مع استمرار حملة القصف الشعواء على محافظة إدلب، لليوم السادس على التوالي وما تخلّفه من ضحايا وموجات نزوح جديدة، تتجلّى صور الإيثار بين الأهالي الذين في معظمهم من ذوي الدخل المحدود، لكنّهم كما جاء في الآية القرآنية، {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}.
وتبرز مفاهيم التكافل الاجتماعي في إيصال المنافع إلى متضرّري القصف والنازحين ودفع الأضرار عنهم، إذ تتوالى المواقف الإنسانية والمبادرات الفردية الواردة من المنطقة القابعة تحت نيران النظام السوري وروسيا، لتظهر صورة بيضاء وسط كلّ السواد القاتم الذي يعيشه الأهالي.
6 مواقف تعزّز التكافل الاجتماعي
تتعدد صور التكافل الاجتماعي، لعلّ أبرزها أن عرضت عائلات كثيرة استقبال النازحين في منازلها أو من لديه منزل فارغ قدّمه من دون إيجار، كما تقول الصحفية المقيمة في إدلب، سناء العلي، لتلفزيون سوريا، مضيفة: إنَّ الشعب السوري دائماً يؤكد على مواقفه الإنسانية في كلّ المحن التي يمر بها، وأعادت صور الإيثار في الحملة الحالية إلى الأذهان عندما شن النظام حملته في العام 2019 للسيطرة على مدن ريف إدلب الجنوبي معرة النعمان وخان شيخون كذلك عند كارثة زلزال شباط الماضي.
وفي الموقف الثاني، تأتي مبادرة نقل السيّارات الخاصة النازحين مجاناً، وذكر الإعلامي محمد سعيد قشاش المعروف باسم شامل الحمصي، لـ تلفزيون سوريا أحد المواقف الرجولية في أثناء القصف براجمات الصواريخ على مدينة إدلب قائلاً: صادفت سائق تاكسي بالقرب من دوار المحراب يدعى "أبو طارق الحمصي" فأوقفني مناشداً: "أخي شامل مشان الله إذا بتعرف حدا بسرمين أو بالنيرب أو بأي منطقة تقصف فأنا جاهز أدخل وطلع الناس من تحت القصف بسيارتي ومن دون أجرة"، ويقسم الإعلامي: "والله اقشعرّيت ودمعت عيني على هذا الرجل الكبير بالسن، يريد أن يعرّض نفسه للخطر تحت القصف لينقذ الناس ويساعدهم".
وفي موقف إيثار آخر، حصل مع "قشاش" خلال تغطيته الإعلامية للتصعيد العسكري على مناطق إدلب، قال: "صادفتني عدة مواقف بطولية، ومنها خلال تغطيتي برفقة زميلي الإعلامي عبد الرزاق سرجاوي، القصف الصاروخي على مدينة سرمين شرق إدلب، وفور وصولي إلى أطراف المدينة ناداني شاب (20 عاماً): (انزل من الآلية فوراً الراجمة ستقصف المكان)، وبعد مرور 10 دقائق من القصف أصرّ على مرافقتنا ومساعدتنا للوصول إلى أماكن القصف بسرعة وسهولة لنقوم بالتغطية الإعلامية رغم الخطورة على حياته".
وحسبما رصد تلفزيون سوريا، فقد لاقى موقف أحد بائعي الخضراوات في مدينة جسر الشغور التي أنهكها القصف وهُجر جلّ أهلها منها غربي إدلب، رواجاً على مواقع التواصل الاجتماعي، أمس الأحد، إذ وضع لافتة كتب عليها "خود حاجتك وتيسر.. الله يسامحك"، في إشارة لأخذ الحاجة من الخضراوات مجاناً، لمساعدة الناس.
كما وأطلق مطعم "الذواق" مبادرة لتقديم الوجبات السريعة مجاناً للطواقم الطبيّة وفرق الإنقاذ من جميع المنظمات الإنسانية التي تقوم بواجبها بتأمين حياة الناس وانتشال الضحايا من تحت الأنقاض، ليلتحق به أبو نذير الشامي صاحب مطعمي "صلّح وكرم الفول الدمشقي" و"شاورما القيمرية" ليدعم المبادرة بتقديم وجبات الحمُّص والفول والفلافل وساندويش الشاورما من مطعميه لفرق الإنقاذ والعاملين في المجال الإسعافي.
كذلك أعلن مركز "ماتركس" للاتصالات انضمامه إلى مبادرة المطاعم، معلناً في منشور على صفحته في فيس بوك عن تقديم خدماته المجانية للعاملين في المنظومات الإسعافية.
وفي ذات السياق أعلنت معظم محال الإنترنت والاتصالات عن مبادرة فتح شبكات مجانية في إدلب وريفها وريف حلب الغربي، بكلمة سر واسم مستخدم يحمل رقم 1 ومنها: "جودي نت، سوريا نت، سوبر نت، المهدي، شهبا"، وشبكات أخرى فتحت النت بدون كلمة سر مثل: "الفتح، رويال، نسيم، لاروز، السفير".
آثار إيجابية تدعم نفسية النازحين
يؤكد الداعم النفسي عبد الناصر اليوسف العامل في منطقة سلقين شمالي إدلب ضمن إحدى الفرق النفسية، أنَّ الاستجابة السريعة من المنظمات الإنسانية والفرق التطوعية والمبادرات الفردية، تنعكس إيجاباً على النازحين، ومنها تحديد المنازل الفارغة في المناطق الباردة لاستقبال النازحين، إضافة إلى تحديد مخيمات إيواء جاهزة مثل مخيم قرية "عين البكارة" بريف سلقين.
وقال "اليوسف" لـ تلفزيون سوريا: إنَّ هذه المبادرات تسمّى "إسعافاً نفسياً أولياً"، والذي يعدّ دعماً وجدانيّاً وعمليّاً للذين يعانون من ضائقة حادة نتيجة حدث وقع مؤخراً، وينبغي أن يتيحها العاملون الميدانيون، بمن فيهم العاملون الصحيّون أو المدرّسون أو المتطوّعون للأفراد المتضررين ما يُخفف من معاناتهم النفسية.
وأضاف الداعم النفسي، أنَّ التكاتف والتعاضد الاجتماعي يلعب دوراً مهماً في التخفيف من الآلام والهموم والضغوط النفسية للنازحين، ويشعرهم بنوع من الأمان والاستقرار النفسي، ولاسيّما الأطفال الذين يتأثرون بشكل أكبر من القصف، فضلاً عن تخفيف حالات مرضية يمكن أن تسبّبها حالة الخوف والضغط النفسي مثل ارتفاع ضغط الدم وحدوث جلطات قلبية في بعض الحالات.
من جانب آخر، هناك بعض الحالات الفردية من صور الشجع والاستغلال لظروف النازحين مثل رفع إيجار المنزل أو رفع أسعار المواد الاستهلاكية والمنزلية، لكن عزيمة الشعب السوري تؤكد تكاتفهم لمواجهة كل التحديات التي يفرضها عليهم النظام من قصف وتهجير وتدمير.