icon
التغطية الحية

عودة محفوفة بالمخاطر تنتظر السوريين الهاربين من الغارات الإسرائيلية في لبنان

2024.10.24 | 15:42 دمشق

آخر تحديث: 24.10.2024 | 15:42 دمشق

Syrian refugees who had been living in Lebanon arrive in an opposition-controlled area in north-western Syria via the Aoun al-Dadat crossing. Photograph: Ali Haj Suleiman/The Guardian
سوريون عائدون من لبنان إلى مناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا عبر معبر عون الدادات
The Guardian - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

على مدار أسبوعين، تكرر الكابوس الذي عاشته أم هادي مرة أخرى، فقد مضى 12 عاماً على اعتقال قوات الأمن لابنها الأكبر عند أحد المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان.

والآن، تعيش أم هادي هذا الكابوس من جديد، إذ تخبرنا بأن ابنها الأصغر هادي كان عند معبر الدبوسية في السابع من تشرين الأول، وبأنه كان يحاول الهرب من الغارات الجوية الإسرائيلية والعودة إلى سوريا سعياً منه للم شمل أسرته عندما اعتقلته قوات الأمن وساقته إلى مكان مجهول.

أصبحت أم هادي في حال يرثى لها من الحزن والكمد وهي تقيم في أحد مخيمات اللاجئين التي أقيمت في مناطق سيطرة المعارضة بشمال غربي سوريا، وتعلق على وضعها بالقول: "إننا نقيم هنا بانتظار أن نسمع شيئاً عن مصير ابننا"، وتخبرنا بأنه بمجرد أن بدأت القذائف الإسرائيلية تسقط على لبنان، أرسل هادي أسرته إلى سوريا، ولكن بما أن أصوله تنحدر من قرية تقع ضمن مناطق سيطرة النظام، لهذا انتابه خوف شديد من فكرة العودة، وبعد مرور أسبوعين، وإثر اشتداد الغارات، حل محل خوفه من النظام خوف أكبر حيال فكرة عدم رؤيته لأولاده من جديد، ولهذا قرر أن يعبر إلى سوريا، وتعلق أمه على ذلك بقولها: "ليس له دخل بأي شيء، فهو مجرد عامل يحاول تأمين القوت لأسرته، وما يخيفني هو احتمال خسارتي له على يد النظام، تماماً كما حدث لي مع شقيقه".

عاش هادي وعائلته في لبنان لمدة تجاوزت العقد من الزمان، فهم من بين اللاجئين السوريين الذين وصل عددهم إلى مليون وخمسمئة ألف لاذوا بالجار لبنان عند بداية الحرب في بلدهم في عام 2011.

لاجئون سوريون نازحون من لبنان يعبرون عائدين إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية في شمال غرب البلاد عبر معبر عون الدادات. تصوير: علي الحاج سليمان/الغارديان
لاجئون سوريون نازحون من لبنان يعبرون عائدين إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة السورية في شمال غربي البلاد عبر معبر عون الدادات

خلال الشهر الماضي، تسببت الغارات الإسرائيلية التي استهدفت لبنان بتغيير مسار تدفق اللاجئين، إذ دفعت نحو 425 ألف نسمة معظمهم من النساء والأطفال إلى الاحتشاد بشكل فوضوي عند المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان، وذلك بحسب أرقام الأمم المتحدة.

انتهاكات خطيرة بعد سنوات غربة طويلة

قرابة 70% ممن عبروا إلى سوريا كانوا سوريين، ولكن ثمة نسبة من المواطنين اللبنانيين الذين نشدوا الأمان في بلد ما يزال يعاني أزمة اقتصادية وانقسامات وعنفاً، ويعتقد بأن معظم هؤلاء كانوا يعيشون في معاقل حزب الله الواقعة في سهل البقاع بجنوب لبنان.

بالنسبة لأغلب السوريين العائدين إلى بلدهم بعد سنوات طويلة من الغربة، أصبحت مسألة العودة خطيرة، إذ عند المعابر الحدودية ونقاط التفتيش المقامة في مناطق سيطرة النظام، وردت أنباء عن حدوث حالات إخفاء واستجواب واعتقال وتجنيد إجباري ورشوة وضرب ومضايقات طالت العائدين من اللاجئين.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، هنالك ما لا يقل عن 23 حالة موثقة للاجئين سوريين ألقت قوات النظام القبض عليهم واعتقلتهم أثناء محاولتهم العبور إلى سوريا.

يتعين على آلاف السوريين العائدين الذين يخشون من بطش النظام أو الذين ليس لديهم أي مكان ليعودوا إليه في مسقط رأسهم، أن يعبروا طريقاً يمر بمناطق النظام حتى يصلوا إلى مناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا.

Asriya Awad, an 80-year-old Syrian, is living in one of the Sarmada camps, north of Idlib. It took her 10 days to cross back into Syria from Lebanon. Photograph: Ali Haj Suleiman/Guardian
تعيش آسرية عواد، وهي سورية تبلغ من العمر 80 عاماً، في أحد مخيمات سرمدا شمالي إدلب. استغرقت 10 أيام حتى عادت إلى سوريا من لبنان. تصوير: علي حاج سليمان/الغارديان

تمكنت السورية عصرية عواد، 80 عاماً، من الوصول إلى مدينة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة برفقة 11 فرداً من عائلتها، وذلك بعد رحلة امتدت لعشرة أيام بين لبنان وسوريا.

تعلق عصرية على ذلك بقولها: "عشنا في لبنان لمدة عشر سنوات، ولكن بات لزاماً علينا أن نرحل بسبب القذائف التي صارت تسقط علينا، ولذلك رحلنا من دون أن نأخذ أي شيء معنا، وضمت مجموعتنا نساء وأطفال العائلة فقط، إذ عبرنا جوسية وهناك رأيت بأم عيني عناصر الأمن على الحدود وهم يعتدون على الشبان وينزلونهم من الحافلات ليلقوا القبض عليهم. بعد ذلك تعرضت كنتي وابنتاها للاعتقال، فاضطررنا إلى دفع ألف دولار أخرى مقابل إطلاق سراحهن، ثم إن قريتنا تخضع لسيطرة النظام وبيتنا تدمر، ونحن في طريقنا إلى هنا، اعتقل الجنود شاباً من قريتنا، ولذلك اضطررنا للهرب إلى مخيمات إدلب بما أن عودتنا إلى قريتنا ليست آمنة".

نجح فريد سليمان وزوجته هيفاء سلال بالعبور إلى سوريا والوصول إلى إدلب بعد رحلة خطرة وصعبة قطعاها من لبنان. ويعلق فريد على رحلتهما بقوله: "لدينا سبعة أولاد، ولم نكن نرغب بالعودة إلى سوريا، ولكن ليس لدينا مكان يستقبلنا، لأن مراكز الإيواء في لبنان لن تستقبلنا".

فريد سليمان (يسار)، وهيفاء صلال، مع فاطمة وثناء وخالد، في مخيم أبو دفنة في كيلي. كان على سليمان أن يدفع للمهربين مقابل عبور الحدود. تصوير: علي الحاج سليمان/ الجارديان
فريد سليمان (يسار)، وهيفاء صلال، مع فاطمة وثناء وخالد، في مخيم أبو دفنة في كللي

بعد أن نجا فريد وزوجته هيفاء من عدة تفجيرات وقعت بلبنان، نقل الزوجان أسرتهما أولاً إلى معبر المصنع الحدودي، إلا أنهما ذكرا بأنهما تعرضا للضرب على يد حرس الحدود بسبب عدم تقديمهما للأوراق الرسمية المناسبة بما أنها تعرضت للتلف بسبب غارة إسرائيلية.

يخبرنا فريد بأنه اضطر لأن يدفع للمهربين حتى يساعدوا أبناءه على قطع الحدود، ولكن الطريق الذي مروا به تعرض لقصف إسرائيلي أثناء محاولتهم العبور، ويعلق فريد على ذلك بقوله: "تناثر الزجاج على أولادي وكاد أن يقتلهم".

وعندما نجحوا في نهاية المطاف بدخول سوريا، ذكر فريد بأنهم أخرجوه من إحدى الحافلات على نقطة تفتيش وألقوا القبض عليه، ولم يطلقوا سراحه إلا بعد أن قدمت زوجته هيفاء ذهبها للعساكر.

تخبرنا هيفاء ما جرى فتقول: "إن الوضع مريع على كل المعابر ونقاط التفتيش ويعود ذلك إلى تخويف الناس واستغلالهم، ولا شيء يرعبني أكثر من خوفي من أن يتعرض زوجي للاعتقال، بيد أن الوضع أصعب بكثير بالنسبة للنساء اللواتي يسافرن وحدهن، إذ رأينا ثلاث نسوة جرى إنزالهن من الحافلات ثم اقتادهن العساكر إلى مكان مجهول ولم تعد أي واحدة منهن".

وضع صعب في الشمال السوري

والآن حتى بعد نجاة الجميع من القذائف وحواجز التفتيش، مايزال الوضع مزرياً بالنسبة لكثير من اللاجئين العائدين الذين يحاولون أن ينشدوا الأمان في إدلب.

إذ بحسب ما أوردته الأمم المتحدة، هنالك ما لا يقل عن 4.1 ملايين من بين الملايين الخمسة الذين يعيشون في شمال غربي سوريا يعتمدون على المساعدات الإنسانية في تلبية احتياجاتهم الأساسية كبشر يريدون البقاء على قيد الحياة، وهنالك مليون وتسعمئة نسمة يعيشون في الخيام ومراكز الإيواء المؤقتة.

تعلق على ذلك رولا أمين، الناطقة باسم وكالة اللاجئين الأممية فتقول: "لا تنتهي معاناة من يهربون من القصف ويعبرون إلى سوريا عند الحدود للأسف، وذلك بسبب ظهور حالة طارئة إنسانية جديدة عند وصولهم إلى وجهتهم النهائية بما أن معظم الوافدين لا يحملون معهم سوى موارد محدودة، هذا إن توفرت لديهم الموارد أصلاً. ثم إنهم يعودون إلى بلد تعرض لنزاع طاحن امتد لـ13 عاماً، ناهيك عن التضخم الذي يعيشه، والبنية التحتية المدمرة الموجودة فيه، والبيوت المهدمة، والأزمة الاقتصادية التي تخنقه، كما أن هنالك أكثر من 7.2 ملايين سوري ما يزالون نازحين داخل سوريا".

لا يدري فريد لمن بوسعه أن يلتجئ، إذ يقول: "تعود أصولي إلى قرية تابعة لمعرة النعمان والتي أضحت تحت سيطرة النظام السوري، ولهذا لا يمكنني العودة إليها لأنني مطلوب للتجنيد الإجباري.. كما ليس لدينا بيت أو مأوى أو ملابس أو طعام، إذن ما الذي يتعين علينا فعله الآن؟"   

المصدر: The Guardian