عاد طريق غرب البلقان أحد أهم الطرق التي يسلكها طالبو اللجوء، للعمل من جديد بعد سنوات من الإعلان عن إقفاله، ورغم القوانين الصارمة للدول المحاذية كالمجر على سبيل المثال، ويترتب على هذه العودة للطريق أسباب مجتمعة، بحسب موقع "مهاجر نيوز".
منذ اندلاع أزمة اللجوء في 2015، تشكلت طرق ومسارات عدة سلكها المهاجرون للوصول إلى أوروبا، وشهدت تلك الطرق منذ ذلك الحين هبوطاً وصعوداً في استخدامها، ومن بين الطريق الرئيسية طريق غرب البلقان، المنطقة التي عاشت أزمات سياسية وصراعات في تاريخها الحديث، باتت الآن شبه موحدة لمواجهة أزمة الهجرة.
ارتفاع عدد المهاجرين بنسبة ثلاثة أضعاف خلال عام
على الرغم من سياسات مواجهة الهجرة التي تصل للعنف الجسدي ضد المهاجرين، لم تتوقف موجات المهاجرين، وأخذت أعداد العابرين لطريق غرب البلقان بالارتفاع، وسجّل المهاجرون الأفغان النسب الأعلى.
وبحسب تقرير صادر عن وكالة حماية الحدود الأوروبية "فرونتكس" في تموز/يوليو الماضي، فإنه خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، عبر أكثر من 55 ألفا طريق غرب البلقان، أي ما يعادل زيادة بنسبة ثلاثة أضعاف مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وقدّرت الوكالة في منتصف آب/أغسطس الجاري أن "هذا هو أكثر طرق الهجرة حاليا إلى الاتحاد الأوروبي نشاطا"، وأشارت إلى أن معظم الجنسيات التي تعبر تلك الطريق، يأتون من سوريا وأفغانستان وتركيا، وهذا قد يعتبر بدهيّاً لقرب تلك الدول من منطقة البلقان.
ومن أهم أسباب إعادة تفعيل طريق غرب البلقان، تشديد الاتحاد الأوروبي لرقابته على طرق التهريب الأخرى، خاصة في المتوسط، وكذلك وجود أعداد كبيرة من المهاجرين في تلك الدول، ممن تقطعت بهم السبل ووجدوا أنفسهم عالقين في البوسنة مثلا أو صربيا أو مقدونيا. جزء كبير من هؤلاء لم يتوقف عن محاولة عبور الحدود، ومنهم من نجح أخيرا في مسعاه.
إغلاق الحدود والاعتداء على المهاجرين
بعد توقيع الاتحاد الأوروبي اتفاق الهجرة مع تركيا عام 2016، بدأت الدول الواقعة على طريق غرب البلقان (صربيا، البوسنة والهرسك، كوسوفو، كرواتيا، مقدونيا، الجبل الأسود...) بإغلاق حدودها تباعا في وجه المهاجرين، سواء عبر نشر الأسلاك الشائكة ووصولاً إلى نشر الجيش.
ولجأت بعض الدول إلى استخدام العنف المفرط ضد من ينجحون بعبور حواجزها، كالمجر وصربيا على سبيل المثال، حيث تم تسجيل استخدام للعنف بحق المهاجرين بشكل غير مسبوق. شهادات جمّعت على مدار السنوات الماضية تحدثت عن ضرب مبرح ومصادرة للممتلكات وحتى استخدام كلاب حراسة شرسة لمهاجمة المهاجرين.
منظمات غير حكومية نشرت تقارير عدة حول الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون على حدود بعض تلك الدول. ففي المجر على سبيل المثال، وبعيداً عن الصورة التي عكستها البلاد فيما يتعلق باستقبال وإيواء اللاجئين الأوكرانيين، أثبتت التقارير تعرض المهاجرين السوريين والأفغان والعراقيين وغيرهم من الفارين من العنف للعنف. الأحداث نفسها تم توثيقها على الحدود الصربية.
المجر رأس حربة خطاب مناهضة الهجرة
وثقت لجنة هلسنكي المجرية، وهي منظمة حقوقية، إصابات في الرأس وكسور في الأطراف بسبب اتباع حرس الحدود المجري لأساليب عنيفة ضد المهاجرين، فضلا عن استخدام الهراوات والكلاب.
وبحسب موقع "مهاجر نيوز"، فإن موقف المجر من الهجرة هو الأكثر شراسة، لدرجة أن رئيس الوزراء فيكتور أوربان، وصف المهاجرين وطالبي اللجوء بالـ "غزاة"، وبأن سياسة بلاده تحافظ على هوية أوروبا "المسيحية" ضد "الزحف الإسلامي".
وأكملت المجر أواخر العام 2015 على طول حدودها مع صربيا، ثم باتت عام 2016 الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي تتبنى قانوناً يشرّع عمليات الإعادة (القسرية)، ويعيد طالبي اللجوء عبر الحدود دون العودة إلى الإجراءات القانونية الأوروبية.
يقبع في شمال صربيا حاليا آلاف الأشخاص من دول عربية وآسيوية، يأملون بالحصول على فرصة لعبور الحدود مع المجر ودخول الاتحاد الأوروبي. لكن السياج الحدودي المزدوج، الذي يبلغ ارتفاعه أربعة أمتار، يمثل عقبة حقيقية في وجههم.
لكن مع ذلك، ومن دون أي تفسيرات منطقية يمكنها شرح الأسباب، عادت أعداد المهاجرين في تلك المنطقة، خاصة شمال صربيا، للارتفاع مجددا، الأمر الذي دفع أوربان مؤخراً إلى الإعلان عن نيته تمديد السياج الحدودي وإضافة أربعة آلاف عنصر جديد في عداد جهاز حرس الحدود.
ما هي وجهة المهاجرين بعد البلقان؟
تتجه أعداد كبيرة من المهاجرين، ممن يتمكنون من عبر الحدود المجرية إلى النمسا، إذ يستحيل عليهم طلب اللجوء في المجر.
وفي هذا الإطار، أعلنت النمسا عن ارتفاع حاد في طلبات اللجوء لديها منذ بداية العام الحالي، حيث استقبلت سلطات الهجرة واللجوء لديها نحو 42 ألف مهاجر، وهو مستوى لم تشهده فيينا منذ ذروة أزمة اللجوء في العام 2015. وزير الداخلية النمساوي المحافظ غيرهارد كارنر حذر الأسبوع الماضي من تخطي بلاده قدرتها على استقبال أعداد إضافية من طالبي اللجوء.
لكن الشهرة الأكبر التي حظي بها طريق البلقان كانت أنه بوابة الحالمين بالوصول إلى ألمانيا. الآلاف تمكنوا من عبور تلك الطريق في 2015 باتجاه الاقتصاد الأول في الاتحاد الأوروبي. وإن تدنت أعداد المهاجرين على تلك الطريق، إلا أنهم مازالوا، بنسب كبيرة، يعتبرون ألمانيا وجهتهم النهائية.
من ضمن هؤلاء المهاجرين من يريدون التوجه إلى فرنسا أيضا، وإن بنسب أخف بكثير من ألمانيا. فمؤخرا، بدأت أعداد المهاجرين القادمين من دول المغرب العربي بالارتفاع في مناطق شمال صربيا.
وقال رمضان بن عمر، الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إن طريق البلقان بدأت تشهد رواجا في أوساط الساعين للهجرة إلى أوروبا، "شهدت الطريق زخما منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بعد وصول 775 مهاجرا غير نظامي إلى صربيا خلال شهر وأكثر من 3000 خلال عام، دون احتساب من تمكنوا من دخول صربيا خلسة دون اعتراضهم من السلطات".
بن عمر أكد أن شبكات تهريب المهاجرين إلى أوروبا عبر طريق تركيا صربيا تنشط على منصات التواصل الاجتماعي، وتستعمل التطبيقات الذكية لاستقطاب الشباب للهجرة السرية. مضيفا أن "ما يدفع الشباب (التونسي) نحو مخاطر الهجرة السرية هو الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية وسياسات تشديد إجراءات الدخول للفضاء الأوروبي بطريقة نظامية".