واقع الحال يقول إن إيران وحرسها الثوري وميليشياتها الولائية متعددة الرايات تسعى بشكل متواصل سعياً حثيثاً وجاداً لاستغلال الظروف وفقاً لإجراءات ووسائل ممنهجة عديدة وذلك لخلق وإيجاد الشروط الموضوعية التي تمكنها وتكفل لها التأسيس لوجود طويل الأمد على الجغرافيا السورية، يأتي هذا بعد استغلال طهران ومنذ بدايات الثورة السورية مسألة التراخي وغض الطرف عن تدخلها في قضية الشعب السوري من قبل بعض الأطراف الإقليمية والدولية النافذة، والتي يأتي على رأسها "واشنطن" و"تل أبيب" اللتان لا تخفيان مصالحهما وتصوراتهما الخاصة في استمرارية تأمين وحماية أمن وحدود الكيان الصهيوني التي يقوم بها نظام الأسد والبعث خير قيام طوال أكثر من 50 عاماً، وبالتالي هذا الأمر أملى عليهم _أي واشنطن وتل أبيب _بشكل أو بآخر تجاهلاً أو حتى ربما الموافقة الخفية على أي تحرك مهما كان نوعه ممكناً أن يؤخر أو يمنع سقوط نظام الحكم المجرم في سوريا، وربما هذا وبحسب تفكيرهم ما سيمنع لاحقاً تعرّض الكيان الصهيوني للخطر وسيضع الحواجز ويقطع الطريق على كثير من الأطراف غير المرحب بها من قبلهما للوصول إلى السلطة بدلاً من الأسد.
العمل على تقوية وجودها ونفوذها وانتشارها العسكري المباشر، من خلال ميليشياتها الولائية التي تتبع غالبيتها للحرس الثوري الإيراني
عمليا وطوال 12 عاماً ما تزال إيران وحرسها الثوري تقف بكل أساليب الإجرام والإرهاب إلى جانب نظام الأسد القاتل، الذي كان حكمه قاب قوسين أو أدنى من السقوط وذلك مع بدايات عام 2014 وعليه فالآن وبعد أن أعادت طهران بشكل أو بآخر بالتعاون مع "موسكو" التوازن لهذا النظام فها هي باتت الآن في سباق مع الزمن للأخذ بتلابيب كل الأساليب والطرق والوسائل الإيديولوجية الممنهجة لتقوية نفوذها العسكري والثقافي والديني، وتمددها الهادف لبسط هيمنتها على كل المناطق والمحافظات السورية، التي لها تحركات ووجود فيها، وهي من أجل تحقيق هذه الأهداف تعتمد على الطرق التالية:
أولا- العمل على تقوية وجودها ونفوذها وانتشارها العسكري المباشر، من خلال ميليشياتها الولائية التي تتبع غالبيتها للحرس الثوري الإيراني، وخاصة في المنطقة الشرقية والوسطى والجنوبية.
ثانيا- من خلال العمل على إيجاد وخلق أذرع مسلحة مناطقية أو عشائرية تقوم بتجنيدها وتمويلها، وتسليحها وتدريبها وتقويتها، متمنية من خلال ذلك استنساخ تجربة "حزب الله" في لبنان و"الحوثيين" في اليمن و"الحشد الشعبي" في العراق، معتمدة في ذلك التجنيد على استغلال حالات الفقر والعوز والإغراءات المادية لتلك المجتمعات وخاصة العشائرية منها في المنطقة الشرقية.
ثالثا- مساعي إيران حقيقة تتعدى من حيث الهدف تسليح وتجنيد الشباب وتجييشهم في دير الزور وأريافها، بل وتلجأ وفق إجراءات خبيثة متعددة إلى (بناء المراكز الثقافية، إقامة المستوصفات، وتوزيع الأدوية، بناء الأفران، توزيع الخبز والسلات الغذائية مجاناً.. إلخ) في محاولات لكسب ودّ السكان من الطائفة السنّية واستمالتهم إليها، أو على الأقل تذويب ما أمكن من الحواجز النفسية الواسعة بين الإيرانيين وأبناء المنطقة من العشائر، ويتضح ذلك جلياً على أرض الواقع من خلال نشاط جمعية "جهاد البناء" وغيرها من المراكز والجمعيات المؤدلجة.
لا شك أن المنطقة الشرقية دير الزور وأريافها والبادية الشامية، اعتبارا من منطقة التنف وصولا للحدود العراقية السورية قرب معبر البوكمال المحاذي لمعبر القائم من الجهة العراقية هي المنطقة الاستراتيجية الأهم التي يسعى الحرس الثوري الإيراني لتأمينها وبسط سيطرته وهيمنته عليها، لأنها حقيقة هي صلة الوصل وعقدة المواصلات المهمة التي تؤمن خطوط الإمداد البري للميليشيات والتي تربط طهران ببغداد بدمشق وصولا إلى حزب الله في لبنان.
تجنيد مئات الأطفال في عموم أرياف دير الزور ممن تتراوح أعمارهم ما بين 9 إلى 14 عاماً حيث يتلقى المجندون في هذه المعسكرات تدريبات عسكرية وميدانية على يد قياديين أمنيين وعسكريين
الحرس الثوري وجريمة تجنيد الأطفال:
عملياً ومن خلال المتابعة فإيران بإجراءاتها العديدة المتعددة مثل (تجنيد الأذرع المسلحة، بناء الحسينيات والمزارات والمراكز الثقافية، تنظيم الرحلات السياحية الدينية) تظن من خلال ذلك أن بإمكانها ولفترات طويلة قادمة أن تغيّر ديموغرافية وصبغة المنطقة الشرقية الدينية والمجتمعية والعقائدية التي يعتز أهلوها بها. وللأسف لم يقف الأمر هنا ولم يكتف الحرس الثوري الإيراني وميليشياته المتعددة بالإجراءات التي ذكرناها سابقاً، بل بات يلجأ ومنذ فترات ليست قريبة إلى إقامة معسكرات خاصة توجد في منطقة "قلعة الرحبة في الميادين ومناطق حطلة"، القورية، مطار الحمدان. منطقة معدان "ومعسكر الطلائع"، وتفرض عليها الكثير من السرية والتكتم وذلك لتجنيد مئات الأطفال في عموم أرياف دير الزور ممن تتراوح أعمارهم ما بين 9 إلى 14 عاماً حيث يتلقى المجندون في هذه المعسكرات تدريبات عسكرية وميدانية على يد قياديين أمنيين وعسكريين من حزب الله والحرس الثوري، وتشمل هذه التدريبات برامج اللياقة البدنية، واستخدام السلاح بأنواعه (الخفيف والمتوسط)، والتدريب على تكتيكات قتال الشوارع والمدن، وتنفيذ عمليات الاغتيال والتفخيخ والتلغيم، وتعلم تقنيات الطائرات المسيرة بالإضافة إلى الدروس العقائدية والولائية الشيعية، ويتم إرسال المتفوقين من هؤلاء الأطفال برحلات ترفيهية ودينية إلى إيران، أما الغاية من كل هذا فهو لاستخدام المجندين الأطفال في المعارك التي تخوضها الميليشيات، والعمل أكثر وبشتى الطرق الممنهجة على تشييع المنطقة وتغيير صبغتها وهويتها الاجتماعية، ناهيك عن تهيئة وإيجاد جيل جديد وحاضنة عسكرية مضمونة الولاء تنفذ الأجندات المستقبلية لإيران وحرسها الثوري، معتمدة في هذا الأمر على الإغراءات المادية والمعيشية واستغلال الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعاني منها معظم أهالي مدينة دير الزور والريف المحيط بها، والغاية استقطاب الكبار والأطفال وشباب المدارس لصفوفها.
ختاماً.. لا شك أنّ تجنيد واستخدام الأطفال من قبل أيّ طرف من أطراف النفوذ في سوريا (إيران وميليشياتها، ميليشيات قسد، داعش) دون بلوغ الخامسة عشرة من العمر للعمل بصفة الجنود هو أمر محظور بموجب القانون الدولي الإنساني، وطبقاً للمعاهدات والأعراف الدولية، كما أنه يعتبر جريمة حرب من جانب المحكمة الجنائية الدولية. ولكن ومع كل هذا فعلى ما يبدو أن إيران المتمردة على المجتمع الدولي وشرعة الأمم المتحدة لا تهتم بالقوانين والمواثيق الناظمة، بل وتضرب بعرض الحائط كل القرارات والمقررات التي تتعارض مع أهدافها وأيديولوجيتها وسلوكها العدواني الذي لم يقف عند سوريا والعراق واليمن والمنطقة العربية بل وصول تماديها وتدخلها الإرهابي حتى في الحرب الروسية الأوكرانية.