بدأ عام 2020 في تركيا بافتتاح مشترك لخط السيل التركي للغاز شارك فيه كل من أردوغان وبوتين في 8 يناير 2020، ولكن لم يكد يمر شهر حتى بدأت التوترات تظهر في إدلب والتي تتوجت بإعلان تركيا عن عملية "درع الربيع" في مطلع مارس 2020 والتي كانت بمثابة مواجهة غير مباشرة مع روسيا ونظام الأسد في سوريا في إدلب.
وقد أظهرت تركيا خلال عملية درع الربيع أنها لن تتهاون في التنازل عن إدلب خاصة في ظل عدم استطاعتها تحمل موجة جديدة من اللاجئين. وقد خاضت تركيا معارك مع النظام وقامت طائرات بدون طيار التركية بدور مهم وأوقعت الكثير من الخسائر لدى النظام وكادت أن تتواجه مع روسيا خاصة بعد مقتل أكثر من 30 عسكرياً تركياً في غارة جوية. ولكنَّ التوتر تم احتواؤه في اجتماع بين بوتين وأردوغان بالإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار في 5 من مارس والذي إن تمَّ الحكم عليه بأنه اتفاق هش إلا أنه بقي صامدا تقريبا طوال عام 2020.
ثم لم يلبث موضوع انتشار فايروس كورونا في 11 مارس/ آذار ثم أول حالة وفاة في 18 مارس في تركيا في التغطية على حدث المعارك التي كانت على وشك التطور لحرب أكبر حتى أن الناس تقريبا نسيت المعارك التي وقعت قبل 10 أيام من انتشار فايروس كورونا الذي هيمن على الأجندة الدولية والمحلية.
في 24 تموز أعادت تركيا افتتاح آيا صوفيا كمسجد بعد بقاء المكان كمتحف لمدة 86 عاماً وقد أثار القرار جدلاً كبيراً وتعرض لانتقادات خاصة من الدول الغربية لكنه كان بلاشك أحد المؤشرات على السيادة التركية وقد حقق الرئيس التركي مزيداً من الشعبية في الداخل في ضوء هذا القرار.
بينما كانت تركيا منشغلة في جبهة إدلب فقد كانت عينها على شرق المتوسط سواء ما يتعلق بسعيها لحماية ما تسميه "الوطن الأزرق"
في أغسطس/ آب 2020 اكتشفت تركيا 320 مليارَ متر مكعب من الغاز الطبيعي في البحر الأسود وقد كان خبرا سعيدا لتركيا ساهم في توقع شيء من التخفيف على اقتصادها التي تكافح بكل قوة من أجل دعمه وتقويته، وعلى خطط التنويع التي تسعى لتنفيذها في ظل اعتمادها في مجال الطاقة على خصومها بشكل كبيرو خاصة روسيا وإيران. وقد أضيف لهذا الاكتشاف اكتشاف آخر في 17 أكتوبر 2020 بقيمة 85 مليار متر مكعب ليصبح مجموع ما تم اكتشافه 405 مليارات متر مكعب.
بينما كانت تركيا منشغلة في جبهة إدلب فقد كانت عينها على شرق المتوسط سواء ما يتعلق بسعيها لحماية ما تسميه "الوطن الأزرق" أو سعيها لحماية حلفائها ومصالحها من خلال دعم حكومة الوفاق في مواجهة هجمات حفتر حيث تركيا قد خلطت أوراق المنطقة شرق المتوسط عبر اتفاقها مع حكومة الوفاق على المناطق الاقتصادية البحرية بالإضافة لمذكرة تفاهم في المجال الدفاعي والأمني 2019 ثم بإرسالها قوات ودعما عسكريا إلى ليبيا بالرغم من المواقف الرافضة وخاصة من فرنسا واستطاعت تركيا أن تدعم صمود حكومة الوفاق وتشتت جبهة حفتر ولو مؤقتا حيث تم تحرير طرابلس كاملة في حزيران 2020 ومن ثم تم تهيئة الأجواء نسبيا لحالة تفاهم وما زالت التوترات في ليبيا حاضرة ولكن تركيا مصممة على ما يبدو على تأمين مصالحها في ليبيا من خلال العمل مع طرابلس.
لقد أدى الموقف التركي في ليبيا إلى إغضاب واستفزاز الجبهة المناوئة لتركيا والتي تضم فرنسا واليونان وقبرص ومصر وإسرائيل والإمارات وغيرها، وقد ترافق هذا مع توتر متزايد في شرق البحر المتوسط مع عمليات التنقيب التركية في محيط قبرص وبعض المناوشات مع اليونانيين وقيام مهمة إيريني الأوروبية بالتضييق على السفن التركية ولكن حتى الآن نجحت تركيا من خلال مناوراتها في منع تطوير التوتر إلى عقوبات عليها وهو ما ظهر في قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة التي أجلت تطبيق عقوبات على تركيا إلى مارس 2021.
أما الدور التركي في كارباخ فقد ساهم في تحرير أذربيجان لإقليم كاراباخ بعد 44 يوما من القتال حيث دعمت تركيا أذربيجان سياسيا وعسكريا وقد أرسلت قوات للمساهمة في مراقبة وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بعد مباحثات تركية روسية وقد شارك أردوغان في حفل النصر في باكو والذي ألقى فيه شعرا كاد يسبب أزمة دبلوماسية مع إيران. لقد كسبت تركيا في كارباخ وسنرى عددا من نتائج دعمها لكارباخ قريبا في صورة اتفاقيات تجارية واقتصادية وعسكرية ودور أكبر في عمليات إعادة الإعمار ومزايا أكثر لتركيا في صفقات الغاز والطاقة الأذرية.
لقد كانت سنة طويلة على تركيا ومليئة بالأحداث والتطورات ولكنها حملت أخبارا جيدة فقد تم اكتشاف الغاز وتخطت تركيا أزمة كورونا بأقل الأضرار
أمام كل هذا كانت السنة الأخيرة والسنوات الأربع السابقة من حكم إدارة دونالد ترامب أيضا ساخنة فقد شهد العام الأخير إعلان صفقة القرن وبدء مسلسل التطبيع الذي اعتبرته تركيا في إطار ترتيب إقليمي يستهدفها وبالرغم من إيجاد أردوغان لطرق للتعامل مع ترامب فقد ازداد التوتر في العام الأخير حيث طبق ترامب عقوبات وإن كانت شكلية على مؤسسة الصناعات العسكرية التركية ولكن أمام كل هذا ما زالت طبيعة العلاقة في عهد بايدن لم تتضح بعد وإن كانت تركيا مستعدة للتفاهم لتجنب أي ضغوط في المرحلة القادمة خاصة وأن البلد قد تقدم على انتخابات مبكرة أو حتى لو بقي الموعد في نوفمبر 2023 فإن الساحة الداخلية بحاجة للحماية من آثار السياسة الخارجية السلبية على حكومة الرئيس أردوغان.
لقد كانت سنة طويلة على تركيا ومليئة بالأحداث والتطورات ولكنها حملت أخبارا جيدة فقد تم اكتشاف الغاز وتخطت تركيا أزمة كورونا بأقل الأضرار، ولكنها قاتلت على جبهات سوريا وليبيا وكاراباخ وشرق المتوسط، عسكريا فيما قاتلت على عدد أكبر من الجبهات سياسيا وما زالت كل هذه الجبهات ساخنة تنتظر مناورات جديدة في العام 2021.