تقدم الألماني "مارتن لاوتفاين" بدعوى جنائية اليوم ضد مسؤولي نظام الأسد الأمنيين على خلفية تعرّضه للاعتقال والتعذيب في "فرع فلسطين" المعروف "بالفرع 235" التابع للاستخبارات العسكرية بدمشق.
وسائل الإعلام الألمانية تناولت خبر الدعوى التي قرّر أن يقيمها "لاو تفاين" بعد مضي عامين على إخراجه، متقدماً بها إلى المدّعي العام الألماني في مدينة "كالسروه"، على ما ذكره راديو ألمانيا الغربي، (WDR) وراديو جنوب غرب ألمانيا (SDR)، كذلك صحيفة جنوب ألمانيا "زوتشيه تسايتونغ" الإلكترونية.
وحسب بيان المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR)، الذي ترجمه موقع تلفزيون سوريا، فإن المدعي العام قبِل النظر في القضية وأضافها إلى الدعوى الجماعية التي كان تقدم بها، ضد مسؤولين كبار في فروع الاستخبارات العسكرية السورية، ثلاثة عشر سورياً نجوا من التعذيب في تلك الفروع.
وجاء في البيان، أن الألماني "لاوتفاين" سيقدم شهادته بخصوص ما مرّ به من تعذيب في "فرع فلسطين" بدمشق، وحول مشاهداته لتعذيب معتقلين آخرين هناك، خلال فترة اعتقاله التي دامت 48 يوماً. وذلك استناداً إلى ما أرفقه في ملف القضية المرفوعة إلى المدعي العام في أنه سمع ورأى تعذيب وضرب المعتقلين لساعات بالكابلات الكهربائية، والخراطيم البلاستيكية (تيوب)، أثناء فترات التحقيق، واستخدام تقنيات التعذيب (الكرسي الألماني).
وعن الاعتداءات الجنسية والاغتصاب، أشار إلى سماعه اغتصاب سيدة معتقلة مع أطفالها في الفرع، بعد إخراجهم من الزنزانة، كما شاهد جثة موضوعة في كيس بأحد الممرات، تعود "بظنه" إلى شخص سمع صراخه كان يُعذَّب بقسوة في الليلة السابقة، وأضاف أن فرقاً من السجانين، وموظفي الفرع يعملون في التنظيف، حيث ينظفون الممرات من أثر الدماء بعد انتهاء جولات التعذيب.
وعن كيفية اعتقاله وما حدث له خلال "سبعة أسابيع من الجحيم" حسب وصفه، قال "لاوتفاين": "إنه اعتقل من أحد الشوارع العامة (السوق) في مدينة القامشلي، مع زميل أسترالي كانا يعملان معاً لإحدى المنظمات في مجال تأمين المرافق الصحية، دون أن يشير إلى كيفية اعتقالهما، أو العناصر التي اعتقلتهما وسلمتهما إلى مركز أمن نظام الأسد هناك، "لكنه يعتقد السبب في عمله مع منظمات كردية"، ثم نُقلا إلى دمشق بالطائرة، وسُلم إلى "الفرع 235" برفقة زميله الأسترالي، وأضاف أنه فُصل عن زميله الذي قيل له إنه مات.
كيف وصف " لاوتفاين" معاملته في "فرع فلسطين"؟
ومراعاة لذويه رفض "لاوتفاين" ذكر تفاصيل التعذيب التي تعرض لها ونشرها على وسائل الإعلام، التي حصلت على تسريبات من تقرير عن ذلك لدى وزارة الخارجية الألمانية، جاء فيه وضعُهُ في زنزانة منفردة صغيرة، في أحد الطوابق الأرضية، تجول فيها الصراصير والقمل، وأنه في المعتقل الذي يفتقر إلى كل مسحة إنسانية، ويعامل فيه البشر كالحيوانات، قُدمت له عبوتان "بلاستيكيتان"، إحداهما لماء الشرب، والثانية للفضلات الشخصية، كان يغسلهما لاستعمالهما مرتين يوميا.
ويضيف أنه أصيب بإسهال شديد، كما ذكر أنه بلغ حالة انهيار عصبي وبدأ بالصراخ والبكاء بسبب الضغط وفقدان الأمل، والتحطيم الجسدي والنفسي، وأنه حاول الانتحار مرتين، لكن السجانين أحسوا به ومنعوه من ذلك، وبعد تدخل ديبلوماسي تحسنت معاملته وجُمِع مع زميله.
ذكر أيضاً أن مسؤولي الفرع فرضوا عليه وعلى زميله الأسترالي تصوير فيديو ملفق في أستوديو داخل الفرع، قالا فيه "إنه قبض عليهما لدخولهما إلى سوريا بشكل غير قانوني، وإنهما لم يتعرضا لأي مضايقة خلال فترة السجن". وقد ذكرت صحيفة "زوتشيه تسايتونغ الإليكترونية" أن أمن النظام اتهم "لاوتفاين" بالتجسس لصالح استخبارات خارجية.
جهود تشيكية ساعدت في إطلاق " لاوتفاين"
من جانبه، أشار "باترك كروكر" من المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، أن المعلومات التي ذكرها "لاو تفاين" في شهادته التي يشتمل عليها ملفه، تتطابق مع أحداث وممارسات وظروف حصلت في معتقلات النظام في سوريا خلال 2018، وربما تستمر إلى وقتنا الحالي، وقد أبلغ الشهود عامة عن أعمال وانتهاكات حتى عام 2015، يجب اعتمادها كأدلة وقرائن في قضايا التعذيب التي تحدث في سوريا.
يقول "مارتن لاوتفاين" عشت شيئاً مما عاشه المعتقلون السوريون في هذه الفروع الأشبه بالجحيم، من تحطيم الأرواح والأجساد، والذي لا يمكن أن يتحمله إنسان أو حيوان، وأشعر بالخجل لأني فُضِّلتُ عليهم بسبب جنسيتي، ونجوت كذلك زميلي، بسبب تدخل دبلوماسي من جمهورية التشيك، بما أن سفارتها تمثل السفارة الألمانية في دمشق، لذلك أقف اليوم شاهداً على ما حصل لي ولكثير من السوريين من الوحشية، لا أعرف ما يمكن أن أقوله لمواساة سوريين ما زال أفراد عائلاتهم في المعتقلات بينما أنا حر.
بسبب جنسيتي نجوت من المعتقل في سوريا، وأريد أن استخدم هذه الميزة لأجعل الناس في ألمانيا يحسون بما يقع في سوريا بشكل يومي.
وتأتي شهادة الألماني "مارتن لاوتفاين" والدعوى التي أقامها، في فترة لا يزال فيها عشرات آلاف معتقلي الرأي عرضة للموت تحت التعذيب وظروف التجويع والمرض، دون أن تفيد التدخلات الدولية والأممية في إطلاق سراحهم. يحدث ذلك في وقت يسعى فيه النظام وحلفاؤه وبرعاية روسية، إلى إيهام العالم أن الوضع في سوريا بات مستقراً آمناً لعودة اللاجئين إليها، في محاولة فاشلة لإعادة تأهيل النظام، وفتح باب التمويل في سياق إعادة الإعمار لإخراج روسيا من المأزق المادي الذي رتّبته عليها حربها ضد الشعب السوري.
كما تتزامن دعوى " لاوتفاين" أيضاً في وقت بدأت فيه ألمانيا محاكمة مسؤولين أمنيين وغيرهم ممن قاموا أو ساهموا في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتعذيب المعتقلين حتى الموت، واغتصابهم، في ملف قاسٍ يكبر ككرة الثلج.