في مساء الأربعاء 21 من تشرين الأول/أكتوبر هاجمت خمس طائرات مسيرة قاعدة التنف الأميركية في سوريا، وبالرغم من أن الهجوم لم يوقع إصابات بشرية بين المقاتلين الأميركيين والسوريين، بحسب تصريحات وزارة الدفاع الأميركية، إلا أنه كان لافتاً، فهو يأتي بعد عدد من الهجمات الإيرانية الفاشلة التي استهدفت القاعدة على مر السنوات الماضية، فالقاعدة، المتواضعة بمساحتها والأسلحة الموجودة فيها والاستراتيجية بموقعها، كانت بمنأى عن وصول الاعتداءات سواء الروسية أو الإيرانية لداخل منطقتها أو ما يعرف بمنطقة الـ 55 كم، وذلك رغم تصريحات الطرفين العدائية تجاهها لعدة اعتبارات، أهمها أنهم يرون فيها تحدياً صريحاً لسيطرتهم على المناطق التابعة للنظام.
قصة التنف كما ترويها الأقمار الصناعية
يرى كثيرون أن قاعدة التنف تعتبر بمعنى من المعاني رداً أميركياً على القاعدة الروسية في مطار حميميم، وذلك رغم أنه لا مجال للمقارنة بين القاعدتين من ناحية التجهيزات العسكرية والأسلحة والمهام القتالية، حيث تعتبر التنف من أقل القواعد الأميركية تجهيزاً، فالتنف وفقاً لموقع كريسيس غروب الأميركي تصنف بين أقل القواعد كلفةً من بين القواعد الأميركية في المنطقة.
عادت التنف للواجهة بعد استيلاء تنظيم الدولة عليها في أيار/مايو 2015 بحيث أعلن التنظيم وقتها سيطرته على كامل الحدود مع العراق ووصوله إلى الحدود الأردنية، مما دق ناقوس الخطر في الأردن، ولكن فصيل "جيش سوريا الجديد" التابع للمعارضة السورية استعاد بدعم أميركي التنف في آذار 2016 وأخرج التنظيم، وهكذا أنشأ التحالف الدولي لمحاربة داعش بقيادة الولايات المتحدة قاعدة التنف تحت شعار التصدي لتنظيم الدولة وتدريب قوات الجيش السوري الحر لمواجهة التنظيم، ووصل إلى التنف عسكريون بريطانيون بالإضافة إلى الأميركيين لتدريب الجيش الحر.
إنشاء القاعدة، الذي تم بتوافق روسي أميركي، سرعان ما تحول إلى نقطة خلاف وبدأت التصريحات الروسية العدائية تجاه القاعدة واعتبارها احتلالاً، بينما قال الروس عن وجودهم العسكري في سوريا إنه تم بدعوة من النظام الحاكم، ولكن الطرف الأكثر عداءً للقاعدة والذي يرى أنها جاءت بشكل رئيسي لمراقبة تحركاته والحد من تمدده في سوريا هو إيران، لا سيما بعد قيام الفصائل السورية الموجودين في القاعدة بشن هجوم كبير على تنظيم داعش في مدينة البوكمال في محاولة لاستعادتها من التنظيم، ولكن تنظيم الدولة تمكن من صد الهجوم وتكبدت القوات المهاجمة خسائر كبيرة.
قصة الـ 55 كم
في 18 من أيار 2017 قام رتل عسكري يتألف من ميليشيات إيرانية (كتائب الإمام علي، الأبدال، قوات 313) بشكل أساسي وبمشاركة من ميليشيا النمر، التابعة للنظام بالتوجه نحو قاعدة التنف وانطلقت الميليشيات من حاجز ظاظا بالقلمون، وتابع الرتل تقدمه رغم التحذيرات الأميركية له من الاقتراب إلى أن قامت الطائرات الأميركية باستهداف الرتل وتدميره وعاد الناجون إلى حاجز ظاظا، وبعد هذه الحادثة بعدة أيام، 28 من أيار، قامت الطائرات الأميركية بإسقاط منشورات على مواقع النظام وإيران قرب التنف محذرة إياهم من الاقتراب من القاعدة ومحذرة من اختراق حدود الـ 55 كم بمحيط التنف.
Exclusively, The coalition dropped leaflets warning SAA elements.
— Hammurabi's Justice News (@Hammurabi_News) May 28, 2017
حصري، التحالف الدولي يحذر عناصر الأسد بمناشير.https://t.co/3AYgp9QKN8 pic.twitter.com/uGYDnmofu2
وبناءً عليه أصبح من المتعارف عليه أن القاعدة العسكرية هي نقطة ارتكاز في منطقة عدم اشتباك وأن حدود المنطقة 55 كم بشكل دائري، تمتد شمال شرق إلى منطقة الخويمات، وباتجاه الشمال إلى منطقة الشعار، وشمال غرب إلى فروع العليانية، وتبعد عن الحدود الأردنية 22 كم، ومن هنا بدأت وسائل الإعلام بتسمية المنطقة المحيطة بقاعدة التنف بمنطقة الـ 55 كم، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017 توجهت معظم الفصائل المعارضة في البادية السورية إلى داخل منطقة الـ 55 كم.
مع الغارة الأميركية على الرتل الإيراني وتحديد منطقة الـ 55 كم انخفضت إلى حد كبير التعديات الروسية الإيرانية على القاعدة، ولكن ذلك لم يعنِ بأي حال من الأحوال توقف الدولتين عن المماحكة وإطلاق التصريحات، وبالرغم من تواضع تسليح القاعدة إلا أن الحماية الجوية الأميركية للقاعدة حدت إلى حد كبير من المغامرات الروسية الإيرانية ولكنها لم تمنعها، حيث استمر تحرش الدولتين بالقاعدة بين الحين والآخر ووصلت أحياناً لوقوع اشتباكات، ولكنها كانت محدودة ولم تجرؤ على تجاوز خط الـ 55 كم.
أهمية التنف الجغرافية
تقع بلدة التنف على طريق بغداد - دمشق السريع الاستراتيجي عند المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، ويُعرف معبر التنف على الجانب العراقي بـ"معبر الوليد الحدودي" وهو أحد ثلاثة معابر حدودية بين العراق وسوريا، ويكتسب المثلث الحدودي أهميته من كونه يشكل عقدة مواصلات إقليمية تربط سوريا ولبنان والأردن والعراق، كما أنها تعتبر معبراً مهماً للربط البري بين إيران وسوريا مروراً بالعراق.
وظهر اسم التنف للمرة الأولى في السجلات الأميركية في عام 1991 إبان الغزو العراقي للكويت حيث استخدمها الرئيس العراقي السابق صدام حسين لإطلاق صواريخ سكود على إسرائيل، وأراد العراقيون ضمان عدم مرور الصواريخ فوق الأراضي الأردنية، وعاد اسم التنف للظهور في عام 2003 حيث نفذ الأميركيون إنزالاً جوياً فيها أثناء الغزو الأميركي للعراق.