ما زال الرعب يتملك كثيرا من السوريين في مناطق سيطرة النظام، بعد الزلزال المدمر الذي ضرب عدة مناطق في سوريا وجنوب تركيا في 6 شباط الجاري، حيث شعر به سكان محافظتي دمشق وريف دمشق بشكل كبير جداً.
ويخشى بعض القاطنين في مناطق سيطرة النظام السوري من وقوع منازلهم فوق رؤسهم في حال عاد الزلزل بقوة خصوصاً مع الهزات الارتدادية التي لا تتوقف.
ورصد موقع "تلفزيون سوريا" آراء أشخاص ومختصين بموضوع إمكانية صمود البيوت في دمشق وريفها أمام زلزال مدمر شبيه بالذي حدث بتركيا أو قريب من درجاته.
ويعتقد البعض أن مؤشر الفساد المستشري في عموم سوريا خلال العقدين الماضيين يجعل الناس متخوفة من أي فحوصات مرتبطة بالزلازل لأن معظم الموظفين يرتشون ويمكن تمرير أي معاملة مقاولات بأي بلدية في سوريا ببساطة.
كما يخشى كثير من القاطنين في أحياء عشوائية من الكشوفات التي قد تخرجهم من بيوتهم، خاصة أن عدة بلديات في محافظتي حلب وحمص أسقطت منازل يخشى انهيارها في حال حدوث زلزال أو هزات ارتدادية عنيفة.
بيوت مقصوفة
ورغم أن نسبة العمران انخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2012 حتى 2023 بسبب العمليات العسكرية التي كان يقودها النظام السوري في طول البلاد وعرضها، والقصف الممنهج وعمليات تهجير الملايين من السوريين وإفراغ المدن منهم عبر عمليات تغيير ديموغرافي.
وتعتبر البيوت في مناطق ريف دمشق التي تعرضت لقصف مستمر بين عامي 2012 و2018 خطرة جداً لأن العديد منها متصدع ولم يتم الكشف الدقيق عليها للتأكد من حالتها إن كانت آمنة للسكن أم لا.
ويوجد في سوريا نوعان من المباني، الأول داخل المخطط التنظيمي، ويتم بناؤه وفق رخصة تتضمن دراسة هندسية، أما النوع الثاني فيشمل أبنية خارج المخطط، ويطلق عليها أيضاً تسمية عشوائيات أو مخالفات، ولا تخضع لرقابة هندسية حين الإنشاء.
كما أن البلديات أو مؤسسات الإدارة المحلية في سوريا تحدد عمر البناء حين منح الرخصة بين 50 إلى 100 سنة، وذلك تبعاً لخططها المستقبلية حول المنطقة، إذ يحق لها هدم البناء بعد انتهاء "عمره"، وفي حال تم تدعيم بناء ينخفض عمره المتفق عليه إلى النصف قانوناً.
غياب الرقابة الحقيقية
وقال المهندس المدني عمر جمراني، إن "الأحياء العشوائية في سوريا عموماً ودمشق خصوصاً ستكون الأكثر ضرراً في حال حدوث زلزال (لا قدر الله)، لأنها بيوت بالغالب بنيت بشكل عشوائي ودون تخطيط هندسي علمي، وقد تتصدع من الزلازل الخفيفة دون أن يدري سكانها فإن حدث زلزال قوي انهارت بسرعة".
وأضاف في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" أن الضعف الأساسي في البناء يأتي من غياب الرقابة الحقيقية من قبل الحكومات للتحقق من قانونية إنشاء المباني، بحيث لا تكون خططاً مرسومة ومكتوبة فقط على الورق، بل منفذة على الأرض كما وردت في المخططات التي حصلت على الموافقة".
ولفت إلى أن "تكاليف تدعيم البيت ليكون مقاوماً للزلزال غير مكلف بشكل كبير، ولكن بعض المقاولين الفاسدين أو الموظفين المرتشين لا يضعون الكميات الكافية لربح نسبة أكبر، ما يجعل تلك البيوت قبوراً لأصحابها".
وبالنظر إلى أن أكثر ضحايا الزلزال من المناطق الفقيرة والمهمشة عادة، يكون المسؤول الأول عن ذلك هي الحكومات التي لم تمنع استمرار تمدد هذه العشوائيات، وهذا ما يحصل في سوريا، حكومة النظام السوري عليها مسؤولية مباشرة في تهدم كل الأبنية في حلب وريف حلب واللاذقية وجبلة وريف إدلب، خاصة أن معظم تلك البيوت شيدت قبل عام 2011، بحسب جمراني.
"الناس محقة بتخوفاتها"
ويرى المهندس السوري أن الناس محقة في تخوفاتها لأن الوضع في سوريا عموماً غير منطقي، لا شك أن البيوت التي بناها أصحابها وفق آراء مهندسين وخطط مرسومة ووضعوا كل المواد المطلوبة وضعهم أفضل، لكن هناك مشاريع سكنية كاملة لا يمكن البت بصلاحيتها حتى نظام الكشف عنها في سوريا غير واضح هذا إن كان موجوداً بالأساس حالياً.
وما حدث في شمال سوريا متصل إلى حد بعيد بالقصف الذي أضعف البيوت التي من الممكن أنها كانت ضعيفة بالأساس لأنها بنيت في زمن فاسد بدون رقابة وزارية حقيقية على البلديات المحلية.
من جانبه قال هاني بسام، أحد المتخوفين من وضع منزله في ريف دمشق، أنه لحظ بعض الشقوق في بيته لم تكن موجودة قبل الزلزال ولكنه لا يعرف كيف سيتصرف في هذه الحالة، هل يذهب إلى البلدية ويخبرهم.
وأضاف بسام لموقع تلفزيون سوريا، أن الطبيعي أن تقوم وزارة الإدارة المحلية والمحافظات والبلديات بإجراء كشوفات على سلامة البيوت بعد الزلزال خصوصاً مع حالة الذعر التي يعيشها الناس، ولكن ذلك لا يحصل تلقائياً.
في كثير من الأحيان تحدث حالات تحايل من المقاول، بحيث يستغني عن ضمان تنفيذ شروط مهمة لسلامة المبنى، حرصاً على التوفير المادي الكبير دون النظر إلى المخاطر المستقبلية.
كم متوسط عمر البيوت؟
من جهتها، قالت منى عبد الرحمن، والتي درست في معهد هندسي قبل 45 سنة، إن المخاطر في سوريا كبيرة، أنا حالياً في بيت قد يكون مهدد للسقوط بأي لحظة في حال ضرب زلزال بقوة 6.5 فما فوق.
وأضافت في حديث لموقع "تلفزيون سوريا"، أنا لا أعمل في مجالي منذ زمن طويل، وقد يكون هناك تغيرات كبيرة حصلت في علوم الهندسة العمرانية ولكن تجب الإشارة إلى أمر هام أن الأساسيات ما زالت نفسها.
وأكّدت أن المتعارف عليه، أن متوسط عمر الأبنية المصنوعة من الإسمنت بمقاييس جيدة وكاملة هو 50 سنة، يعني أن بيوت وأبنية دمشق في معظمها يحتاج التأكد من قوتها ويجب أن تخضع لسلسلة إصلاح عمراني.
وترى عبد الرحمن أن التلاعبات بالخطط الإنشائية لا شك موجودة، وقد تسقط الأبنية الجديدة من دون زلزال، حيث تتأثر الأرض بالجفاف والعوامل المناخية وحتى التفجيرات التي كانت تحصل باعتبارها قد تسبب ضغطاً هائلا على الأبنية المحيطة.
ولا تقلل الخبيرة في المجال الهندسي من أهمية الكشف عن حالة البيوت في سوريا بل تحض عليها، ولكن ذلك يحتاج إلى فرق مختصة وعمليات أخذ عينات وتحليل قد تطول لأشهر.
في مقابل ذلك ترى أن مثل هذه المهمة في سوريا قد لا تنفذ بشكل احترافي لغياب الجهات الحكومية الفاعلة، موضحة: "هناك دور على الخبز والكازيات وانعدام للكهرباء، الوضع كارثي من دون زلزال، يعني من دون دف عم نرقص، لذلك من يعرف مهندساً خاصاً يمكن أن يستشيره ويجري دراسات على بنائه على حسابه فليفعل بسرعة".