ضربات إسرائيل النوعية .. تأثيرها وارتداداتها على حزب الله وإيران في سوريا

2024.10.16 | 06:06 دمشق

5333333333
+A
حجم الخط
-A

عمليًا ومنذ نحو عقد من الزمن وحتى اللحظة التي نعيشها الآن، لا تزال إسرائيل مستمرة في تنفيذ مئات الضربات الجوية والصاروخية بشكل دوري، والتي استهدفت ولا تزال تموضع ومصالح حزب الله اللبناني، وميليشيات وأذرع الحرس الثوري الإيراني المنتشرة بشكل واسع دون حسيب أو رقيب على كامل الأراضي السورية.

وكلنا بات يعرف، بحسب تصريحات وتأكيدات "تل أبيب"، أن الهدف من غاراتها وضرباتها المتلاحقة ينحصر أولاً في استمرارية العمل المتواصل وبكافة الوسائل العسكرية الممكنة لتقليص نفوذ إيران وحزب الله اللبناني، وتحجيم وجودهم على الأراضي السورية، وثانيًا إحباط مخططات إيران التي تهدف لجعل الجغرافيا السورية منطلقات وخطوط تماس متقدمة ودائمة قد تشكل تهديدات مستقبلية وتداعيات خطيرة على الأمن القومي الإسرائيلي.

ناهيك عن أن الجغرافيا السورية، وكما تؤكد إسرائيل ويعرفه كثير، أصبحت صلة وصل ومناطق عبور برية دائمة تُستخدم لتهريب وتخزين شحنات الأسلحة والصواريخ والطائرات المسيّرة من إيران عبر العراق وسوريا، ثم إيصالها إلى حزب الله في لبنان بطرق ووسائل تهريب كثيرة.

وهذا بكل تأكيد ما تعتبره إسرائيل خطًا أحمر سيؤدي بشكل مؤكد إلى تعزيز قدرات حزب الله العسكرية والقتالية وتعاظم خطره أكثر فأكثر، وهو ما لا تقبله تل أبيب وتعمل منذ سنوات على التصدي له وإفشال هذه المحاولات أينما كانت، مهما كلفها ذلك من ثمن.

نستطيع القول إن غارات وضربات إسرائيل على سوريا، خاصة بعد عملية "طوفان الأقصى" والحرب الإجرامية التدميرية الدموية الانتقامية التي شنها جيش العدو الصهيوني على قطاع غزة، أصبحت أكثر تطورًا وكثافة، وأشد ضراوة ودقة.

نظام غائب صامت

لا شك أن إسرائيل، كما ذكرنا، ومنذ سنوات تقوم بحملات قصف وغارات غالبيتها كما أرى غارات نقطية محددة ومحدودة، تستهدف فيها الميليشيات الطائفية والأذرع المسلحة التابعة لإيران والمتمركزة على الأراضي السورية. والصحيح أيضًا أنها في كثير من الأحيان تستهدف مواقع كثيرة تابعة لجيش النظام المجرم، مثل المطارات وكتائب الرادار والدفاع الجوي ومراكز البحوث العلمية وغيرها.

والأمر المثير للاستغراب في كل ما يحدث هو أن جيش النظام ووزارة دفاعه وهيئة أركانه وقائده الأعلى بشار الأسد، باتوا مجتمعين ودون خجل أو وجل يتعاملون مع كل هذا الكم من الهجمات الإسرائيلية التي استباحت سوريا وانتهكت سيادتها المفقودة لمئات المرات طوال أكثر من عقد، وكأنها تجري في جمهوريات الموز لا في قلب سوريا العظيمة، التي يحكمها نظام متخاذل جبان لا يستحق شخوصه حتى مجرد العيش فيها.

عمليًا، نستطيع القول إن غارات وضربات إسرائيل على سوريا، خاصة بعد عملية "طوفان الأقصى" والحرب الإجرامية التدميرية الدموية الانتقامية التي شنها جيش العدو الصهيوني على قطاع غزة، أصبحت أكثر تطورًا وكثافة، وأشد ضراوة ودقة. وباتت الغارات الإسرائيلية المنفذة على الأراضي السورية لا تكتفي فقط باستهداف التموضعات والأهداف العسكرية لحزب الله وإيران وميليشياتها، بل باتت تستهدف أيضًا الشخصيات القيادية الميدانية للحزب اللبناني وضباطًا كثيرا من الحرس الثوري الإيراني، أو ما يسمى بالمستشارين كما تحب إيران أن تسميهم. جاء كل هذا قبل أيام قليلة من قيام إسرائيل بشن هجومها الأخير والواسع النطاق على البنى التحتية العسكرية لحزب الله في مناطق الجنوب والضاحية، وتتويج ذلك بعمليات اغتيال وتصفيات لمعظم قيادات الصف الأول والثاني للحزب، وعلى رأسهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله، ورئيس أركانه فؤاد شكر، وخليفة نصر الله  هاشم صفي الدين، الذي لم تنتظر إسرائيل عليه أيامًا معدودة لتوليته وتسميته أمينًا عامًا للحزب، وغير هؤلاء الكثير.

إن الحزب يقوم بتجهيز كثير من قواته في وسط وغربي سوريا وبالقرب من الحدود اللبنانية انتظارًا لتحسن الظروف الصعبة والخطرة للدخول إلى لبنان

مأزق وفراغ

في الواقع، وفي ظل ما يتعرض له حزب الله الآن من ضربات ونكسات، خاصة بعد مقتل أمينه العام حسن نصر الله وغالبية قياداته العسكرية والميدانية، وربما تكبده خسائر فادحة أكثر في العدد والعدة في الأيام والأسابيع القليلة القادمة، نتيجة حدة المعارك والقصف التدميري، وإمكانية حدوث اجتياح إسرائيلي بري واسع ودامٍ على لبنان، فمن الطبيعي أن تُثار تساؤلات عن مآلات وارتدادات ذلك على طبيعة وجود الحزب في سوريا وعمله، وآليات نشاطه الميداني. خاصة أن هذا النشاط ليس مستقلاً بذاته، بل مرتبطًا إلى حد كبير مع العديد من غرف العمليات التي تضم الكثير من أذرع إيران الأخرى، مثل الميليشيات الطائفية العراقية والأفغانية وغيرها، والتي تنتشر في مناطق متفرقة واسعة من سوريا وتنضوي كلها تحت راية "الحرس الثوري" الإيراني. وعليه فمن الطبيعي جدًا، وخاصة في هذه الأوقات، أن يتأثر عمل وأداء حزب الله الميداني الناجم عن الفراغ الملحوظ في بعض مناطق انتشاره، وذلك نتيجة النقص العددي الكبير في عديد قواته بعد الاستدعاء الفوري لكثير من القيادات والعناصر للالتحاق بجبهات الجنوب اللبناني.

ناهيك عن أن الحزب يقوم بتجهيز كثير من قواته في وسط وغربي سوريا وبالقرب من الحدود اللبنانية انتظارًا لتحسن الظروف الصعبة والخطرة للدخول إلى لبنان، هذا طبعًا إن لم تستهدفهم الغارات الإسرائيلية التي تراقب وبدقة كافة الحدود والمنافذ البرية السورية باتجاه لبنان، وخاصة بعد قصف طائراتها الطريق الواصل إلى معبر المصنع، وتوقف عمليات عبور الآليات من سوريا باتجاه لبنان وبالعكس. وهذا كله بدوره سيشكل ضغطًا وعبئًا سينعكس على إيران وحرسها الثوري لتعويض وتدارك هذا النقص المفاجئ. لكن للأسف الشديد، فإن التأثر، وحسب كثير من المعطيات، سيكون نسبيًا ومرحليًا وليس كبيرًا وواسعًا بما يؤثر على استراتيجية ومشاريع وأهداف إيران في سوريا على المدى المنظور.

لا شك أن حزب الله في جنوبي لبنان يعيش حاليًا مأزقًا كبيرًا على الصعيد العسكري، بل وعلى صعيد القاعدة الشعبية، وذلك بفعل حملة الضربات الجوية الإسرائيلية التدميرية وموجات النزوح الكبيرة التي تسببت بها. ومن الطبيعي أيضًا أن تثار خلال الأيام والساعات الماضية تساؤلات ترتبط على وجه التحديد بالموقف المنتظر الذي ستتخذه إيران إزاء كل ما يجري الآن، وتبعاته الأكيدة القادمة في حال تدحرجت كرة اللهب أكثر وأكثر. خاصة أن مراكز أبحاث غربية كثيرة وصفت حزب الله اللبناني بـ"درة التاج الإيرانية"، قياسًا على غيره من الوكلاء الكثيرين. ورغم أن لطهران أذرعًا أخرى في المنطقة العربية (الحشد الشعبي، الحوثيين، وغيرهم)، إلا أنهم لم يصلوا إلى المرتبة التي وصل إليها "حزب الله" وزعيمه حسن نصر الله خلال العقود الأربعة الماضية.

ختاماً

لا شك أن الأحداث الميدانية المتلاحقة التي تجري الآن على الساحة اللبنانية والسورية تعتبر في الواقع اختبارًا حقيقيًا لما يسمى  بمحاور المقاومة، بل اختبارًا شاملاً وكاملاً للمشروع الأيديولوجي الإيراني التوسعي في المنطقة. هذا المشروع يعيش حالة قلق وتحسب دائم ناجم عن استمرارية تلقي أذرعه ضربات كثيرة وموجعة، مترافقة مع عجزها الواضح عن تحقيق أبسط مبادئ توازن الردع مع إسرائيل، وذلك على الأقل عبر توجيه ضربات قوية ومركزة ضد أهداف إسرائيلية مساوية في القوة والتأثير لما يتلقاه المحور الإيراني في سوريا ولبنان واليمن بشكل دائم ومستمر. وهذا ما تسبب في ضعف أركان المشروع، وأدى إلى التراجع البنيوي والتنظيمي فيه، الذي ترافق في الفترة الأخيرة مع استمرارية غياب الشخصيات الأساسية القوية الفاعلة وفقدانها الواحدة تلو الأخرى مثل (قاسم سليماني وحسن نصر الله) وقيادات وأركانات أخرى كثيرة.

أثبتت التجارب أن نجاح تل أبيب في التخلص من قيادات تلك المشاريع سيفرز ويأتي بأجيال لاحقة لا تمتلك نفس الخبرات والكفاءة بجميع صورها وأشكالها، وهو ما يعتبر مؤشرًا قويًا على تراجع المشروع والمحور الإيراني وتفضيله الانزواء على نفسه في هذه الأوقات الصعبة، لكن هذا المحور في الغالب لن يختفي أبدًا، وإنما سيعدل أولوياته وسيركز على حماية ما تبقى من نفوذه، وانتهاز أية فرص للعودة مجددًا. خاصة أن المشروع الذي جرى العمل عليه وترسيخه على مدار أكثر من أربعة عقود في المنطقة ربما يحتاج إلى عقود أخرى للخلاص منه بشكل كامل.