icon
التغطية الحية

فرنسا نحو تشديد سياسات الهجرة.. حكومة بارنييه تواجه تحديات كبرى

2024.09.30 | 20:03 دمشق

آخر تحديث: 30.09.2024 | 20:03 دمشق

وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو (إلى اليسار) وهو يتحدث إلى رئيس الوزراء الفرنسي ميشيل بارنييه (إلى اليمين) خلال لقائهما يوم الجمعة بباريس- تاريخ الصورة: 27 أيلول 2024
وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو (إلى اليسار) وهو يتحدث إلى رئيس الوزراء الفرنسي ميشيل بارنييه (إلى اليمين) خلال لقائهما يوم الجمعة بباريس- تاريخ الصورة: 27 أيلول 2024
The Associated Press- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تعتزم الحكومة الفرنسية الجديدة اتخاذ موقف متشدد إزاء قضايا الهجرة في وقت تعهد كبار المسؤولين بالحد من أعداد من يدخلون البلد ويبقون فيها بشكل غير شرعي.

بعد الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة في شهر حزيران الماضي، عين الرئيس إيمانويل ماكرون ميشيل بارنييه رئيساً للوزراء، وهو شخصية معروفة بموقفها المحافظ منذ أمد بعيد وينتمي إلى حزب الجمهوريين، وذلك على أمل أن يتعاون هذا الشخص الذي تفاوض على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع الهيئة التشريعية المنقسمة على ذاتها وذلك لإنهاء حالة الاضطراب السياسي التي عصفت بالسياسة الفرنسية خلال الأشهر القليلة الماضية.

انقسامات وتكتلات

ولكن لا تتمتع حكومة بارنييه التي يغلب عليها المحافظون والوسطيون، بأغلبية في البرلمان، ولهذا يرجح لجهودها الساعية لتمرير أي قانون جديد بأن تلقى معارضة كبيرة، قد تصل حد المنع والعرقلة. أما المجلس الوطني فقد انقسم اليوم إلى ثلاثة تكتلات سياسية كبرى، وهي الجناح الأيسر المتمثل بالائتلاف اليساري للجبهة الشعبية الجديدة، أي حلفاء ماكرون من الوسط الذين أبرموا اتفاقاً مع المحافظين، وحزب التجمع الوطني اليميني المتطرف وهو أكبر حزب ضمن المجلس الجديد.

هذا وسيرسم رئيس الوزراء الجديد معالم أولوياته في خطاب السياسة العامة الذي من المزمع أن يلقيه يوم الثلاثاء القادم أمام المجلس الوطني.

في مقابلات متلفزة أجريت مؤخراً، انتقد بارنييه وضع الحدود الفرنسية التي وصفها بأنها أشبه بغربال، وأعرب عن قلقه تجاه تدفق المهاجرين بشكل غير منضبط، وتعهد بالحد من الهجرة، واستشهد بإجراءات اتخذتها دول الجوار مثل ألمانيا التي زادت من القيود التي فرضتها على كل حدودها البرية في مطلع هذا الشهر.

استنكر المعارضون موقف حكومة بارنييه من الهجرة ووصفوه بأنه تأثر بمقترحات حزب التجمع الوطني، بما أن بقاءها يعتمد على حسن نية الحزب.

هذا وبوسع النواب من اليمين واليسار إرغام الحكومة برمتها على الاستقالة شريطة موافقة النواب على تصويت لحجب الثقة عن الحكومة.

من جهتها، قالت مارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني بأنها لن تسعى لخذل الحكومة الجديدة في الوقت الراهن، بل ستنتظر حتى ترى بوادر أفعالها. وفي مقابلة أجرتها معها صحيفة لا تريبون-ديمانش قالت: "لا أحد ينكر بأنه لدى ميشيل بارنييه على ما يبدو التقييم نفسه الذي لدينا تجاه الهجرة".

الحد من الهجرة

تمثل موقف بارنييه المتشدد في تعيين برونو ريتايو وهو شخصية محافظة معروفة بخطابها القاسي تجاه المهاجرين ليصبح وزير الداخلية الجديد، وقد أعرب ريتايو عن نيته بالحد من أعداد المهاجرين خلال هذا الأسبوع، إذ قال بأنه سيعمل على إصلاح وضع المساعدات الطبية التي تقدمها الدولة الفرنسية والتي تشمل نفقات الرعاية الصحية التي تصرف على المهاجرين غير المسجلين، وذكر بأن تلك المساعدات يجب أن تقتصر على الحدود الدنيا من الرعاية الطبية العاجلة طوال السنين القادمة.

ولذلك، وقع ثمانية وزراء صحة سابقين من اليسار والوسط واليمين على عريضة نشرتها صحيفة لوموند الفرنسية طالبوا من خلالها الحكومة بالإبقاء على المساعدات الطبية التي تقدمها الدولة وذكروا بأن الحد منها سيعرض منظومة الرعاية الصحية في فرنسا لضغط كبير، لأن ذلك سيؤدي إلى تقديم الرعاية للأشخاص في مرحلة متأخرة، أي عندما يسوء وضعهم الصحي وتصبح نفقات معالجتهم أعلى بكثير.

بيد أن ريتايو قال بإنه سيحاول تشديد القيود العشوائية على الحدود، عبر إعادة تفعيل قانون يقضي بفرض غرامات تصل حد السجن على من يلقى القبض عليه متلبساً وهو يدخل الأراضي الفرنسية بشكل غير قانوني، وذكر بأنه سيسعى لإبرام اتفاقيات مع دول في شمالي إفريقيا، وعلى رأسها المغرب، وذلك حتى تحتجز تلك الدول المهاجرين لديها قبل أن تطأ أقدامهم فرنسا.

تحول لليمين يقلق المجتمع المدني

استنكر يان يانزي التحول الذي جرى العمل عليه قبل وقت طويل في فرنسا باتجاه اليمين، بما أن هذا الرجل عمل في مساعدة المهاجرين منذ عام 2015 عندما ظهرت أزمة لجوء في أوروبا وصل خلالها أكثر من مليون لاجئ إلى الاتحاد الأوروبي، ومعظم المهاجرين وقتئذ قدموا من سوريا والعراق.

حالياً تدير منظمة يانزي غير الربحية واسمها Utopia 56 مأوى مؤقتاً يقع في ضواحي باريس كما تعمل على تنسيق جهود مئات من المتطوعين بصورة يومية في مختلف المناطق الفرنسية.

ويخبرنا هذا الرجل بأن حزب التجمع الوطني كان مايزال على الهامش قبل عقود خلت، لكنه صعد بفضل خطابه الذي ذكر فيه بأن الترحيب بالمهاجرين لابد أن يزيد أعداد الأجانب القادمين إلى البلد بشكل كبير، وهذا بدوره سيخرب المجتمع الفرنسي، وقد تفشى هذا الفكر ببطء وبشكل مطرد ضمن بقية الأحزاب، حتى اليسارية منها برأي مانزي.

ويرى مؤسس هذه المنظمة غير الربحية بأن المهاجرين أصبحوا يعيشون ظروفاً أقسى في فرنسا وبقية أوروبا، وأضاف: "إن الرسالة الموجهة للذين يحاولون القدوم إلى البلد واضحة تماماً ومفادها: لم نعد نرحب بكم".

إجراءات لا تحتاج لسن قانون جديد

قد يكون من الصعب تنفيذ بعض المقترحات لوقف الهجرة، بما أنها يجب أن تمرر من خلال البرلمان المنقسم بالأصل في حين تبدو مقترحات أخرى مناقضة لقوانين الاتحاد الأوروبي مثل تلك المقترحات التي تسعى لتغريم المهاجرين وفرض عقوبات عليهم عند دخولهم لفرنسا بشكل غير شرعي.

اقترح بارنييه خلال حملته الانتخابية عندما رشح نفسه للرئاسة في عام 2022 بأنه يجب على فرنسا إيجاد سبل للالتفاف على أحكام محكمة العدل الأوروبية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ولكن كل تلك المطالبات ذهبت أدراج الرياح، بيد أن رئيس الوزراء وريتايو يرون بأنه مايزال بالإمكان اتخاذ إجراءات من دون سن قوانين جديدة، مثل تلك المراسيم والتعليمات التي توجه للإدارات الوطنية والمحلية المسؤولة عن تنفيذ سياسات الهجرة.

ويقول ريتايو بأنه سيعقد اجتماعاً لرؤساء الأقاليم الأكثر تضرراً بمشكلات المهاجرين خلال الأسبوع المقبل وذلك ليطلب منهم: "ترحيل مزيد من المهاجرين وقوننة وضع أعداد أقل منهم".

ويرى منتقدو هذا النهج بأن التحول المتشدد الذي أبدته فرنسا تجاه الهجرة بقي قيد التجهيز والإعداد لفترة طويلة من الزمن.

إذ منذ عام 2017، سنت حكومات سابقة من الوسط تحت حكم ماكرون عدداً من مشاريع القوانين التي تهدف لتضييق القيود على المهاجرين وتسريع عمليات معالجة طلبات لجوئهم، وقد أُقر أحدث مشروع قانون للهجرة في كانون الثاني من هذا العام، ويسعى هذا القانون لتعزيز قدرة فرنسا على ترحيل الأجانب غير المرغوب بوجودهم على أراضيها.

كما شدد الرئيس الفرنسي المحافظ السابق، نيكولا ساركوزي، والذي حكم ما بين عامي 2007-2012، على سياسة هجرة أشد تضييقاً وصرامة وذلك خلال سعيه لاستقطاب الناخبين وسرقتهم من اليمين المتطرف.

يذكر أن فرنسا شهدت في عام 2023 تسجيل 145 ألف طلب لجوء جديد، مقارنة بالـ115 ألف طلب في عام 2022، وذلك بحسب إحصائيات وزارة الداخلية الفرنسية، ويعتبر هذا العدد أعلى عدد سجل لطلبات اللجوء منذ عام 2016، وتصنف فرنسا في المرتبة الثالثة في الاتحاد الأوروبي في استقبال اللاجئين بعد ألمانيا التي سجل فيها 351 ألف طلب جديد، وإسبانيا التي سجل فيها 160 ألفاً.

 

المصدر: The Associated Press