يعرض "تلفزيون سوريا"، يوم غدٍ الجمعة، فيلماً وثائقياً جديداً بعنوان "محكمة أمن الدولة"، ويروي قصة واحدة من أهم أدوات نظام الأسد في القمع والإقصاء السياسي، الذي مارسه على المجتمع السوري عبر المحاكم الاستثنائية والعرفية.
ويلف "محكمة أمن الدولة العليا" الغموض والكتمان، وتحيط بها هالة من الرعب، حيث أصدرت المئات من أحكام الإعدام والسجن، وشردت حياة آلاف العوائل السورية من دون أن يكون لديها أساس قانوني أو دستوري واحد.
ويعود تاريخ محكمة أمن الدولة العليا إلى ما فترة الوحدة مع مصر، حيث أصدر جمال عبد الناصر، في 11 تشرين الثاني 1958، القرار رقم 44 القاضي بتشكيل محاكم أمن الدولة في الإقليم السوري، على غرار محاكم أمن الدولة في مصر، وكانت مختصة بمحاكمة كل من يعارض الأوامر الجمهورية التي كان يصدرها عبد الناصر، وسُميت المحكمة حينئذ بـ "محكمة أمن الدولة العليا الاستثنائية".
في عام 1963 أبقى البعثيون على المحاكم العرفية التي فرضت على سوريا في عصر الوحدة، وعقب استيلاء حافظ الأسد على السلطة، نجح حزب "البعث" في تحويلها إلى واحدة من أبرز أدوات القمع والاستبداد التي مارسها على المجتمع السوري.
ويؤكد الفيلم أن حافظ الأسد حول سوريا إلى ساحة صراع إقليمية، وحول الداخل السوري إلى معسكر اعتقال كبير، بقيادة أخيه رفعت وقواته "سرايا الدفاع"، إلى جانب المخابرات ومحكمة أمن الدولة العليا، في مواجهة التيارات المعارضة له، كالناصريين والشيوعيين والإخوان المسلمين وغيرهم من المستقلين.
فايز النوري
وضم الفيلم شهادة مصورة نادرة مع رئيس وقاضي محكمة أمن الدولة العليا، فايز النوري، الذي تحدث عن المحكمة وعمله فيها رئيساً وقاضياً منذ عام 1979 وحتى إقالته في 2000، إلا أنه بقي على رأس عمله حتى تاريخ إلغاء المحكمة في عام 2011.
وذكر الفيلم أن النوري عمل في مدينته دير الزور مدرساً لمادة الرسم والفنون لمرحلة التعليم الأساسي في عام 1969 لعدة سنوات في مدرسة إعداد المعلمين، وعُرف بسوء أخلاقه ونفور زملائه المدرسين من حوله، والتحق بعد ذلك بكلية الحقوق في جامعة دمشق، من دون أن يحضر أو يقدم امتحاناً واحداً، بل تخرج فيها لضرورات وظيفته التالية كرئيس لمحكمة أمن الدولة العليا.
ويشير الفيلم إلى أن العلاقة الوثيقة التي كانت تربط النوري برفعت الأسد، حولته من عضو عامل في الحزب إلى أمين شعبة، ثم أمين فرع، لينتقل بعد ذلك إلى دمشق كعضو قيادة قطرية.
كما يقر النوري خلال المقابلة بقربه من رفعت الأسد، ويعترف بأنه هو من عينه في رئاسة محكمة أمن الدولة العليا، على اعتبار أن من يرأس هذه المحكمة يجب أن يكون حكماً عضواً في القيادة القطرية.
تجارب وشهادات
ويشير الفيلم إلى تجارب كثير من المعارضين السوريين ممن مثلوا أمام محكمة أمن الدولة العليا، والانتهاكات التي ارتكبت بحقهم، كما يشير إلى تقارير حقوقية أصدرتها منظمات دولية، وثقت فيها الاعتقالات التعسفية والأحكام الجائرة والانتهاكات التي مارستها محكمة أمن الدولة بحق المعارضين السوريين والمحامين الذين دافعوا عنهم أمامها، مثل المحامي أنور البني والأكاديمي عارف دليلة والمعارض نزار رستناوي والناشطة الحقوقية رزان زيتونة وغيرهم كثير.
ومن المتحدثين في الفيلم المحامي والحقوقي الراحل أكثم نعيسة، أحد مؤسسي لجان الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية نهاية الثمانينيات، إلى جانب الشاعر والأديب فرج بيرقدار، الذي تعرض للاعتقال عدة مرات بسبب نشاطه الأدبي والسياسي المعارض للنظام.
ومن ضيوف الفيلم أيضاً القاضي مصطفى قاسم، الذي عمل في السلك القضائي في سوريا خلال فترة التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، وتطرق في حديثه إلى المبررات القانونية التي استندت إليها محكمة أمن الدولة في إطلاقها لأحكامها وانعقاد جلساتها بشكل سري.