كانت إيران من أوائل القوى الأجنبية التي استغلت الثورة السورية لتزيد نفوذها في سوريا، ومنذ ذلك الحين وهي تستعين بسبل متنوعة لتدعم نظام بشار الأسد. وبالرغم من العقوبات المفروضة على كلا البلدين، تواصل طهران استعانتها بالموانئ السورية، لا سيما في بانياس وطرطوس، لتمرر ما تورده من النفط لوكيلها اللبناني، أي حزب الله، ولحليفها، نظام الأسد.
وهنا من المهم أن نفهم بأن النفط الذي تصدره إيران إلى المرافئ السورية لا يذهب كله لنظام الأسد، إذ مثلاً، عندما بلغت أزمة الوقود في لبنان ذروتها في عام 2020، أخذت طهران تزود حزب الله بالنفط الخام عبر الموانئ السورية وذلك خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من العام نفسه، حيث قام نظام الأسد بتنفيذ العمليات اللوجستية دون أي مشكلات، مثل مساعدة شاحنات حزب الله على تعبئة وتحميل النفط الإيراني ونقله من بانياس إلى معبر العريضة.
وخلال العام الفائت، صدرت إيران نحو 8% من إنتاجها النفطي عبر الموانئ السورية خلال كل ثلاثة أشهر من السنة، وكانت الصين أول مستورد للنفط الإيراني، وأتت بعدها الإمارات، ثم سوريا، ففنزويلا. في حين لم يتبين إلى أين ذهب 17% من الإنتاج النفطي الإيراني خلال العام الماضي.
تفاصيل إمداد إيران للنظام السوري بالنفط الخام
أشارت تقارير عديدة إلى إلغاء إيران أو قيامها بتزوير المعلومات التي تتصل بالمنشأ حتى تقوم بنقل النفط إلى الموانئ السورية عبر الاستعانة بسفن تحمل وثائق تسجيل مزورة. وفي تقرير نشرته وزارة الخزانة الأميركية في تشرين الثاني 2022، تبين بأن إيران أخذت تصدر المزيد من النفط لوكلائها وحلفائها الخاضعين للعقوبات، مثل حزب الله ونظام الأسد. وتطرق التقرير أيضاً لتهريب الحرس الثوري الإيراني شحنات كبيرة من النفط عبر شبكات تهريب تضم العديد من الشخصيات المهمة وشركات الواجهة، إلى جانب الاستعانة بسفن تقوم بخلط النفط لإخفاء أصله الإيراني ثم تصديره إلى مختلف أرجاء العالم.
منذ عام 2011، سعت إيران لتزويد نظام الأسد بالوقود بوتيرة منتظمة إلى حد كبير، وذلك حتى يتمكن من الاستعانة بالوسائل العسكرية لقمع المظاهرات ولمنع تقدم فصائل المعارضة، غير أن عودة إدارة دونالد ترامب لفرض عقوبات أميركية على إيران في عام 2018 أجبرت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على وقف إمداد نظام الأسد بالنفط، ما أدى لظهور أزمة وقود في سوريا امتدت لمدة ستة أشهر على أقل تقدير.
بيد أن النفط الإيراني عاد ليصل إلى موانئ نظام الأسد في أيار 2019، وذلك عندما نجحت سفينة إيرانية بتسليم شحنة لنظام الأسد عبر الاستعانة بالمزيد من أساليب التخفي المُحكمة، وبعد مرور أشهر على ذلك، وتحديداً في تموز 2019، اعترضت القوات الملكية البحرية البريطانية سفينة إيرانية تحمل نفطاً قبالة ساحل جبل طارق، وكانت محملة بمليوني برميل من النفط الخام، وذلك في أثناء توجهها إلى ميناء بانياس بسوريا، وقد كشفت تلك العملية البريطانية أن إيران ما تزال لديها رغبة بإمداد حلفائها بالنفط.
بعدما تراجع القتال في سوريا، عملت إيران على تدعيم دورها في سوريا في عدة قطاعات، كان من بينها قطاع الطاقة، وقد تجلى ذلك بتوقيع عدة اتفاقيات ومشاريع بين إيران والنظام السوري.
في 2017، اتفقت شركات إيرانية وسورية وفنزويلية على تطوير مصفاة نفط جديدة غربي محافظة حمص بوسعها أن تنتج 140 ألف برميل يومياً، وذلك بكلفة تقديرية تعادل مليار دولار أميركي.
وخلال السنوات التي أعقبت ذلك الاتفاق، تم التوقيع على اتفاقيات أخرى بين دمشق وطهران في مجالات عديدة، ولعل أخطرها تأسيس شركة اتصالات جديدة، حيث كشفت تحقيقات بأن 52% من أسهم الشركة تخضع لسيطرة مباشرة من قبل الحرس الثوري الإيراني، وذلك أمر خطير ومقلق، بما أنه يتيح للاستخبارات الإيرانية مراقبة الاتصالات وجمع المعلومات حول مواضيع عديدة تشمل القضايا والأمور السرية التي تتصل بمجال الطاقة.
في عام 2022، زودت إيران سوريا بـ 8% من إنتاجها النفطي، بيد أن نظام الأسد لم تصله كامل تلك الشحنة، وقد اتضح ذلك بعد تصريحات الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في أيلول 2021، والتي شكر فيها إيران ونظام الأسد بعدما أرسلت طهران سفينة محملة بالنفط إلى ميناء بانياس، ثم نُقلت شحنة تلك السفينة فيما بعد إلى منطقة الضاحية الجنوبية بلبنان عبر معبر العريضة الحدودي.
خلال الفترة الواقعة ما بين كانون الأول 2021 وكانون الأول 2022، أرسلت إيران اثنتي عشرة سفينة محملة بالنفط إلى الموانئ السورية، حيث ذكرت مصادر أن ستاً منها رُصدت لصالح نظام الأسد بصورة حصرية، في حين تم إرسال ثلاث منها خاصة لحزب الله. أما الثلاث المتبقية فقد تقاسمها حزب الله مع نظام الأسد، حيث بلغت حصة النظام السوري 35% وحزب الله 55%.
تكتيكات إسرائيلية ضد وجود الحرس الثوري على الساحل السوري
خلال السنوات الماضية، تجنبت إيران نشرها لقواتها والإعلان عن وجودها في المدن الساحلية السورية، مع مواصلتها التحرك بشكل محدود عبر الاعتماد على الأدوات الناعمة، ويرجع سبب ذلك إلى الوجود الروسي في سوريا، بما أن ذلك يعتبر من العوامل الأساسية التي حدت من الانتشار الإيراني المباشر على الساحل السوري، ما أدى لتحييد تلك المناطق عن الغارات الإسرائيلية التي زادت حدتها في مطلع عام 2021.
على الرغم من الظروف الدولية والسياسية والاقتصادية والعسكرية التي سمحت لإيران بالعمل مباشرة على الساحل السوري خلال عام 2022، فضلت طهران مواصلة وجودها عبر الاستعانة بعدد من أدواتها الناعمة (على الأقل خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022 بالتزامن مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا). ولكن بحلول منتصف عام 2022، تغيرت أولويات روسيا، بعد تركيزها على أوكرانيا. ونتيجة لذلك، تراجع الدعم اللوجستي للقوات الروسية في العديد من المناطق السورية، وقد شمل ذلك المحافظات الساحلية، فكان ذلك مبرراً كافياً لإيران حتى تتحرك على نطاق أوسع وأخطر على الساحل السوري، مع التركيز على نشر قواتها ضمن مواقع دفاعية، وشبكات طرق رئيسية، وموانئ في سوريا، باستثناء ميناء طرطوس.
بات الجميع يعرف أن إسرائيل تعتبر الوجود الإيراني ومقاره العسكرية في الجنوب السوري بمثابة تهديد لأمنها القومي، ولهذا، أخذت إسرائيل منذ عام 2013 تشن العديد من الغارات الجوية والضربات الصاروخية بعد ظهور قوات إيرانية في تلك المناطق، وقد استثنت تلك الغارات مواقع على الساحل السوري نظراً لعدم وجود إيران فيها.
قبل تورط روسيا في أوكرانيا، حاولت إيران أن تقيم لنفسها موطئ قدم على الساحل السوري، وقد شملت أولى محاولاتها استخدامها لمستودعات الموانئ لتخزين صواريخ متوسطة وبعيدة المدى. ولذلك استهدفت إسرائيل في أيلول 2018 مستودعات أسلحة إيرانية ودمرتها في محافظة اللاذقية بالقرب من مرفأ تلك المدينة.
في مطلع عام 2021، لوحظت زيادة واضحة في التحركات الإيرانية ضمن الكثير من المناطق الساحلية السورية، وقد تأكد ذلك عبر عودة الهجمات الإسرائيلية المباشرة لاستهداف الساحل السوري، حيث وقعت أولى تلك الهجمات في نيسان 2021.
شهد عام 2022 أكبر انتشار إيراني في المناطق الساحلية السورية، وقد حدث ذلك بالتزامن مع نقل روسيا للكثير من قواتها إلى أوكرانيا لدعم عملياتها العسكرية هناك. ومع زيادة الهجمات الإسرائيلية المباشرة على محافظتي اللاذقية وطرطوس، شهد عام 2022 أكبر عدد من الغارات الإسرائيلية على الساحل السوري، وفيما يلي لمحة شاملة عن الغارات الإسرائيلية التي استهدفت الساحل السوري:
في بداية عام 2023، ألفت إيران نفسها في خضم أزمة مالية جديدة تختلف تمام الاختلاف عن سابقاتها، ويعود أحد أسباب ذلك إلى استمرار الاحتجاجات في الداخل ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وارتفاع الكلفة الأمنية والعسكرية التي ينبغي على إيران دفعها لتبسط وجودها وتمد نفوذها في دول الجوار.
ولهذا من المرجح لإيران أن تواجه المزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية خلال عام 2023، مما سيخفف من نفوذها على حلفائها الإقليميين، مثل سوريا، كما سيجبرها على إعادة تقييم الدعم الذي تقدمه لحلفائها.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن الضغوطات العسكرية التي تعرضت لها إيران في السابق لم تؤثر على تكتيكات العلاقات العامة التي تنتهجها إيران، بما أنها تواصل تأكيدها على دعمها المستمر لنظام الأسد وحزب الله. إذ مؤخراً، شدد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، على استمرار طهران على دعمها لهذين الطرفين ومدهما بالنفط الإيراني.
ونشرت وكالات الأنباء التابعة للنظام السوري هذا التصريح إلى جانب العديد من المواقع الإعلامية التابعة للدولة في إيران، لتناقض تلك التصريحات التقرير الذي نشرته صحيفة وول ستريت جورنال في 15 كانون الثاني والذي تطرق إلى عزم إيران على زيادة سعر النفط الخام الذي بقيت تمد نظام الأسد به خلال السنوات الأخيرة الماضية ولكن بسعر رمزي.
بيد أن طريقة تعامل نظام الأسد وإيران مع المعلومات الواردة في هذا التقرير كانت متوقعة، ومع ذلك فإن أحداث عام 2022 وهذا العام قد تجبر طهران في نهاية المطاف على إعادة تقييم أولوياتها، مثل تصديرها للنفط بالمجان لتمد به الأسد وحزب الله.
المصدر: Atlantic Council