أصدر القضاء الفرنسي يوم الأربعاء الماضي، 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أربع "مذكرات توقيف" دولية بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية من جراء هجمات بغاز السارين استهدفت مدينة دوما ومنطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق في صيف عام 2013، ما أسفر عن مقتل أكثر من 1000 شخص.
ولأول مرة، تستهدف مذكرات التوقيف رأس النظام السوري، بشار الأسد، إلى جانب شقيقه ماهر، القائد الفعلي للفرقة الرابعة، فيما طالت الأخيرتان، العميد غسان عباس، مدير الفرع 450 من مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، وضابط الاتصال بين "القصر الجمهوري" ومركز البحوث العلمية ومستشار الأسد للشؤون الاستراتيجية، العميد بسام الحسن.
قرار القضاء الفرنسي، جاء في أعقاب تحقيق جنائي من قبل قضاة التحقيق الفرنسيين في الوحدة المتخصصة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التابعة للمحكمة القضائية في باريس، حول الهجومين بالأسلحة الكيميائية في آب/ أغسطس 2013، حسب المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM)، والذي فتح التحقيق بناءً على شكوى جنائية مقدمة من قبله، ومن قبل ضحايا سوريين في آذار/ مارس 2021، بالاستناد إلى شهادات من ناجين وناجيات من "هجوم الكيماوي".
الشكاوى المقدمة لاقت دعم "الأرشيف السوري" و"مبادرة عدالة المجتمع المفتوح"، ومنظمة "المدافعين عن الحقوق المدنية"، التي انضمت إلى التحقيق كأطراف مدنية، بالإضافة لأعضاء من "رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية" (AVCW).
قرار تاريخي.. ما تأثيره على النظام ومستقبله؟
وفقاً لمؤسس ومدير (SCM)، المحامي مازن درويش، "يشكل إصدار القضاء الفرنسي لمذكرات التوقيف بحق رأس الهرم بشار الأسد ومعاونه سابقةً قضائيةً تاريخيةً، ونصراً جديداً للضحايا وعائلاتهم وللناجين والناجيات، وخطوة جديدة على طريق العدالة والسلام المستدام في سوريا". مضيفاً "قال قضاة التحقيق في فرنسا كلمتهم في هذا النوع من الجرائم، لا حصانة لأحد".
ويرى المفكر والسياسي السوري برهان غليون أن مذكرة التوقيف الفرنسية تقطع الطريق على أي آمال للأسد ليستمر في السلطة وتفتح الطريق أمام ملاحقته من قبل محاكم دولية أخرى.
ويقول غليون، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: تعد المذكرة ذات بعد رمزي وسياسي كبير بالرغم من أن إمكانية محاكمة نظام الأسد عمليا ليست متوفرة وفق المعطيات الحالية، ولكنها تضعف موقفه التفاوضي مستقبلاً وتزحزح ثقة حاضنته بقدرته على الاستمرار.
ويضيف أن المذكرة هي تأكيد جديد على أن بشار وزمرته أصبحوا متهمين بجرائم، فهم مجرمون قبل أن يكونوا سياسيين أو قادة أو حكاما، لذلك فإن لهذه الاتهامات قيمة رمزية وسياسية مهمة.
كما تعزز المذكرة قضية السوريين الذين يواجهون حكمه ويضعف موقفه في المفاوضات القادمة التي يراد تجديدها أو إعادة إطلاقها ويدمر سردية النظام عن الثورة والصراع السياسي في سوريا، بحسب غليون.
ويرى المفكر والسياسي السوري، أنه من المفروض أن تزيد المذكرة الفرنسية من شك السوريين الذين يخضعون لسلطته في احتمال استمراره أو تجديد حكمه كما يحاول أن يشيع.
ويدعو غليون المعارضة السورية إلى استثمار هذا المناخ المتنامي في أروقة المحاكم الدولية لجره إلى قفص الاتهام ومحاكمته.
تقييد الأسد
كذلك يصف مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فضل عبد الغني، القرار بأنه "تاريخي".
ويقول عبد الغني، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، إن القرار تاريخي كونه يستهدف رأس النظام السوري، فمذكرات التوقيف لا تصدر إلا بناء على تحقيقات يجريها قضاة تحقيق يتوفر لديهم كم كبير من الأدلة.
ويوضح مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أن مذكرة التوقيف بالإدانة الحقوقية دون القضائية، مهمة للغاية، بالنظر للعدد الكبير من اتفاقيات التعاون بتسليم المجرمين الموقعة بين فرنسا ودول أخرى حول العالم، ما سيؤدي إلى حرمان الأسد من السفر خشية القبض عليه وتسليمه إلى فرنسا.
أما الأكاديمي السوري والباحث في "مركز حرمون للدراسات المعاصرة"، عبد الله تركماني، يرى أن المذكرة الفرنسية هي تأكيد على أن مجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان لن يتمكنوا من الإفلات من العقاب.
ويقول تركماني، ولكن مذكرة توقيف رئيس النظام السوري تبدو لي معنوية أكثر منها قابلة للتحقق، ومثال ذلك الرئيس السوداني السابق عمر البشير، والذي على الرغم من قرار محكمة الجنايات الدولية باعتقاله لمحاكمته فإنه بقي حتى الآن من دون محاكمة.
ويضيف تركماني، مذكرة اعتقال الأسد في الحالة السورية مرهونٌ تطبيقها بعملية الانتقال السياسي.
وفي هذا السياق، كانت محكمة النقض الفرنسية قد "استجابت لتوصيات النائب العام الفرنسي ونداءات ممثلي الضحايا لتأويل القانون الفرنسي على أنّه يسمح للمسؤولين الفرنسيين بملاحقة مرتكبي جرائم دوليّة ارتُكبت في الخارج. هذان القراران اللذان طال انتظارهما سيكون لهما تأثير على عشرات الشكاوى والتحقيقات المتعلّقة بجرائم دوليّة ارتُكبت ليس فقط في سوريا، (...)"، حسب المتحدثة باسم "التحالف الفرنسي من أجل المحكمة الجنائيّة الدوليّة، بريجيت جوليفي. ما يمهّد الطريق للنظر في شكاوى ضد سوريين متهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مرتكبة في سوريا.
قطع الطريق أمام الأسد
بحسب العضو في هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في سورية، المحامي ميشيل شماس، لمذكرات التوقيف الصادرة، بحق بشار الأسد وشقيقه وضباط آخرين، لمسؤوليتهم عن استخدام أسلحة كيمياوية محظورة بحق المدنيين، أهمية كبرى، نظراً إلى انعكاساتها على المجرمين المتورطين، "وقطع الطريق عليهم" في أن يكون لهم أي دور مستقبلي في سوريا، كما أن الخطوات القضائية الجارية اليوم هي التي ستحدد معايير الحل السياسي في سوريا.
يضيف شماس، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، بما أن القضاء وجّه اتهامه لبشار وزمرته المجرمة، فهذا يعني أنه لن يكونوا جزءاً من الحل في سوريا. كما أن صدور مذكرات التوقيف من قضاء دولة موقعة على اتفاقية الانتربول الدولي، مع أكثر من 195 دولة موقعة على هذه الاتفاقية، وبالتالي فهي ملزمة مبدئياً بتسليم "المتهم" بشار الأسد، "الفار من وجه العدالة" إلى فرنسا، ولن تعرض مصالحها وعلاقتها مع فرنسا للخطر كرمى "لمجرم فار من العدالة".
باب محاسبة نظام الأسد لن يغلق، بحسب "مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فحتى لو توقف الحراك السياسي أو العسكري، فإن النضال ضد هذا النظام والمطالبة بتغييره للانتقال لحكم ديمقراطي لن يتوقف. فهذا النظام ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وبالتالي هو عديم الشرعية، والمطالبة بتغييره حق من حقوق السوريين، وهو مطلبنا الدائم بالاستناد على أدلة وتوثيقات نعمل عليها بشكل يومي.
ويشير عبد الغني إلى أن مصافحة الأسد وإعادة العلاقات مع نظامه، أصبحت من الماضي، بعد أن أصبح متهماً وملاحقاً بجريمة استخدام سلاح دمار شامل، من قبل فرنسا والدول الموقعة معها على اتفاقيات التعاون بتسليم المجرمين، والأخيرة، ملزمة بتنفيذ مذكرة التوقيف الفرنسية، "بشحن الأسد" إلى فرنسا للمثول أمام القضاء الفرنسي، في حال سافر إليها.
يذكر أنه بالتزامن مع إصدار القضاء الفرنسي لمذكرات توقيف بحق الأسد، أصدرت محكمة العدل الدولية، قراراً يطالب نظامه باتخاذ جميع الإجراءات لمنع أعمال التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة، أو القصاص القاسية، أو غير الإنسانية، أو المهينة.
وكان القضاء الفرنسي قد أصدر في وقت سابق، مذكرات اعتقال دولية بحق وزيري الدفاع السابقين لنظام الأسد، علي عبد الله أيوب، وفهد جاسم الفريج، بالإضافة إلى قائد القوات الجوية، أحمد بلول، وقائد اللواء 64 مروحيات، علي الصفتلي. وبالإضافة إلى إصدار مذكرات توقيف دولية، أمر قاضيا تحقيق فرنسيان بمحاكمة رئيس مكتب الأمن الوطني لدى الأسد، اللواء علي مملوك، ورئيس إدارة الاستخبارات الجوية، اللواء جميل الحسن، واللواء عبد السلام محمود، المكلف بالتحقيق في إدارة الاستخبارات الجوية في سجن المزة العسكري، غيابياً أمام محكمة الجنايات بتهمة التواطؤ في قتل مواطنيَن سورييَن-فرنسييَن هما مازن دباغ ونجله باتريك اللذان اعتقلا عام 2013.