قدم الدكتور عزمي بشارة مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات محاضرة عامة خلال مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية "الدورة الثامنة"، الذي عقد بعنوان الدولة العربية المعاصرة: التصور، النشأة، الأزمة.
وركز بشارة في محاضرته التي جاءت بعنوان "الدولة والأمة ونظام الحكم: التداخل والتمايز"، على مفهوم الدولة الديمقراطية وضرورة الفصل بين الدولة والديمقراطية كمفاهيم، لفهم "مركب الدولة الديمقراطية".
كما أشار إلى النظريات المختلفة وطرق تعاملها مع الدولة، مثل المقاربة الماركسية والليبرالية والمقاربة المؤسسية الفيبرية نسبة لـ "ماكس فيبر"، والمقاربة القومية، وفلسفة الدولة عند هيغل.
ويرى بشارة بأن أي محاولة نظرية جدية في فهم الدولة تحتاج إلى تضافر هذه المقاربات، فليست الحصرية النظرية مفيدة في فهم ظواهر اجتماعية متغيرة ومتطورة باستمرار، إذ "قد يقود الإصرار على نظرية واحدة لفهم منشأ الدولة وبنيتها ووظيفتها وطابعها وعلاقتها بالاقتصاد والمجتمع والثقافة وتأثيرها وتأثرها بهم إلى تحويل النظرية لإيديولوجيا".
ولفت إلى أن تصنيف الدول إلى ديمقراطية وسلطوية أو دكتاتورية وشمولية، هو تصنيف للنظم السائدة في هذه الدول، والمتداخلة مع بنيتها المؤسسية، وتابع "إذا ما تحدثنا عن دول رأسمالية واشتراكية.. ودول نامية وأخرى متطورة، فإننا نتحدث عن طبيعة اقتصاد تلك الدول ومجتمعاتها، والتي لا يمكن تعريف الدولة من دونها، وينطبق الأمر ذاته على تصنيفها إلى دول غنية ودول فقيرة".
وتحدث بشارة عن الفرق بين النظام والدولة، مشيرا إلى أنه عندما "نقول إن نظام حكم ما هو نظام سلطوي راسخ في دولة ضعيفة نميز بين الدولة والنظام، ونسمي الدولة دولة ضعيفة، نقصد بالتحليل أن المؤسسات القمعية بالدولة قوية لكن المؤسسات غير القمعية هي مؤسسات ضعيفة، بمعنى أنها عاجزة عن القيام بوظائفها وعن الوصول إلى جميع فئات المجتمع، كما أن السلطة غير قادرة على بسط سيادتها على مجمل الدولة دون استخدام متواصل للعنف".
وبعد أن ميز بشارة مفهوميا بين الدولة ونظام الحكم أوضح أن صيرورة التمايز في التاريخ تولد وحدات أكثر تركيبا، وهذا معنى التطور، وأضاف "فمثلا هنا يصعب تمييز نظام الحكم عن الدولة في حالة الديمقراطية الليبرالية، ليس لأنه لا يختلف عنها، بل لأن الاختلاف أصبح تمفصلا وتركيبا داخليا، في حين ينشأ التمايز بين السلطات، أي مؤسسات الحكم، بينها وبين شخوص الحكام، لا يميز النظام الديمقراطي نفسه عن مؤسسات الدولة، فمؤسسات النظام الديمقراطي هي البرلمان والحكومة والقضاء وهي أيضا مؤسسات دولة".
وفي المقابل تتفاوت درجة تطور مؤسسات الدولة في الأنظمة السلطوية غير الشمولية، فبعضها بعيد عن درجة التطور هذه، وبعضه يقترب منها، ما يسمح له بالتحول إلى نظام ديمقراطي راسخ أو نظام شمولي، وفي الدول السلطوية الحديثة على أنواعها، يسهل التمييز بين النظام ومؤسسات الدولة، فعلى سبيل المثال أوجدت جميع الأنظمة السلطوية العربية جيوشا خاصة تتبع للحاكم الفرد مباشرة مثل الحرس الجمهوري أو القوات الخاصة، ولا تتبع للجيش الذي يفترض أن يكون إحدى مؤسسات الدولة الرئيسية. كما تتبع الأجهزة الأمنية للحاكم شخصيا، إضافة إلى ذلك تشكلت قبل الثورات ظاهرة الأسر الحاكمة "عائلة الرئيس"، و"كارتيل" رجال الأعمال المقربين من النظام، في تحالف مع الأجهزة الأمنية، وأخيرا الحزب الحاكم الذي تراجعت أهميته، في مقابل تحالف الأسرة الحاكمة ورجال الأعمال والأجهزة الأمنية.
وشدد على أن النظام الديمقراطي يفسح المجال للمجتمع في التأثير في مؤسسات الدولة على نحو غير مسبوق، كما يتضمن آليات قانونية وغير قانونية عديدة للفصل بين شخوص الحكام ومؤسسات الدولة، فالحكام يتغيرون وتبقى مؤسسات الدولة والنظام نفسه ثابتين.
ويشارك في المؤتمر الذي ينظمه المركز العربي من 21 من آذار وحتى 25 منه، 34 باحثا، وستُعرض خلاله اثنتان وثلاثون ورقةً بحثيةً محكّمة، تتناول جوانب متعدّدة ذات صلة بإشكالية الدولة العربية المعاصرة، وتتوزّع بين الدراسات النظرية، ودراسات الحالة القُطرية، والدراسات المقارنة.
وفي ختام هذه الدورة من المؤتمر، سوف تُوزّع "الجائزة العربية لتشجيع البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية" التي يمنحها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والتي تُعدّ حدثًا مركزيًا بالنسبة إلى المختصين في العلوم الاجتماعية والإنسانية، ومحفزًا لهم، وعاملًا مهمًا في بلورة البرامج والمشاريع البحثية في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وفي ترسيخ تقاليد التحكيم العلمي والتميّز.
وينظم مؤتمر هذا العام عبر منصة "زووم" لمؤتمرات الفيديو، وسيبث عبر حسابات المركز العربي على شبكات التواصل الاجتماعي، ما سيتيح المجال للجمهور العام لمتابعة أعماله.