش فيه المرء، لأن من يعيش في منطقة ترورو مثلاً سيتعرض لنسبة زيادة وسطية تعادل 25% من الموجات الشمسية القصيرة مقارنة بمن يعيش في غلاسكو أو إدنبرا، وفي تحليل الفريق البحثي، ترجم ذلك إلى تراجع خطر الوفاة بمرض قلبي أو وعائي بنسبة 19% وتراجع خطر الوفاة بالسرطان بنسبة 12%. أي بمعنى أصح، يمكن القول إن من استعانوا بأجهزة لتسمير بشرتهم عاشوا لمدة أطول وسطياً تعادل 48 يوماً مقارنة بمن لم يستعينوا بتلك الأجهزة وذلك على مدار 15 سنة خضعوا في أثنائها لهذه الدراسة. ويمثل العدد بالنسبة لمن يعيشون في مناطق تتلقى نسبة أكبر من أشعة الشمس 28 يوماً.

وبحسب أحد القائمين على الدراسة واسمه ريتشارد ويلار، فإن معظم إرشادات التعرض للأشعة فوق البنفسجية بقيت تركز بصرامة حتى الآن على الوقاية من سرطان الجلد من نوع ميلانوما، وهذا ما دفعه للقول: "لقد زاد عدد من يتوفون بسبب أنواع سرطانات أخرى وبسبب أمراض أخرى، ولهذا علينا أن نفكر بالطريقة التي يمكنهم من خلالها الاستفادة من الأشعة فوق البنفسجية لتجنب الإصابة بالأمراض".

عامل حمض النتريك

لم تعرف حتى الآن الآلية التي يمكن من خلالها للأشعة فوق البنفسجية أن تطيل الأعمار، ولهذا يعتقد الباحثون أن أحد التفسيرات يكمن في قدرة فيتامين د على تعزيز الجهاز المناعي وتحسين صحة العظام، كما أشاروا إلى حمض النتريك، الذي يعمل على توسيع الأوعية الدموية، وخفض ضغط الدم وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ولقد أظهر البحث الذي نشر في مجلة Investigative Dermatology عام 2014 أن حمض النتريك يتحرر في خلايا الجلد التي تتعرض بشكل متوسط لشيء من الأشعة فوق البنفسجية، ويساعد ضوء الشمس على انتقالها إلى جهاز الدوران حيث تعمل على تعزيز الصحة، ولهذا يأمل الخبراء أن توضح الدراسات التي ستجري مستقبلاً العلاقة السببية بينهما.

وهنالك تساؤلات أخرى بحاجة إلى إجابات، لأن من اشتغلوا على أحدث ورقة بحثية لم يتمكنوا من تحليل سوى حياة فئة قليلة من الأفراد الذين يعيشون في بريطانيا، إذ قد تظهر آراء مختلفة تجاه أخطار التعرض لأشعة الشمس وفوائدها في مناطق أخرى، وبالنظر إلى بنية البيانات، لم يتمكن الباحثون أيضاً من التحكم بعامل استخدام الواقي الشمسي.

عامل لون البشرة

والأهم من كل ذلك هو أنهم حصروا تحليلهم بمشاركين معظمهم ينتمون إلى العرق الأوروبي الأبيض، وذلك ليضمنوا حالة الاتساق في الاستجابة للأشعة فوق البنفسجية، ويعلق على ذلك الدكتور ويلار فيقول: "نعرف بأن لون الجلد يؤثر على استجابة الجسم للأشعة فوق البنفسجية، لكننا لم نعرف بعد كيف يحصل ذلك لأن علينا أن نجري مزيداً من الدراسات في هذا المجال". وبما أن الأشخاص الذين يتمتعون ببشرة أشد سمرة أكثر عرضة للإصابة بنقص فيتامين د، لذا بات من الضروري جداً إجراء مزيد من الأبحاث حول آثار التعرض للأشعة فوق البنفسجية على هذه الفئة من الناس وذلك برأي فرانك دي غرويجل، وهو أستاذ فخري لأمراض الجلد بالمركز الطبي التابع لجامعة لايدن، ويعلق على ذلك بقوله: "علينا أن نبحث في علم الأحياء لنحدد الآليات الأساسية".

سبق أن أضيفت تعديلات على دليل التعرض لأشعة الشمس، إذ في شهر شباط أصدرت الحكومة الأسترالية إرشادات جديدة حول السلامة من الشمس، صدقت عليها هيئات صحية كان من بينها مجلس السرطان في أستراليا وكلية أطباء الجلد الأستراليين، وذلك لتعبر عن احتياجات الأستراليين الذين يتمتعون ببشرة أشد سمرة. في حين ما يزال الأستراليون الذين يتمتعون ببشرة أفتح يُنصحون بحماية أنفسهم من الشمس في جميع الأوقات، أما أصحاب البشرة الداكنة فيجب عليهم أن يحموا أنفسهم فقط عندما يتعرضون للشمس لفترة طويلة.

قد يدفع هذا البحث الجديد العلماء والخبراء في المجال الصحي في كل مكان إلى البحث بشكل أكبر عن فوائد التعرض للأشعة فوق البنفسجية مقابل الأخطار التي تسببها، بحيث يمكنهم أن يخرجوا مستقبلاً بنصائح أشد دقة حول كيفية حماية مجموعات مختلفة من البشر لنفسها عند التعرض للشمس، ولكن خلال الوقت الراهن يتفق الخبراء على أن هذه الدراسة لم تتحول إلى رخصة يجوز بموجبها عدم استخدام الواقي الشمسي.

 

المصدر: The Economist