لا تزال المساعي الروسية المتعلقة بقطع الطريق على عملية عسكرية تركية شمال شرقي سوريا مستمرة، مع محاولة ضمان عدم إغضاب الجانب التركي، وأيضاً إعطاء مكاسب سياسية للنظام السوري من البوابة الأمنية.
وعلم "تلفزيون سوريا" من مصادر مطلعة أن روسيا تعمل على إقناع تركيا بنسخة معدلة من اتفاق أضنة الأمني الموقع عام 1998، بحيث يتم تعديل الملحق رقم 4، والذي ينص على إتاحة المجال للجيش التركي التوغل بعمق 5 كيلومترات في حال عدم قدرة قوات النظام السوري على اتخاذ الإجراءات الأمنية ضد حزب "العمال الكردستاني".
موسكو تبدي انفتاحها على توسيع مساحة التوغل التركي إلى عمق 32 كيلو متراً، عند اقتضاء الضرورة لذلك، على أن يكون الأمر بشكل منسق مع "القوات السورية" المنتشرة في المنطقة، وبعد أن يتعذر على الأخيرة أن تنفذ إجراءات ملاحقة "حزب العمال الكردستاني" بنفسها.
وحتى هذه اللحظة لم يتوصل الجانبان إلى توافق نهائي، بانتظار استكمال المباحثات، التي يبدو أنها تتأثر أيضاً بالحوار الروسي – الأميركي حول سوريا.
المكاسب الروسية
في حال نجحت روسيا بإقناع تركيا بتعديل اتفاقية أضنة، فستكون قد حققت عدة مكاسب ميدانية وسياسية.
على الصعيد السياسي فإن هذا يعدّ خطوة جديدة باتجاه الحصول على إقرار من الدول الداعمة للمعارضة السورية بالتعامل مع النظام السوري على أنه سلطة قادرة على إبرام الاتفاقيات والمعاهدات.
ومن الواضح أن موسكو تركز على إبراز دور النظام السوري في المفاوضات، وذلك من خلال التصريحات التي نقلتها عن وكالة "سبوتنيك" شبه الرسمية الروسية عن ضابط يدعى "حيدرة جواد"، والتي تتحدث عن "تقدم في المفاوضات" مع الجانب التركي.
التوافق في حال تم، سيفتح الباب على التفاوض بشكل أوسع مع أنقرة على مصالحها ومطالبها على باقي الجغرافيا السورية بما فيها إدلب، خاصة إذا ما تمت عملية بناء الثقة واجتياز مرحلة الاختبار.
وستنجح موسكو من خلال هذا السيناريو بإنهاء حالة تفرد فصائل المعارضة السورية بالشراكة مع الجارة التركية في الملفات الأمنية، وتقحم قوات النظام السوري على الخط.
وعلى الصعيد الميداني فإعادة تفعيل الاتفاقية القديمة مع تعديلات على الملحق الخاص بالمسافة، يعني أن النظام السوري سيصبح المسؤول عن التنفيذ، وبالتالي فالدور التركي سينحصر في حالة واحدة، وهو عدم قدرة قوات النظام على اتخاذ التدابير الأمنية، أي لن تكون هناك حاجة ابتداءً لإنشاء نقاط تركية داخل الحدود السورية في منطقة شمال شرقي البلاد.
وظهرت عدم رغبة موسكو بتوسيع أنقرة لنفوذها العسكري داخل سوريا، منذ أن عارضت في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، المزيد من العمليات العسكرية التركية، حيث انتشرت قوات تتبع للنظام السوري في تل رفعت، ومنغ، والقرى المحيطة بها شمال حلب، التي تتمركز فيها "قسد".
المكاسب التركية
تعديل اتفاق أضنة سيلبي بعض المصالح الأمنية والسياسية لأنقرة، لكن ليس بقدر مكاسب النظام السوري وروسيا.
توسيع الملحق الرابع لاتفاقية أضنة ورفع المسافة إلى 32 كيلومتراً مكسب مهم للجانب التركي، لكنه سيبقى معلقاً على شرط عدم القدرة من الطرف السوري على معالجة الملف أمنياً.
ومن المهم بالنسبة لتركيا أن تخلخل الثقة بين روسيا والنظام السوري من جهة، و"قسد" من جهة أخرى، بعد أن شهدت العلاقات نوعاً من التقدم وإطلاق مسار تفاوضي بين الجانبين، وأبدت موسكو المرونة في إعطاء خصوصية لمنطقة "الإدارة الذاتية" لكن تحت سقف "الدولة السورية".
من جهة أخرى، فالتوافق بين أنقرة وموسكو على آلية مرضية للتعاطي مع هذا الملف الشائك، من شأنه أن يعطي للطرفين ورقة ضغط مهمة في مواجهة الموقف الأميركي الداعم لـ "ٌقسد"، وسيتيح التفاهم توحيد الجهود ضد موقف واشنطن الداعم الأكبر لمشروع "الإدارة الذاتية".
ومن غير المستبعد أن تتراجع روسيا عن حماستها لتفعيل اتفاق أضنة بنسخة معدلة، في حال التقدم بالمفاوضات بين "الإدارة الذاتية"، والنظام السوري، وفق الرؤية الروسية التي تتلخص بالتراجع عن المشروع، مقابل إعطاء "قسد" و "مجلس سوريا الديمقراطية" نوعاً من الخصوصية تحت عباءة النظام السوري، بل قد يكون تسريب مسألة المفاوضات التركية – الروسية حول تعديل اتفاق أضنة مقصوداً من قبل موسكو للتأثير على موقف "قسد"، ودفعها لعقد جلسة مفاوضات جديدة مع النظام السوري بسقف أقل.
وعلى الأرجح فإن روسيا ستضع على الطاولة ملف إدلب مقابل توسيع مساحة توغل أنقرة إلى 32 كيلومتراً على الشريط الحدودي، وستطالب بتغيير الوضع القائم حالياً.