نشر موقع تلفزيون سوريا، أمس، تقريراً بعنوان "عقدة تحرير الشام تتفكك في جبل التركمان.. طبيعة المواجهة ومصير الخصوم"، ناقش دوافع "هيئة تحرير الشام" من عمليتها الأمنية ضد مجموعة "جند الله"، في جبل التركمان بريف اللاذقية الشمالي، وفي الجزء الثاني من التقرير سنبحث في توقيت الحملة، والتبعات العسكرية المتوقعة على محافظة إدلب.
توقيت الحملة
فيما يتعلق بتوقيت الحملة الأمنية ضد جماعة "جند الله"، ذكر الباحث في مركز الحوار السوري، محمد سالم، أنه من الطبيعي أن يكون هناك ترابط بين الهجوم على الدوريات التركية، ومثل هذه الحملات، لأن تلك الهجمات تهدد بتقويض موثوقية "هيئة تحرير الشام" لدى الأتراك، الأمر الذي يدفعها لمثل هذه الحملات لإثبات قدرتها على ضبط هؤلاء المقاتلين، بالتوازي مع حملات جهاز الأمن العام التابع لها الذي ادعى الإمساك بمسؤولين من "سرية أنصار أبي بكر الصديق" المتهمة بتنفيذ العمليات ضد الأتراك.
وفيما إذا كان هناك علاقة بين "سرية أنصار أبي بكر الصديق"، و"جند الله"، خاصة بعد ادعاء الهيئة بالعثور على سيارة ملغمة لدى "الجند"، أفاد الباحث في مركز "جسور" للدراسات، عباس شريفة، بأنه لا يمكن أخذ رواية "تحرير الشام" حول وجود سيارات ملغمة وألغام لدى مجموعة "أبو فاطمة التركي" على محمل التصديق، كون الهيئة هي خصم وليست جهة محايدة.
وأكد "شريفة" أنه من المبكر القول إن القضاء على جماعة "جند الله" سيوقف عمليات "سرايا أبي بكر"، وهذا مرهون للمستقبل، وربما بعد أيام تشهد المنطقة عملية جديدة للسرايا كالمعتاد، وعند ذلك لا يمكن التأكد من أن هذه السرايا تابعة لجماعة "جند الله"، لذلك فإن ما تنشره الهيئة هو جزء من الدفاع عن مشروعية استهداف "الجند".
واستبعد "شريفة" في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن يكون هدف عملية الهيئة الأخيرة نابعاً عن قلق أمني، لأن الحملة شملت جماعة "مسلم الشيشاني" التي لم تتهم بالغلو أو التطرف، ما يعني أن العملية تهدف إلى الاستحواذ العسكري والسيطرة على نقاط الرباط، وإدارتها عبر غرفة عمليات واحدة، وعدم السماح بأي نشاط عسكري خارج غرفة العمليات التي تتبع للهيئة.
قراءة في المواجهات بين الهيئة وخصومها
رأى الباحث أحمد أبازيد، أن حملة الهيئة الأخيرة ضد الفصائل الجهادية في جبل التركمان، تأتي ضمن سلسلة العمليات الأمنية لضبط التنظيمات الجهادية الأجنبية في إدلب، والتي تقوم بها الهيئة بشكل متزايد خاصة منذ اتفاق وقف إطلاق النار الأخير في إدلب آذار 2020.
وأشار "أبازيد" في حديث لموقع تلفزيون سوريا، إلى أن الهيئة أعادت تعريف نفسها كفصيل محلي ينسب نفسه للثورة السورية، وليس كتنظيم سلفي جهادي ينسب نفسه للقاعدة والجهاد العالمي، مع حرصه على ضمان السيطرة على قرار الحرب والسلم في إدلب، والذي تشكل التنظيمات الجهادية التي ما زالت خارج مظلة هيئة تحرير الشام التحدي الأكبر لهذه السيطرة، بعد هزيمة فصائل الجيش الحر سابقاً أمام الهيئة.
الباحث في مركز الحوار السوري، محمد سالم، ذكر أن "هيئة تحرير الشام" تهدف من الهجمات الأخيرة على المجموعات الجهادية، إلى بسط سلطتها وتأكيد حكمها المنفرد لكل المناطق الخاضعة لها، لكي تكون لها حصة في أي اتفاق على حكم الشمال السوري عموماً، وهو ما يتم الترتيب له من خلال مشروع المجلس العسكري أو ما يشبهه بالتعاون مع فصائل الجيش الوطني بإشراف تركي.
وأضاف "سالم" لموقع تلفزيون سوريا، أن الهيئة تريد إثبات قدرتها على ضبط بقايا الجماعات "الجهادية"، وحل ملف المقاتلين الأجانب، المقلق أمنياً للفاعلين الإقليميين والدوليين، مما يعني دعم رصيدها في تقديم نفسها كفصيل محلي يمكن الاعتماد عليه للتحكم بالمنطقة وضمان مصالح الدول، في استمرار لمحاولتها شرعنة نفسها محلياً بعيداً عن تيارات "الجهاد العالمي".
من جهته، يقول الباحث في مركز "عمران" للدراسات، نوار شعبان، إن هيئة تحرير الشام عملت بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب آذار 2020 على تقديم نفسها، أنها القوة العسكرية الوحيدة في إدلب، القادرة على ضبط المنطقة، ومنع الهجمات على الآليات التركية أو الروسية.
وبيّن أن العمليات التي استهدفت الآليات التركية والروسية تمت بمناطق تتبع لهيئة تحرير الشام، ولها فيها وجود أمني أو عسكري، مضيفاً أن الهيئة خلقت مشكلة جديدة في إدلب، تتمثل بالمجموعات الأجنبية التي تغرد خارج السرب بشكل مخيف، لكن بالوقت نفسه، خلقت مشكلة قادرة على حلها، إذ حوّلت نفسها بعد اتفاق وقف إطلاق النار، من جزء للمشكلة، إلى جزء من الحل، أو إلى الحل الوحيد لمشكلة هي من خلقها.
وأوضح "شعبان" في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أن الهيئة بدأت عمليتها في جبل التركمان، بعد أن لاحظت حدوث إشكاليات كثيرة في المنطقة، سواء أمنية أو عسكرية، لذلك استبقت الأحداث وسيطرت على المنطقة، ووجهت رسائل غير مباشرة إلى الضامن الدولي.
وتابع: "بالرغم من أن جماعة مسلم الشيشاني، إرهابية، إلا أنها كانت تشغل فراغاً أمنياً وعسكرياً في جبل التركمان، لكن الهيئة الآن ستسد الفراغ بنقطتين على سبيل المثال، عكس جماعة الشيشاني التي كان ثقلها كله، ومقرها الرئيس هناك، مما كان يشكل عقبات أمام النظام".
التبعات العسكرية على إدلب
تخوّف السكان في محافظة إدلب، من تبعات سلبية للاقتتال في جبل التركمان، على إدلب، وخاصة مدينة جسر الشغور في الريف الغربي، نظراً لحساسية الجبهة، ومحاولة النظام في وقت سابق التقدم إليها، وتحديداً محور "الكبينة".
وأعادت الحملة الأمنية للهيئة في الجبل، التذكير بالحملة العسكرية التي شنتها في مطلع عام 2019 ضد حركة نور الدين الزنكي في ريف حلب الغربي، وحركة أحرار الشام في سهل الغاب غربي حماة، قبل فترة قصيرة من سيطرة النظام على تلك المناطق.
وتقول مصادر من داخل غرفة عمليات "الفتح المبين" إن العملية في جبل التركمان مختلفة عن تلك التي شُنت ضد حركة نور الدين الزنكي وأحرار الشام، وسهّلت من مهمة النظام في السيطرة على المناطق، كون "جند الله" لها نقطة رباط واحدة، وليس لها ثقل عسكري كبير، كذلك هو حال مجموعة "مسلم الشيشاني"، ما يعني أن خطوط التماس لن تتأثر بذلك حسب وصفها.
ويعتقد الباحث أحمد أبازيد، أن الهيئة أرادت من خلال حملتها الأخيرة أيضاً، ضمان قدرتها على التحكم بمصير جبل التركمان، مع التصعيد الروسي الأخير، حيث يعتبر جبل التركمان الأولوية الروسية لأي حملة عسكرية.
وسيؤدي إخراج التنظيمات الجهادية من المنطقة إلى إضعاف وإفراغ قسم من جبهات جبل التركمان، ما يهدد باحتمالية أكبر لسقوطها في حال تجددت الحملة الروسية، إن لم يتم سدّ هذا الفراغ العسكري، خاصة مع تولي الجبهة الوطنية للتحرير القسم الأكبر من نقاط الرباط حول منطقة إدلب، وقلة مشاركة الهيئة في ملء محاور الرباط والعمل العسكري المحتمل، وفقاً لـ "أبازيد".
كذلك أكد الباحث محمد سالم، أن التخوف من وجود ضعف في الجبهات مبرر ومنطقي، خاصة جبهة الساحل التي صمدت طويلاً بفعل دور المقاتلين النوعيين فيها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن "هيئة تحرير الشام" لم تظهر كفاءة عسكرية في السنوات الأخيرة مقارنة مع الكفاءة الأمنية في ملاحقة معارضي سلطتها.